عدد رقم 6 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هوذا العريس مُقبلٌ   من سلسلة: الأيام الأخيرة
«أي أناس يجب أن تكونوا أنتم؟ في سيرة مقدسة وتقوى»  (2بط11:3)

رأينا فيما سبق أننا قد وصلنا في رحلتنا إلى مشارف النهاية، وأن الصعوبات والمُفشلات تزداد يومًا بعد يوم، والعدو يُشدِّد الهجوم ضد الشهادة، ولكن مع هذا فإن الله سيظل في وسطها فلن تتزعزع، يُعين ضعفَ شعبه ويدفع الخطر، يُشدِّد الأيادي المُسترخية ويُشجِّع النفوس الخائرة والعاثرة بوعده الكريم: «أنا آتي سريعًا».  ومن الجانب الآخر فإن الأمناء يتعلَّقون به كمحط الآمال، وينتظرون مجيئه من السماء كالمخلِّص، طالبين أن يصيرَ النهار وينتهي ليلُ المرار.

وقد رأينا أنه في نهاية تدبير النعمة قد اختلفت الأمور من حيث الشكل عن أيام الكنيسة الأولى، فإننا نعيش في يوم الأمور الصغيرة، ومع ذلك فإن معونات النعمة كافية لنا بطول الرحلة، وقد جعل الرب أمامنا بابًا مفتوحًا لا يستطيع أحدٌ أن يغلقه.

ومن خلال تاريخ الكنيسة النبوي عرفنا أننا نعيش في أيام لاودُكية، وهي الدور الأخير قبل مجيء الرب، حيث الفتور والادعاء الفارغ بالغنى والكفاية الذاتية والاستغناء عن المسيح واستبعاده، بينما يأتي التقرير الإلهي: «أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان».  هذه هي حالة المسيحية الاسمية بصفة عامة في الأيام الأخيرة.  إنها تشبه أيام حُكم القضاة، إذ لم يكن مَلكٌ في إسرائيل وكل واحد عمل ما حسن في عينيه.  ومع ذلك فإن الرب في نعمته وصبره لا يزال واقفًا على الباب ويقرع، راجيًا أن يسمع أحدٌ صوته ويفتح له ليدخل إليه ويتعشى معه، مشاركًا إياه في همومه وأحزانه، وبعد ذلك يُمتعه بفيض بركاته، واعدًا إياه، متى غلب وأظهر تجاوبًا مع ندائه، أن يُجلسه معه في عرشه في يوم مجده وملكه العتيد، كما غلب هو وجلس مع أبيه في عرشه في الفترة الحاضرة، مُنتظرًا حتى توضع جميع الأعداء تحت قدميه.

على أن الرب يبقي لنفسه الآن بقية أمينة، وإن كانت قليلة، تحبه بإخلاص وتقف في صفه ضد التيار الجارف، تحفظ كلمته وتُقدِّر اسمه، تقنع بالقوة اليسيرة والأمور الصغيرة، تراعي قداسته وتسير بخوف أمامه، تحتمل العار والآلام لأجله بصبر وطول أناة، وتنتظر بشوق مجيئه كالعريس المجيد لينهي الاغتراب ورحلة العذاب، وبالإجمال تحافظ على الطابع الفيلادلفي وسط لاودُكية التي تسود.
   ومن خلال دراسة تاريخ إسرائيل ورجوع البقية إلى أورشليم بعد السبي البابلي، والنهضات التي حدثت بينهم في أيام زربابل، وحَجَّي وزكريا النَّبيين، ثم عزرا الكاهن، وأخيرًا نحميا، وما آلت إليه الأمور من انحدار بعد هذه النهضات، وكيف ساءت الحالة الأدبية لهذه البقية في أيام ملاخي، والتي تُشبه حالة لاودُكية في الأيام الأخيرة للمسيحية، فإننا نرى ثلاث مجموعات انتهى بهم المشهد كالآتي:

1- الأكثرية من الشعب في السبي في بابل، وإن كان بينهم بعض الأتقياء.

2- البقية التي رجعت من السبي إلى أورشليم، المكان الذي اختاره الرب ليضع اسمه فيه، حيث أُعيد بناء الهيكل ومُورستْ العبادة وتقديم الذبائح بشكل صحيح في المكان الصحيح.  ولكن الحالة الأدبية لهذه البقية قد انحطت للغاية، وهذا ما نراه في سفر ملاخي.

3- ظهور بقية وسط هذه البقية تميَّزت بالتقوى والمحبة للرب، والالتفاف حول اسمه الكريم ليفكِّروا فيه ويتكلَّموا عنه (ملا 16:3).  وقد كتب ملاخي سفره، الذي تضمَّن كلمات الوحي الأخيرة في العهد القديم، لا لإسرائيل الذين في السبي، بل للبقية التي رجعت من السبي إلى أورشليم.  وفي هذه الرسالة الأخيرة نرى الرب مُعاتبًا ومُوبِّخًا الأكثرية المتهاونة التي استشرى فيها الخراب، ومُشجعًا الأقلية الأمينة التي لم تنفصل عن إخوتهم، بل عن الحالة الأدبية المُنحطة، وكان لهم رؤيةٌ مختلفة ورأيٌ مختلف.  والرب أعلن سروره بهذه البقية وسط البقية المتكبرة، وشجعهم بقرب مجيئه الذي كانوا ينتظرونه.  ويُختم السِّفر بالتحذير للأشرار، والتعزية للقدِّيسين بالقول: «ولكم أيها المُتَّقون اسمي تُشرق شمسُ البِرِّ والشفاء في أجنحتها» (ملا 2:4)، وهو يمد البصر بالنبوة مُشيرًا إلى ظهور المسيح بالمجد والقوة بعد فترة الضيقة العظيمة، للمُلك العتيد.
ومن خلال هذا التاريخ نجد مُشابهة كبيرة مع تاريخ الكنيسة، وأننا نعيش اليوم في أيام تُشبه أيام ملاخي، ونحتاج إلى ذات الرسالة التي وجهها الله إلى البقية يومئذٍ.

  وكما رأينا ثلاث مجموعات في الأيام الأخيرة لليهودية ظلَّت إلى مجيء الرب الأول، نرى ثلاث مجموعات في الأيام الأخيرة للمسيحية قبل مجيء الرب الثاني.  فهناك السواد الأعظم من المسيحيين في سبي الأنظمة البشرية والديانة التقليدية، بعيدين عن المركز الصحيح، وإن كان بينهم أتقياء ومُخْلِصُون. 

وهناك البقية التي انفصلت إلى الرب عن الأنظمة غير الكتابية، لتجتمع إليه كالرأس والمركز الوحيد وتمارس الحق ولاسيما المرتبط بكنيسة الله، ولكن بالأسف فإن حالتهم الأدبية قد انحدرت ويغلب عليهم روح لاودُكية، مع أنهم في المكان الصحيح وعندهم التعليم الصحيح.  أخيرًا هناك البقية القليلة، وسط هذه البقية، وهي تتميَّز بالأمانة والتقوى الحقيقية والمحبة التكريسية للرب وحفظ كلمته، وبالإجمال تحافظ على الطابع الفيلادلفي وسط لاودُكية (رؤ 3). 

فليتنا نكون ضمن هذه البقية التي تُفرِّح الرب.

والآن ونحن نقترب من النهاية ومجيء الرب أصبح وشيكًا على الأبواب، وصراخ نصف الليل يدوي مُنبهًا مَنْ استكانوا: «هوذا العريس مُقبلٌ»، ماذا عسانا أن نفعل؟ وما هو التأثير الأدبي للرجاء الحي على قلوبنا؟

إن كثيرين بالأسف يرفضون هذه الحقيقة لأنهم يريدون أن يعيشوا في الخطية دون إزعاج، وهؤلاء هم الذين قال عنهم الرسول بطرس: «سيأتي في آخر الأيام قومٌ مستهزئون، سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين هو موعد مجيئه؟» (2بط3:3،4)، والحقيقة أنه «لا يتباطأ الرب عن وعده ... لكنه يتأنَّى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أُناسٌ بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة» (2بط9:3).  ولا شك أن حقيقة مجيء الرب كانت ولا تزال مصدر إنعاش وتعزية للأتقياء في كل العصور منذ أيام الكنيسة الأولى.  وبينما يزعم المستهزئون أن كل شيءٍ باقٍ، فإن الرسول بطرس يقول بكل وضوح: «بما أن هذه كلها تنحل، أي أناس يجب أن تكونوا أنتم؟ في سيرة مقدسة وتقوى» (2بط11:3).

إن التأثير الأدبي لحقيقة قُرب مجيء الرب يجب أن يقودنا إلى:

• الاستيقاظ من النوم والاستعداد لملاقاة العريس.  يقول الرسول بولس: «هذا وإنكم عارفون الوقت، إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا.  قد تناهى الليل وتقارب النهار» (رو11:13،12).  إن قلبه المحب يشتاق إلى عروسه، ويفرح إذ يرى أشواقها نحوه، وأنها مشغولة به وحده، وأكثر من المراقبين الصبح تَعُدُّ ساعات الليل، وتستعد للقائه ساهرة وعيونها نحو السماء.

• افتداء الوقت.  يقول بولس: «الوقت منذ الآن مقصر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم، والذين يبكون كأنهم لا يبكون، والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون، والذين يشترون كأنهم لا يملكون، والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول» (1كو29:7 -31).  إن الشعور بقرب مجيء الرب يجعلنا نتعايش مع الأوضاع المؤقتة دون أن تفرق كثيرًا، ونركز اهتمامنا ونغتنم كل فرصة لنعمل بكل نشاط لأجل الرب والنفوس الغالية التي مات المسيح لأجلها، قبل أن ينتهي زمان النعمة.  وعندما نفكر في الأبدية ومصير الهالكين سنعرف كم تساوي لحظةٌ من الزمان.

• تقييم الأمور بشكل صحيح.  فقديمًا كان ثمن الأرض يُقيَّم طبقًا لقرب سنة اليوبيل التي تأتي كل خمسين عامًا، وعندها يترك الشخص الأرض لتعود لصاحبها.  ونحن سنترك الأرض وكل ما فيها قريبًا عند مجيء الرب، لهذا لا ينبغي أن نتعلق بشيء فيها.  وعلينا أن ندرك أننا غرباء ونزلاء، وليس لنا هنا مدينة باقية، فنتعلَّق بالوطن الأفضل أي السماوي.

• التعقُّل والصحو للصلوات، لأن نهاية كل شيء قد اقتربت (1بط 7:4).

• الصبر واحتمال التجارب «فتأنوا ... إلى مجيء الرب ... لأن مجيء الرب قد اقترب» (يع7:5،8).  وأيضًا «لأنكم تحتاجون إلى الصبر ... لأنه بعد قليل جدًا سيأتي الآتي ولا يبطئ» (عب36:10، 37).  إن الرجاء هو المُسكِّن لكل آلام الطريق، وهو الذي يُجدِّد عزمنا لمواصلة الرحلة كلما أعيت أنفسنا في المسير.

• أن نُكثر في عمل الرب كل حين عالمين أننا سنقف أمام كرسي المسيح لننال المكافآت، وأن تعبنا ليس باطلاً في الرب (1كو58:15).

• أن نتمسَّك بما عندنا لئلا يأخذ أحد إكليلنا (رؤ11:3).  وعلينا أن نحارب المحاربة الحسنة مدافعين بكل قوتنا عن الحق الذي وصل إلينا، في زمن ارتخت فيه أيدي الكثيرين.

• أن نعيش في سيرة مُقدَّسة (أمام الناس) وتقوى (أمام الله) (2بط 11:3)، ولا نضع قلوبنا على العالم الذي سيزول بالحريق.

• أن نُعزِّي بعضنا بعضًا عند فراق الأحباء، فلا نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس18:4).                    

أحبائي .. سيأتي يومٌ يكون هو اليوم الأخير في رحلتنا في هذا العالم، كما جاء يومٌ على إيليا كان هو آخر يوم في رحلته الطويلة، ولم يكن يُفكر في أي شيء حوله سوى أنه يترقب وصول المركبة النارية التي تحمله في تكريم سماوي إلى السماء.  ليتنا نعيش بهذا الفكر، وأنه ربما اليوم، فنستعد لملاقاة الرب في الهواء، ونقول مع الروح القدس: آمين تعال أيها الرب يسوع.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com