عدد رقم 6 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حفر الآبار بين التوارث والاختبار  

( تكوين 1:26 -18)

أنواع الآبار في الكتاب المقدس

نعرف من الكتاب أن هناك نوعين من الآبار:

1- البئر :

عبارة عن جب طبيعي أو حفرة يحفرها الناس ويستخدمونه كخزان للماء، يحتوي الماء فيه لكن الماء لا ينبع من داخله.  وإن وجد به شقوق، تسرَّب الماء ولا يمكنه الاحتفاظ به طويلاً. (مثل البئر الذي أُلقي فيه يوسف) (تك37).

2- عين الماء( بئر الماء الحي ):

قد يكون بئرًا طبيعيًا أو يحفره الناس فيجدون ماءً بداخله، وهذا الماء ينبع من جوف الأرض.  (مثل عين الماء التي التقى عندها أليعازر الدمشقي برفقة) (تك24).

 نجد النوعين معًا في آية واحدة من العهد القديم :-
 «شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً« ( إر2 : 13 ). حيث يُشبِّه الرب نفسه «كينبوع المياه الحيَّة»، ويُشبِّه الآلهة الغريبة «كآبار مُشقَّقة لا تضبط ماء»، لأنها تخدع صاحبها ولا تُلبي احتياجاته.

 ونجد النوعين معًا في لقاءٍ واحد في العهد الجديد :-
 في إنجيل يوحنا الأصحاح الرابع نرى الرب يسوع يلتقي مع امرأة سامرية قد نقرت لنفسها ستة آبار مُشقَّقة لا تضبط ماء.  فجاء إليها ينبوع المياه الحيَّة وأعطاها بنعمته الماء الحي.

ومن الكتاب نفهم أن الماء يشير إلى أقوال الله، كما تشير عين الماء الحي إلى الروح القدس.
لذا فإن بئر الماء الحي يشير إلى: كلمة الله الموجهة للإنسان والممتزجة بقوة الروح القدس   

أهمية الآبار في حياة إسحاق:

1- وجد زوجته عند البئر:
التقى أليعازر الدمشقي عبد إبراهيم برفقة (زوجة إسحاق) عند عين الماء في حاران.  وليس إسحاق فقط الذي وجد زوجته عند عين الماء بل يعقوب أيضًا وجد راحيل عند بئر حاران، وموسى وجد زوجته صفورة عند بئر مديان.  ومن هنا نتعلَّم درسًا ينبغي أن ينتبه إليه كل من يبحث عن شريك الحياة، إذ يتعيَّن عليه أو عليها الذهاب إلى بئر الماء الحي والانتظار هناك.  ليس الحل في استحسان ما تراه العين أو ميول القلب، ولا الأساليب البشرية ولفت الأنظار، ولا مشورة الناس، بل بالرجوع إلى كلمة الله لنعرف المقاييس الصحيحة للاختيار وبالاتكال الواثق على إرشاد الروح القدس الذي يعلم مَنْ هي التي عيَّنها الرب، والذي سيقود حتمًا الشخص المُخْلِص الباحث عن مشيئته من أقصر طريق.

2- سكن إسحاق عند البئر:
«وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ اللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ. وَسَكَنَ إِسْحَاقُ عِنْدَ بِئْرِ لَحَيْ رُئِي» (تك 25 : 11).  لقد مات إبراهيم، الأب الحكيم والمحب لإسحاق، لكن كما بارك الله إبراهيم ووعده بأن يبارك نسله، ها هو يتمم وعده، وأول شيء يُذكَر بعد ذلك أن إسحاق سكن عند بئر لحي رئي ( الحي الذي يرى ).  نعم لقد مات إبراهيم لكن الله الحي يدبر ويرعى ويعتنـي.  وقد ارتبطت حياة إسحاق دائمًا بالآبار، وهو بذلك يُمثِّل مؤمنًا سماويًا له علاقة وثيقة بالكلمة وينقاد بالروح القدس.

قرار في القلب وإنذار من الرب
   في بداية أصحاح 26 نجد أمرًا هامًا جديرًا بأن نلتفت إليه، وهو أن التجارب التي جاز فيها آباؤنا والأجيال التي سبقتنا تتكرر، لكن للأسف والأخطاء أيضًا تتكرر.

   إن الجوع الذي حدث في أيام إبراهيم دفع إبراهيم ليفكر في النزول إلى مصر، وتطور الأمر من خاطر عابر إلى قرار ثم استقرار، ونحن نعلم حجم الخسائر التي حلَّت به هناك.  وكان هذا هو التفكير الطبيعي عند الناس آنذاك لأن مصر كانت "كجنة الله"، أي تمتلئ من خيرات الله.  وكم من بلاد تمتلئ بخيرات الله وتخلو من خوف الله! ويوجد كثيرون يتمتعون بخير الرب وليس بشخص الرب، يشبعون من بركاته بينما يُحرَمون من حضوره ولذَّة الشركة معه.

   حدث جوع في الأرض مثلما حدث في أيام إبراهيم، وفكَّر إسحاق بنفس الطريقة التي فكَّر بها أبوه، لكن الرب في نعمته اعترض طريقه وظهر له وحذَّره من النزول إلى مصر، وقال له:

• لا تنزل إلى مصر.

• اسكن في الأرض التي أقول لك.

• تغرب في هذه الأرض (جرار) فأكون معك وأباركك.

ولقد تميَّز إسحاق بالطاعة منذ صباه فقد أطاع أباه حتى الموت على المذبح ( تك 22)، وأطاع  أيضًا بقبوله الزوجة التي عيَّنها الرب له دون أن يراها، وكانت طاعة ممتزجة بالإيمان ( تك 24 )، وإذ تدرَّب أن يطيع فقد أطاع الرب لما ظهر له وحذَّره من النزول إلى مصر ( تك 26)، فكافأ الرب طاعته، ولما زرع الأرض أصاب في تلك السنة مئة ضعف، وباركه الرب بالرغم من أخطائه هناك.  فقد طالت إقامته في جرار، وهناك كذب وقال عن رفقة «هي أختي»، ولم يكن له مذبح في جرار، لكن أمانة الله من جهة وعده جعلته يباركه هناك.

                            هل النجاح في جرار مدعاة للاستقرار؟

ليس النجاح الزمنـي دائمًا دليلاً على أننا في المكان الصحيح، وكثرة الخير ليس معناها أننا في مشيئة الرب.  فالشركة مع الرب والتمتع بابتسامة رضاه أهم من أعمال العناية التي تحفظ وتسدد الأعواز.

أرجو أن ننتبه للاعتبارات التالية:

1- بارك الرب إسحاق طبقًا لأمانته ليغنيه عن أي مصدر آخر في تلك الأيام الصعبة.  «الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ، وَمِيرَاثُهُمْ إِلَى الأَبَدِ يَكُونُ، لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ، وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ» (مز18:37 ،19).

2- للرب قصد من الغنـى الذي يعطيه للمؤمن، فليس لكي يتعظم إسحاق ويكون له اسم فيستقل عن الرب، بل ليكون الرب عظيمًا ومعروفًا بين الأمم أنه إله الأمانة نحو خائفيه، ويُحمَد اسمه بين الشعوب. 

3- لم يحسد الفلسطينيون إسحاق بسبب رجائه في إلهه الحي الذي باركه وأنجحه، ولا بسبب الشركة الحلوة مع إلهه، بل حسدوه لأنه صار أغنـى وأقوى منهم جدًا، وهذه سمات العالم.  والحقد قادهم إلى المقاومة الصريحة، فطمُّوا جميع الآبار التي حفرها عبيد إبراهيم وملأوها ترابًا، وطردوه من عندهم.   

4- حرَّك الرب العش وأراد أن ينقل إسحاق من قمة النجاح والاستقرار في جرار إلى منخفض الانكسار في وادي جرار، ليُعلِّمه الاتضاع ويُذكِّره بأنه مُتغرِّبٌ في جرار وليس له استقرار.

5- لم تكن غاية الرب أن يذل إسحاق أو يكسره بل أراد أن يباركه ببركة جديدة إذ قصد أن يجيزه في تدريبات خاصة ليرى عجائبه في العمق، عندما يُخرجه من دوائر الراحة التي ينشغل فيها بذاته ونجاحه، حتى يرى أمورًا أعظم وأمجد وينشغل بما هو أثمن، بالشهادة لاسمه ومجده العظيم.

6- قصد الرب من اختبارات نبش وحفر الآبار من جديد أن يتعلَّم إسحاق الابن المُدلل أن يجتهد ويكد لكي يعرف ويختبر قيمة هذه الآبار التي تعب فيها، وليس فقط ورثها عن أبيه، حينئذ يشبع دسمًا ويشهد حسنًا.  وهو درس لكل الشباب لكي يجتهدوا في كلمة الله ويمتحنوا كل شيء ويفحصوا الكتب كل يوم، هل هذه الأمور هكذا؟
                                                 وللحديث بقية

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com