عدد رقم 1 لسنة 2020
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
علم الأثار ومصداقية تاريخ العهد القديم  

 

يتطاول الكثيرون على الكتاب المقدس في زمنٍ صار فيه التطاول ”موضة“، فترى مَن يقول ويُعلّق ويحكم فيما يعرفه وفيما يجهله، «أَمَّا ذُو الْفَهْمِ فَيَسْكُتُ» (أم11: 12)، ولسان حاله يقول: «عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ، وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ» (أي6: 24). 

في هذه المقالة سنستعرض شهادة علم الآثار لأحداث وتاريخ العهد القديم، الذي يعود لآلاف مضت من السنين.  سوف نستعرض الاكتشافات الأثرية وشهادتها لشخصيات وأحداث ومواقع الكتاب المقدس.  هذه بعض المقتطفات عن الموضوع الذي كُتب فيه الكثير من المجلدات والمراجع العلمية.

(1) شهادات المدن والشخصيات:

(أ) مدن قائمة: هناك كثير من المدن التي لا تزال قائمة في مواقعها القديمة، وتحمل ذات الأسماء الكتابية حتى اليوم مثل: غزة، أشقلون، أشدود، بئر سبع، أريحا، أورشليم، بيت لحم وغيرها.

(ب) مدن مندثرة: من ناحية أخرى، ونتيجة الحفريات اكتشف الكثير من آثار المدن التي اندثرت مثل مجدّو (قض1: 27)، لخيش (يش10: 3)، بيت شمس (يش15: 10)، تعنك (يش12: 21)، تحفنحيس (إر43: 7) ... وغيرها.

(ج) اكتشافات إبلا: في سبعينيات القرن العشرين تمّ اكتشاف أكثر من عشرين ألفًا من الألواح الطّينيّة في موقع مدينة إبلا في سورية.  ألقت هذه الاكتشافات الضوء على حضارة شمال سوريا وكنعان في أيام إبراهيم وقبله.  وصلنا من خلال حفريات إبلا أسماء مدن وأماكن ذكرت في الكتاب المقدس مثل كنعان، حاصور، سدوم، عمورة، أورشليم، حاران، غزة ... وكذلك أسماء أشخاص مثل إبراهيم، ناحور، إسرائيل، إسماعيل، داود وغيرهم.

(د) الأختام: الأختام الشخصية التي كانت عادة بيضوية الشكل، تتميّز بأنه من خلالها يمكن تأكيد وجود الشخصيات وخاصة الملوك، وأولادهم وحاشيتهم.  وفي العقود الماضية وُجد نحو ألفين من الأختام الشخصية التي كان يستعملها كثير من الشخصيات المعروفة مثل: جدليا (2مل25: 22)، وأحيانًا يُذكر أنهم أبناء ملوك كمَلكيَّا ابن الملك صدقيا (إرميا38: 6)، يرحمئيل ابن الملك يهوياقيم (إر36: 26) ... وغيرهما.  وقد وُجدت أختام تحمل الاسم والوظيفة، مثل ”الذي على البيت“ وهي وظيفة معروفة (2 مل18: 18).  ونجد أيضًا ”خادم الملك“ و”رئيس المدينة“ (2أخ34: 8).

وجدت أيضًا الكثير من الدمغات الطينية لهذه الأختام منها واحدة ترد فيها عبارة ”ليهوخَل بن شَلَمْياهو بن شوڤي“ (إر37: 3)‏.

(2) شهادات من حضارات أخرى:

(أ) شهادات أشورية:

 * اُكتشف قصر الملك سرجون في حورساباد وفيه كتابة عن ”أزوري“ ملك أشدود الذي لم يدفع الضريبة المفروضة فهاجمه سرجون واحتل المدينة (إش20: 1).

* يضم المتحف البريطاني مسلة شلمناصر الثالث السوداء، وهي تصوّر لنا ملك اسرائيل خاضعًا أمــام شلمناصر ملك أشور، ومُقدِّمًا له الجزية وتسجّل أسفلها اسم ”ياهو ابن عمري“ (2مل17: 3).

* في منطقة الكرخ (تركيا) وجد نصب الملك شلمناصر الثالث الأشوري الذي يذكر آخاب ملك إسرائيل.  والنصب محفوظ في المتحف البريطاني بلندن.

(ب) شهادات أشورية وبابلية: تم اكتشاف كتابات هامة تعود إلى عصور الكتاب المختلفة وتوثّقها. هناك كتابات أشورية وبابلية تحكي قصة الخلق (اينوما إليش)، وأخرى تحكي قصة الطوفان (ملحمة جلجاميش)، وبعضها الآن في المتحف البريطاني. 

لاحظ أن قصتي الخلق والطوفان التوراتية تخلو من العناصر الأسطورية، بالمفارقة مع الروايات لدى الشعوب الأخرى، مما يدل على صدقها.  لكن أوجه التشابه بينها تُشير الى مصداقيتها التاريخية (حقيقة وقوع الأحداث).

(ج) شهادة موآبية: مسلّة ميشع وعليها كتابة بالموآبية من القرن التاسع قبل الميلاد، وكانت قد اكتشفت في ذيبان في الأردن في عام 1868.  المسلّة موجودة في متحف اللوفر في باريس، وفي نصّها يحكي ميشع ملك موآب عن حربه مع عمري ملك إسرائيل وكيف أنه (ميشع) عصى على إسرائيل، وقدّم الذبائح لإلهه كموش (2مل1: 1؛ 3: 4).

(د) شهادة آرامية: في نصب تل دان الحجري والمكتوب بالآرامية ويعود الى القرن التاسع ق. م. يرد اسم ”بيت داود“ حيث يتفاخر ملك آرام بانتصاره، وقتله ليهورام ملك إسرائيل، وأخزيا ملك يهوذا من بيت داود.

(ه) شهادة مصرية: وثّق الفرعون مرنفتاح الذي حكم مصر بين 1214-1223 ق. م. انتصاره على إسرائيل على مسلة مرنفتاح وهي لوحة من الجرانيت الأسود اكتشفت عام 1896، ودُعيت هذه اللوحة بلوحة إسرائيل وجاء فيها وإسرائيل قد خربت وانقطعت بذرتها“.  وتعتبر هذه أول إشارة صريحة لإسرائيل.  أمّا دلالتها الإضافية الهامة فهي أنه قبل القرن الثالث عشر ق. م. كان الإسرائيليون قد خرجوا من مصر واستوطنوا أرض كنعان.

(و) شهادة متأخرة: وجدت لوحة تشير لنقل عظام الملك عزيا والذي لم يدفن في قبور الملوك لكونه أبرص عند موته (2أخ26: 23).  يظهر أنه عند توسّع اورشليم في أيام المسيح، كانت هناك ضرورة لنقل القبر خارج المدينة.  اللوحة من الحجر الجيري والكتابة بالآرامية وهذا نصّها: ”إلى هنا نقلت عظام عزيّا ملك يهوذا فلا يفتح (القبر)“.

(3) شهادات مواقع خاصة:

(أ) في سنة 1884 اكتُشفت آثار مدينة فيثوم وبقايا المخازن العظيمة مصنوعة من لبن مخلوط بتبن وهو ما نقرأه عن بني اسرائيل «فبنوا لفرعون مدينتين مخازن فيثوم ورعمسيس» (خر1: 11).

(ب) من الاكتشافات الأثرية في مدينة اورشليم القناة التي حفرها الملك حزقيا في منطقة سلوام، وأدخل منها الماء الى المدينة، والتي يمكن حتى اليوم عبورها، عدا في فصل الشتاء، إذ ترتفع المياه فيها (2مل20: 20).  وهناك كتابة توثّق عملية حفر القناة موجودة الآن في متحف في اسطنبول.

(ج) وجدت اصطبلات خيول الملك سليمان في آثار مدينة مجيدو وغيرها، والتي أوردها الكتاب «وَجَمَعَ سُلَيْمَانُ مَرَاكِبَ وَفُرْسَانًا ... فَأَقَامَهُمْ فِي مُدُنِ الْمَرَاكِبِ» (1مل10: 26).

(د) كثيرًا ما هاجم النقاد الكتاب المقدس بزعم أن كاتبه اخترع شعبًا اسمه ”الحثيين“، حتى سنة 1876 حيث تم اكتشاف حفريات وكتابات تشهد عن وجود مملكة الحثيين في تركيا.

لقد صدق العالم أولبرايت بقوله: ”لا شك أنّ علم الآثار القديمة قد أكّد على صحّة تاريخ كتاب التوراة والأنبياء، فانهدمت الشّكوك التي قامت بعد أن أثبتت الاكتشافات دقّة التّفاصيل الكثيرة التي تؤكّد قيمة هذا الكتاب كمرجِع تاريخي“.

في الختام نقول إن في علم الآثار شهادات أخرى كثيرة لمّا يورده الكتاب المقدس، لكنه أيضًا تحدٍّ مبكّت لمن لا يصدّق الكتاب: «إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هَؤُلاَءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!» (لو19: 40).


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com