عدد رقم 1 لسنة 2020
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكفارة المسيحية في الجامعة الأمريكية!  

المكان: إحدى قاعات المحاضرات في الجامعة الأمريكية.

المناسبة: محاضرة في مادة ”مقارنة الأديان“.

موضوع المحاضرة: نظرة المسيحية إلى الإنسان.

المُتكلِّم: أحد الأساتذة الأجانب الذي قال من ضمن ما قاله: ”إن المسيحية تُعلِّم بعقيدة الفساد الكلي للإنسان“.  وقال إنه سيستعير مقولة ”مارتن لوثر“ الذي كتب عن هذا الموضوع قائلاً: ”إن المسيحية تعتبر الإنسان قطعة من القاذورات (A Piece Of Shit)“!  ولقد جاء المسيح ليصنع كفارة وستر للإنسان (Cover).

فصاح أحد الطلبة – متهكمًا – قائلاً: ”وهكذا يُصبح الإنسان الذي يؤمن بالمسيح: قطعة مُغطاة من القاذورات (A Covered Piece Of Shit)!  وتعالت الضحكات!

وكانت تجلس في المحاضرة ”آن“؛ فتاة مؤمنة في العشرين من عمرها.  كانت تستمع بكل اهتمام وإنصات، ليس بآذانها فقط، بل بكل أغوار كيانها الداخلي، فالأمر يخص مجد وكرامة ”ربها وإلهها“.

انزعجت ”فتاتي“ ... فالكلام منقوص ... وما قدمه الأستاذ غير كافٍ، ولا يعتمد على أقوال الكتاب المقدس، بل على أقوال بشر، لا يُمكن الاعتماد على أقوالهم ولا آرائهم، كيفما كانوا.

وازداد انزعاج الفتاة أثناء انصرافها بعد المحاضرة، عندما اقتربت منها إحدى زميلاتها – غير المسيحيات – لتقول لها بلهجة تهكمية ساخرة: ”أنا طبعًا لا يُمكنني إتباع ديانة تعتبرني قطعة من القاذورات (A Piece Of Shit)“ ... ولا حتى قطعة مُغطاة من القاذورات (A Covered Piece Of Shit)!  وهزت رأسها، وعلى فمها ابتسامة ساخرة شامتة، وأشاحت بوجهها عنها، وأعطتها ظهرها، وانصرفت ضاحكة!

بكت فتاتي من الغيظ ... شعرت أن ”مخلِّصها وفاديها“ قد أُهين ... وطوال رحلة عودتها إلى منزلها كانت تُصلي ليُتيح الرب فرصة لها، لتشهد عنه، وعن جمال شخصه، وكمال عمله الكفاري الذي أكمله على صليب الجلجثة، وعن روعة كلمته المُقدَّسة التي لا تحتاج إلى إضافات من أقوال البشر.

وقضت ”آن“ الأسبوع التالي في الصلاة، تطلب من الرب أن يُعطيها الحكمة في التصرف، والتكلُّم ”بنعمة وبذوق مسيحي“.  اتصلت ببعض خدام الرب لتسأل وتفهم.  طلبت بعض الكتب الموثوق بها لتدرس موضوع كفارة المسيح، وما الذي يعنيه الفساد الكلي للإنسان، وما هي النتائج المباركة لعمل المسيح الكامل على الصليب.  وقررت في قلبها أن تطيع تحريض الروح القدس: «قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلَهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ» (1بطرس3: 15).

وحان موعد المحاضرة التالية، وفي بدايتها قال الأستاذ إن موضوع المحاضرة سيكون أسئلة وأجوبة حول موضوع المحاضرة السابقة: ”نظرة المسيحية إلى الإنسان“.

وللحظة رفعت ”آن“ قلبها إلى الرب، طالبة معونة وقوة الروح القدس لتشهد للحق المسيحي الكامل، ثم رفعت يدها عاليًا تطلب الكلمة.  فأشار إليها الأستاذ بالموافقة، فوقفت لتقول:

أستاذي الفاضل ... باعتباري مؤمنة مسيحية، عندي ما أقوله عن موضوع المحاضرة الماضية: ”نظرة المسيحية إلى الإنسان“:

أولاً: إن آراء البشر – مهما كانوا – لا يمكن أن تكون تعبيرًا كاملاً عن المسيحية.  بين أيدينا الكتاب المقدس، وهو كلام الله، وهو وحده الإعلان الذي يبين الله لنا وبه وفيه، كل ما هو ضروري للإجابة عن كل تساؤلات الإنسان.  ولذا يجب علينا ألا نُصغي إلا له وحده، وعلينا أن نمتحن كل تعليم بما هو مُدوَّن في الكتاب المقدس.

ثانيًا: إن المسيحية تُعلِّم بحقيقة الفساد الكلي للإنسان، بمعنى أن الإنسان – في أفضل حالاته الأدبية – عاجز تمامًا أن يصل إلى الله ويُرضيه، ويُعوِّضه عن الإساءة التي لحقت به بسبب الخطية.  إن الأعمال الصالحة التي نقوم بها، مهما عظمت، قيمتها محدودة لأنها صادرة من الإنسان المحدود.  بينما حق الله، الذي أُسيء إليه بسبب الخطية، لا حد له.  

ثالثًا: إن الكتاب المقدس لا يتكلَّم أبدًا عن الإنسان باعتباره ”قطعة من القاذورات (A Piece Of Shit)“، بل يُقدّمه لنا باعتباره تاج الخليقة التي خلقها الله، ولقد جعله رأسًا لكل الخليقة على الأرض.  لكن عندما قرر الانسان - بإرادته الحرة - أن يكسر الوصية الوحيدة التي أعطاها له الله، دخلت الخطية الي العالم، وبالخطية الموت.  ولكن فشل الإنسان وسقوطه لم يقفا عائقًا أمام محبة الله ونعمته الغنية.  فالله لم يذكر الإنسان ويفتقده فقط كما كان يفعل في الجنة مع آدم، لكنه – له كل المجد - فعل ما هو أعظم بما لا يقاس: «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.  وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (في2: 7، 8).  لقد تجسَّد الإله القدير في صورة انسان؛ اتخذ الخالق صورة مخلوقه الحبيب إلي قلبه، لكي يُنقذه من حالة الموت والانفصال الأبدي عنه.

إن محبة الله للإنسان هي التي أتت بابن الله إلى الإنسان الساقط المُشوَّه، ليس لكي يدينه ويقضي عليه، كما كان يستحق، بل ليفديه ويحمل عنه دينونته وعقابه على الصليب.  بل ويُعيده، ليس الي صورته الرائعة التي خُلِق عليها، لكن لمكانة أعظم بما لا يقاس منها.

رابعًا: الكلمة العبرية التي وردت في العهد القديم والتي تُرجمت ”كفارة“، تعني ”تغطية“، وأما الكلمة اليونانية التي وردت في العهد الجديد والتي تُرجمت أيضًا ”كفارة“ تعني حرفيًا ”ترضية“.  إن قداسة الله تعتبر الخطية نجاسة يجب تغطيتها من أمام عيني الله.  كما أن بر الله يعتبر الخطية تعديًا، وكل تعد يجب أن ينال مجازاة عادلة، وبهذا يجب أن تتم ترضية عن التعدي الذي حدث.  وهذا هو المدلول المزدوج لكفارة المسيح: ”تغطية وترضية“؛ تغطية من أمام عيني الله نظرًا لقداسة طبيعته، وترضية لغضبه العادل نظرًا لبره.

رابعًا: إن الكتاب المقدس يُعلن أن الكفارة بالنسبة للمؤمنين تسمى ”نيابة“ أو ”غفران“.  أما الكفارة فهي للعالم أجمع.  لقد دفع المسيح الثمن كاملاً بموته على الصليب، والله قد قبل الفدية، ولم يبق على الخاطئ إلا أن يأتي مؤمنًا ومعترفًا بخطاياه.  وكل مَن يؤمن بكمال كفارة المسيح يتمتع بـ”الولادة الجديدة“ وهي عمل روح الله فينا.  فلم يكن يكفي أن عملاً يُعمَل لأجلنا يأتي بنا بالتبرير والمصالحة مع الله، بل كان يتحتم أن يُعمَل أيضًا فينا عمل تقديسي وتطهيري ينقلنا أدبيًا خارج دائرة فساد الطبيعة البشرية.  لم يكن الأمر ينفع فيه تطهير خارجي فقط.  لم يكن ينفع فيه أقل من امتلاكنا طبيعة جديدة مولودة من مصدر إلهي لا يتطرق إليه فساد الخطية.  وهكذا فكل مَن يؤمن بالمسيح فاديًا ومُخلِّصًا شخصيُا له، يُولد ولادة جديدة، وهكذا يُصبح ابنًا لله.  إنه مكتوب في الكتاب المقدس: «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.  اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللَّهِ» (يوحنا1: 12، 13).

إن المؤمن المسيحي الحقيقي ليس هو ”قطعة من القاذورات (A Piece Of Shit)“، ولا هو حتى ”قطعة مُغطاة من القاذورات “(A Covered Piece Of Shit)؛ إنه قديس في المسيح، وابنًا لله، بفضل عمل المسيح الكفاري، الذي أتَّمه على الصليب، والذي لا يحتاج إلى تكرار أو إضافة.

وجلست ”فتاتي“ ... وران الصمت الرهيب على القاعة ... وتمشي الأستاذ ذهابًا وعودة على المنبر ... ثم التفت إليها قائلاً: لقد أبليت بلاءً حسنًا ... لقد قدمت لنا رؤية جميلة عن المسيحية ... سنحتاج أن نُجري مناظرة عن المسيحية، لنسمع منكِ أكثر.

وأثناء خروجها من القاعة، اقتربت منها زميلتها التي تهكمت عليها في المرة السابقة، لتقول لها بلهجة ودودة: ”آن“ ... ممكن تديني رقم تليفونك ... عندي أسئلة كثيرة أعتقد أن لديك الإجابات عليها ... نفسي نبقى أصحاب ... ونفسي نذاكر المادة دي مع بعض“.

ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد ... ففي مساء نفس اليوم استقبلت ”آن“ رسالة - على بريدها الإلكتروني - من ”أستاذها“، يشكرها مرة أخري، ويطلب منها أن تسمح له أن يزور عائلتها، مع زوجته وابنتيه الجامعيتين، ليسمعوا منها المزيد عن المسيح وكمال كفارته! 

عزيزي: أخبر كل العالم أنك مؤمن بالرب يسوع المسيح!  لا تستحي أن تحمل اسم المسيح!  إن معبودنا وسَيِّدنا يستحق كل الثناء والمديح.  وإذا كان الإيمان بالمسيح جديرًا بالحصول عليه، فهو أيضًا جديرًا بأن يُهدى الناس إليه.  النفوس من حولنا تهلك بدون المسيح، فعلى كل واحد منا مسؤولية أن نذهب ونخبرهم عن محبته وخلاصه الكامل.  فهلا تذهب وتُخبر الآخرين «كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ» (مرقس5: 19).   


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com