عدد رقم 6 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الحدود (2)  

العلاقات العاطفية

سبق وتكلَّمنا في العدد السابق عن دور وأهمية الحدود بين الجنسين، خصوصًا في سن المراهقة، ولخصناه في أمرين:

الأمر الأول: الحفاظ على طهارة الجسد.

الأمر الثاني: الحفاظ على طهارة العواطف.

ولا أعتقد أن الأمر الأول يحتمل نقاشًا أو اختلافًا، فالآيات التي تحذر بشدة من خطايا الزنا تملأ صفحات الكتاب المقدس، وطاعتنا لكلام الله لكونه كلام الله أشرف بكثير من طاعتنا له بسبب الخوف من النتائج المدمرة للعلاقات الجنسية، سواء على الجانب النفسي أو الجسدي، لهذا سنركز كلامنا في هذا المقال على الأمر الثاني، ألا وهو ضرورة الحفاظ على طهارة العواطف.

ويبق السؤال، لماذا يجب المحافظة على العواطف في سن المراهقة، بينما يتاح لنا استخدامها بعد ذلك؟  أو ماذا يمنع الحب في سن المراهقة طالما هناك نية صادقة لاستمراره بعد ذلك؟

يمكننا الإجابة على هذا السؤال إذا فهمنا طابع العواطف في سن المراهقة، وسنركز على ثلاثة أمور:

(1) نضوجها: سن المراهقة يتراوح بين الـ 13-18 وفيه يحدث نضوج للشخص. فهو يراهق أو يقترب من البلوغ، ولكن هذا النضوج لا يحدث فجأة بل تدريجيًا، ولعل النضوج الجسدي هو الأسرع، بينما يستغرق النضوج النفسي والعاطفي وقتًا أطول، ولهذا فوجود الغرائز نتيجة النضوج الجسدي لا تعني حدوث نضوج عاطفي.  ولا تنضج العواطف إلا بعد نهاية سن المراهقة .

(2) تذبذبها: لأن العواطف لم تنضج بعد، فنرى عدم الاستقرار هو ما يميزها، والتغير السريع هو السمة البارزة فيها، فما نحبه اليوم قد نكرهه غدًا، وما نراه الأفضل الآن لن نراه كذلك في المستقبل، فما أسرع التغيرات، وما أشد التقلبات التي تشهدها العواطف في هذا التوقيت!  ولعلنا نرى ذلك بصورة واضحة حين لا نجد سببًا مقنعًا لكم الفرح المفاجئ الذي يشعر به المراهق في هذه الفترة، الذي سرعان ما ينقلب إلى حزن شديد بدون سبب مقنع، فتقلب المزاج وراء المبالغة في التعبير عن المشاعر.

(3) قراراتها: القرارات العاطفية هي قرارات مصيرية وليست مؤقتة، حيث قد يترتب عليها ارتباط لمدى الحياة، ولهذا فهي تتطلب عواطف ناضجة مستقرة غير متذبذبة، وبالتالي لا تصلح مرحلة المراهقة لاتخاذ مثل هذه القرارات، وما أكثر الخسائر التي تُسببها العشوائية والتسرع في الحكم على الاستمرار في علاقة لمجرد الاعجاب في فترة البداية عن طريق عواطف غير ناضجة، ودون ضمان استمرار هذا الإعجاب بعد النضوج.

كما أن ما يُسمى الحب في سن المراهقة، لا يتوافق مع الحب الحقيقي الذي يقوم على البذل والعطاء بل يختلف عنه في كل شيء تقريبًا، فهو:

(1) حب طفولي: يرى ذاته محور الكون، ونفسه هي الهدف، ولذلك فالعلاقة تتركز على الأخذ وليس العطاء، فهو يرى في المحبوب شيئًا يُمتَلك ويُستخدَم.

(2) حب شهواني: يكون الانجذاب الجنسي هو عامل أساسي في هذا الحب.

(3) حب اندفاعي: قد يحدث هذا الحب من النظرة الأولى، في حين أن النظرة الأولى لا تكفي أبدًا لتكوين صورة صحيحة عن المحبوب، وبهذا يلعب المظهر دورًا أساسيًا في هذا الحب.

ويمكن تلخيص الفروقات بين الحب قبل النضوج وبعده في هذا الجدول

قبل النضوج

بعد النضوج

سريع

متأنٍ ودقيق

الانطباع الأول يؤثر فيه

الانطباع الأول ليس له دور كبير

قد يتغير بعد وقت قصير

ثابت ويزيد مع الوقت

يختلف باختلاف الظروف

هو الذي يشكل الظروف

مصدره المشاعر

مصدره العقل

 

ولهذا لا نستغرب عندما تنتهي معظم حالات الحب في هذا السن بالفشل، ولقد أثبت مجلس الأسر المعاصرة (Council on Contemporary Families) هذا الأمر، بعد الدراسة التي قام بها على الحب في سن المراهقة وقد جاءت نتيجتها كالتالي: 60 % من حالات الحب والزواج التي بدأت عند سن الـ 18 انتهت بالفشل والطلاق[1].  والخسارة هنا لا تقتصر على مجرد فشل وإنهاء علاقة عاطفية بكل ما يصحبها من جروح وذكريات، بل هناك مزيد من المخاطر، منها:

(1) الاستنزاف العاطفي: كثرة العلاقات العاطفية التي تنتهي بالفشل تؤثر بالسلب على نقاء وقوة العواطف في المرات القادمة، فكم من أناس تحطموا بسبب فشل في علاقة عاطفية واحدة حيث تركت تأثيرات لا تمحى، ولهذا يهتم الله في كتابه بالتحذير من طريقة استخدامنا للعواطف، فيقول صراحة: «لاَ تَفِضْ يَنَابِيعُكَ إِلَى الْخَارِجِ، سَوَاقِيَ مِيَاهٍ فِي الشَّوَارِعِ» (أم5: 16).  فإذ شبه العواطف بالماء، أكد على خطورة إهدارنا لعواطفنا على غير شريك الحياة، كما يوضح ضرورة استمتاعنا بمحبة الآخر على أن تكون أيضًا من شريك الحياة فقط «اِشْرَبْ مِيَاهًا مِنْ جُبِّكَ، وَمِيَاهًا جَارِيَةً مِنْ بِئْرِكَ» (أم5: 15).  وإلى أن نجد هذا الشريك، لا بد من المحافظة على عواطفنا لتكون له وحده.

(2) استنزاف للطاقة: تستهلك العلاقات العاطفية كمًا كبيرًا من المجهود الذهني والنفسي، والذي يتطلب الكثير من الوقت، وهو ما يؤثر على تركيزنا وواجباتنا، وبالتالي على نجاحنا، في الوقت الذي يشكل النجاح فيه حياتنا المستقبلية، وهذا الضعف ظهر واضحًا في أمنون، فعندما سُؤل: «لِمَاذَا يَا ابْنَ الْمَلِكِ أَنْتَ ضَعِيفٌ هكَذَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَى صَبَاحٍ؟  أَمَا تُخْبِرُنِي؟»، كان رد أمنون: «إِنِّي أُحِبُّ ثَامَارَ أُخْتَ أَبْشَالُومَ أَخِي» (2صم13: 4)، وهو ما يوضح أن هذه العلاقة أثرت سلبًا عليه، والسبب أنها ليست علاقة جادة تهدف إلى زواج بحسب فكر الرب، وكذلك كل علاقاتنا العاطفية التي تتم في توقيت غير مناسب، وبدون مصادقة ومباركة من الرب عليها، لا بد أن تؤدي إلى مثل هذا الضعف الظاهر والمتزايد من صباح إلى صباح.

(3) تشويه للسمعة: ولعل السمعة هي أغلى ما يمتلكه الإنسان، وهو يظل طوال حياته يكون سمعة طيبة يحتاجها في كل مجالات الحياة، الاجتماعية، العائلية، المهنية والروحية.  وبالطبع الاستهتار في العلاقات العاطفية يُعطي انطباعًا سيئًا قد يُلاحق الشخص طوال حياته، ونجد أنه خسر أمورًا في غاية الأهمية بسبب عدم قدرته على الانضباط والتسرع في دخول في علاقات في غير وقتها الصحيح، يا ليتنا ينطبق علينا كلمات الرب: «أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ» (نش4: 12)، فالطهارة والنقاء هي من أغلى الممتلكات.

(4) الصراعات الجنسية: الدخول في علاقات عاطفية خارج إطار الزواج، وفي وقت مبكر لن يؤدي إلى الزواج القريب، لا بد وأن يزيد من الصراعات الجنسية، وقصد الكتاب أن يسرد لنا مثل هذه القصص؛ قصص بدأت بالحب خارج الزواج، وانتهت بفضائح جنسية، وتأديب إلهي شديد، ولعل شمشون مثال على كل من يظن أنه متحكم في أبعاد هذه العلاقة، فبدأت قصة شمشون بالحب وانتهت بالنجاسة.  وأمنون لم يكن أفضل حالاً، بل ما حدث مع أخته - بنت أبيه - يظل كجرس إنذار يدوي بأعلى صوت.

(5) التأثير السلبي على الزواج: ولعل هذا الأمر هو نتيجة طبيعية لكل ما سبق، فبينما يدعي البعض أن مثل هذه العلاقات تؤدي في النهاية إلى خبرات جيدة وزواج ناجح، نكتشف أن العكس هو ما يحدث، لأننا استعملنا الحب في غير غرضه، فالله أراد وقصد الحب، ولكن ترتيبه له داخل الزواج، والزواج فقط «افْرَحْ بِامْرَأَةِ شَبَابِكَ ... وَبِمَحَبَّتِهَا اسْكَرْ دَائِمًا» (أم5: 18، 19).

ولكيلا نخطئ ونحصد هذه النتائج علينا أن نعرف الطريق الصحيح للحب، هل نختار الأول بعقولنا ونطلب إرشاد الرب ثم نحب، أم نختار من سبق وأحببناه ونطلب حينئذ أن نعرف مشيئة الله تجاهه؟، فهل يسبق الحب الاختيار أم يأتي بعده؟  ولعلنا نجد إجابة على هذا السؤال من أجزاء الكتاب التي تتكلَّم عن اختيار شريك الحياة، وسنجد أن الله أفرد في سفر التكوين أصحاحًا كاملاً، بل هو الأطول في السفر كله، ليتكلَّم عن هذا الأمر، ونخلص به إلى أن الاختيار لا بد أن يسبق الحب، فلا بد أولاً من التأكد من مصادقة الرب، ومن مناسبة هذه الشخصية من عدمه، وهذا ما فعله عبد إبراهيم: فمن ناحية طلب إرشاد الرب، ولكنه في ذات الوقت طلب توفر التواضع والاجتهاد والتضحية في زوجة إسحاق.

وبالطبع، فإن حدوث الحب أولاً يشوش على تمييز صوت الرب بسبب التحيز والتمسك الطبيعي بالمحبوب، كما أن الحب يُعمي ويُقلِّل كل ما لا يُناسب في الصفات، ويحسبها ليست ذا أهمية تذكر، الأمر الذي يتضح عكسه بعد فوات الأوان.

ليتنا نحفظ أنفسنا وعواطفنا إلى الوقت المعين من الله، خاضعين لوصية الرب: «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أم4: 23).


 



[1] Journal of Marriage and Family

عدد ابريل 2014

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com