عدد رقم 6 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
العدو وقطع خطوط الإمداد  

لا شك إن العبارة الشهيرة في الحروب: ”اعرف عدوك“" هي أمر في غاية الأهمية في المعارك.  وكما قال قديمًا الفيلسوف فيكتور هوجو: ”إن القائد الناجح ينبغي أن يتخلل عقل عدوه“، هكذا علينا نحن المؤمنين في حربنا المقدسة أن نعرف مِن خلال كلمة الله أفكار العدو وأساليبه.  ومن الأمور التي يحاول العدو جاهدًا أن يعملها باستمرار، محاولة إبعاد أولاد الله عن مصدر حيوي وقوي من مصادر القوة، وهو الوجود الدائم بقرب الرب في شركة عميقة معه، أمام كلمة الله.  ولهذا فشغله الشاغل هو حرمان شعب الرب من التلامس اليومي والشبع اليومي بكلمة الله، مستخدمًا كل الوسائل الممكنة والمتاحة، وخاصة الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي.  ولا مانع عنده أن يجعلنا ننهمك في خدمة الرب، دون الوجود الدائم أمام كلمته.  وهذا فخ خطير يقع فيه الكثيرون من أولاد الله.  ويحاول مع البعض الآخر أن يبعدهم بالمشغوليات وارتباكات الحياة، وعدم حضورهم الدائم أمام الرب في الاجتماع إلى اسمه، في خلوتهم الفردية أمامه.  وهناك أمثلة كثيرة في تاريخ شعب الله تحكي لنا عن تلك المحاولات المتكررة والشرسة لإبعاد المؤمنين عن مصدر المعونة والإمداد:

(1)    العدو يستهدف منع الماء عن شعب الله وطم الآبار (تك26: 15).

(2)    العدو يحاول جاهدًا أن يحرم شعب الله من الطعام (قض6: 4).

(3)    العدو يسعى جاهدًا لتحرير شعب الله من الأسلحة (ا صم13: 22).

(4)    العدو يفرح عندما يرى شعب الرب بدون طاقة وقت الحرب (1صم14: 24-30).

(5)    العدو يريد أن يعمل ”غسيل مخ“ لشعب الرب ويمحو أثار كلمة الله وتأثيرها (دا1: 4).

وأريد بنعمة الرب أن أعلق تعليقًا مختصرًا عن تلك القصص الخمس، ومحاولات الشرير في حرب الاستنزاف الروحية، وهي محاولات شيطانية كلها تتمحور حول إبعاد أولاد الله عن شخص المسيح المعلن في كلمة الله:

القصة الأولى: حاول الفلسطينيون قديمًا أن يطموا آبار الماء، وملأوها ترابًا (تك26).  والماء صورة رائعة لكلمة الله (أف5: 26)، والتراب هو رمز لتلوث هذا العالم الذي نعيش فيه، أو هو صورة للأرضيات والمشغوليات، أو طمس الحقائق الروحية الثمينة عن أولاد الله، تلك التي كانت تشكل حياتهم الروحية.  فيحاول طمس كل الأمور التي كانت عندنا منذ البدء؛ كالحق الخاص بالاجتماع إلى اسم الرب، والعبادة الكنسية والسجود، والهوية السماوية، والرجاء المسيحي، والغرض الأسمى للحياة المسيحية، وحقيقة سكنى الروح القدس في المؤمن المسيحي وغيرها من الحقائق الكتابية الثمينة.

القصة الثانية: التي سردها لنا الروح القدس في سفر القضاة أيام جدعون (قضاة6)، وهي أن الأعداء كانوا ينزلون ويتلفون ”غلة الأرض“ التي هي أيضًا رمز بديع لشخص المسيح الممجد في السماء، موضوع فرح وشبع شعبه.

ونلاحظ أن الأعداء لم يأكلوا غلة الأرض، ولكن الكتاب ذكر أنهم كانوا ”يُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ“، وهي محاولة شيطانية خبيثة لحرمان شعب الرب من الشبع بالمسيح كغلة الأرض، ولاسيما في رسالتي أفسس وكولوسي في العهد الجديد.  ولقد ذكر الوحي تلك العبارة المؤثرة: «فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ»، أي افتقر جدًا بسبب عدم التغذي على ”قُوتَ الْحَيَاةِ“، وهكذا هو الحال مع الكثيرين منا في هذه الأيام الصعبة، فبسبب عدم تغذينا على كلمة الله، قد ظهرت علينا علامات الفقر الروحي.

القصة الثالثة: التي حدثت أيام شاول الملك بن قيس حيث وصلت حالة شعب الرب إلى أنهم كانوا جميعًا بلا أسلحة (1صم13: 19-22).  والسيف هو صورة مُعبرة عن كلمة الله، نستخدمها في حربنا الروحية مع أجناد الشر الروحية (عب4: 12؛ أف6: 17).

فكيف لنا أن نتمتع بالنصرة بدون أن نقبض سيوفنا، كما قال الكتاب عن جبابرة سليمان: «هُوَذَا تَخْتُ سُلَيْمَانَ حَوْلَهُ سِتُّونَ جَبَّاراً مِنْ جَبَابِرَةِ إِسْرَائِيلَ.  كُلُّهُمْ قَابِضُونَ سُيُوفًا وَمُتَعَلِّمُونَ الْحَرْبَ.  كُلُّ رَجُلٍ سَيْفُهُ عَلَى فَخْذِهِ مِنْ هَوْلِ اللَّيْلِ» (نش3: 7، 8)!  نعم - يا إخوتي الأحباء - إننا نعيش حرفيًا في هذه الأيام الصعبة ”هَوْلِ اللَّيْلِ“، حيث الهرطقات والبدع التي تُقلِّل من عظمة شخص المسيح، وعظمة عمله، وكفاية كلمة الله ووحيها اللفظي.  ولكم نحتاج إخوتي الشباب أن نقبض سيوفنا، ونتعلم الحرب، ونحكم أولًا على طرقنا، ثم نتجرد للحرب الروحية!

القصة الرابعة: قصة الحرب مع الفلسطينيين، إذ نجد أن شاول الملك الشرير قد أصدر فرمانًا بحرمان الأكل «فَلَمْ يَذُقْ جَمِيعُ الشَّعْبِ خُبْزًا»، أما يوناثان فقد تلذذ بطعم العسل واستنارت عيناه (1صم14: 24-46).  كم هو أمر خطير في حربنا الروحية أن ندخل إلى الحرب بدون العسل والذي هو إشارة واضحة أيضًا لكلمة الله (مز19: 10).  والعسل يعطي طاقة وحيوية، والعدو الشرير يريد دائمًا أن يُفرغنا من كل طاقة وكل نشاط، لكي ينال المراد ونخسر في حربنا الروحية.  فلا توجد نصرة ولا حياة تقوية بدون أن نتذوق طعم عسل كلمة الله، وهذه هي استراتيجيته الخبيثة دائمًا؛ يضرب ويهجم في وقت الضعف والخوار الروحي (تث25: 17، 18) وفي وقت الإرهاق الروحي والغفلة، كما أشار قديمًا أخيتوفل الشرير على أبشالوم أن يهجم على داود وهو متعب ومرتخي اليدين (2صم17: 1، 2).

فليعطنا الرب دائمًا أن نتزود من كلمة الله لكي نواصل أيامنا بكل نشاط وحيوية روحية لكي نقاوم في اليوم الشرير.

القصة الخامسة: أخيرًا، نقول إن العدو يريد أن يمحو كل آثار لكلمة الله في أذهاننا.  كما فعل قديمًا مع دانيآل ورفاقه عندما حاول أن يُنسيهم لغتهم العبرية، ويُعلّمهم كتابة الكلدانيين ولسانهم (دا1: 4).  وكم نحتاج بشدة أن تكون لغتنا هي لغة الكتاب المقدس، ليس فقط مجرد أن نردد ونحفظ آيات من كلمة الله، بل تشكل وتقود كل توجهاتنا وأفكارنا ومبادئنا، فلا نفكر كما يفكر أهل العالم، بل تكون أذهاننا مُجدَّدة بمبادئ كلمة الله النقية، ونحن نعيش وسط عالم ملوث امتلأ بكل المبادئ الشريرة المضادة لكلمة الله.  فليحفظنا الرب جميعًا!

 ونتضرع إلى الرب أن يُرجعنا مرة أخرى إلى كلمته الحية، فتشكلنا وتغيرنا وتقودنا، ونمتلئ بها وتسكن فينا بغنى، فبهذه الطريقة فقط يضمن لنا الرب النصرة والبركة والثمر.

عادل راجح 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com