عدد رقم 6 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مُرْدَخَايُ والإكرام الإلهي  

«حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ»

(1صم2: 30).

تميَّزت حياة مُرْدَخَاي بالأمانة، وهي الصفة التي يُقدّرها الرب جدًا «عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي» (مز 101: 6). والأمانة في العالم عملة نادرة، لذلك يقول الحكيم: «أَمَّا الرَّجُلُ الأَمِينُ فَمَنْ يَجِدُهُ؟» (أم 20: 6).  وفى مثل الوزنات نرى مكافئة الرب للأمين الذي تاجر وربح «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ!  كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ.  ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (مت 25: 21، 23).

ودعونا نمر على أوجه الأمانة في مجالات مختلفة في حياة مُرْدَخَاي وإكرام الرب ومكافأته عليها:

أولاً: أمانته في بيته: لقد اتخذ أستير ابنة عمه لنفسه ابنة بعد موت أبيها وأمها، وكان مُربيًا لها في خوف الرب وإنذاره، فكانت الابنة المطيعة حتى بعد أن وصلت إلى قصر الملك، فلم تخبر عن شعبها وجنسها لأن مردخاي أوصاها ألا تخبر «رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لاَ يَحِيدُ عَنْهُ» (أم22: 6). وأيضًا الوصية بطاعة الأولاد للآباء: «أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ» (أف6: 1).  كما أظهر أمانته في هذا المجال، حيث «كَانَ مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى يَوْمًا فَيَوْمًا أَمَامَ دَارِ بَيْتِ النِّسَاءِ لِيَسْتَعْلِمَ عَنْ سَلاَمَةِ أَسْتِيرَ وَعَمَّا يُصْنَعُ بِهَا» (أس2: 11)، وهذا يذكرنا بما جاء في 1تيموثاوس 5: 8: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ».  ويُمكننا أن نري في مُرْدَخَاي صورة للأسقف بكل ما تعني كلمة ”أسقف“؛ فهو يعرف أن «يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ» (1تي3: 4).  ولقد أكرمه الله في هذا المجال بأن أثمرت تربيته لأستير في سمو ورقي أخلاقها وحسن سيرتها وتقواها وطاعتها له، حتى بعد وصولها للملك.  

ثانيًا: أمانته في عمله وواجبه نحو الملك: فعندما عَلم مُرْدَخَايُ بمؤامرة تحاك لاغتيال الملك على يد حارسي الملك الخصوصيين، أخبر على الفور أستير، التي بدورها أخبرت الملك باسم مُرْدَخَاي، وفحص الأمر فوجد هكذا، وتم إعدام الحارسين، وكُتب ذلك في سفر أخبار الأيام أمام الملك.  ولم ينل مُرْدَخَاي مكافأة على ذلك، ونُسيَّ تمامًا، إلى أن جاء الوقت المعين بحسب سلطان الله المُتحكم في كل شيء، والذي له سلطان على الأزمنة والأوقات، والذي «صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ» (جا3: 11).  ففي ذات الوقت الذي اختاره هامان لأخذ توقيع الملك على قرار إعدام مُرْدَخَاي هو ذات الوقت الذي أكرم الله فيه مُرْدَخَاي، إذ قد طير النوم من عيني الملك في تلك الليلة، ليس بالصدفة، بل بسلطان الله.  وعندما قرأوا له الحدث الأخير عن محاولة اغتياله، ثم إنقاذه على يد مُرْدَخَاي، سأل عن أي إكرام قدم لمُرْدَخَاي، وأية مكافأة على هذا العمل البطولي، أجابوه بالنفي.  وفى ذات الوقت وصل هامان إلى دار بيت الملك ليقول للملك أن يصلب مُرْدَخَاي على الخشبة التي أعدها له.  وحال دخوله سأله الملك ماذا يعمل لرجل يُسر الملك بأن يكرمه؟  فقال هامان في قلبه: من يُسر الملك بأن يكرمه أكثر مني؟  فأجاب: عن الرجل الذي يُسر الملك بأن يكرمه، يأتون باللباس السلطاني الذي يلبسه الملك، وبالفرس الذي يركبه الملك، وبتاج الملك الذي يُوضع على رأسه، ويلبسونه للرجل الذي يُسر الملك بأن يكرمه، ويُركبونه على الفرس في ساحة المدينة، ويُنادون قدامه: هكذا يصنع للرجل الذي يُسر الملك بأن يكرمه.  فقال الملك لهامان أسرع وافعل هكذا لمُرْدَخَاي اليهودي الجالس في باب الملك، لا يسقط شيء من جميع ما قلته.  لك أن تتخيل وقع هذا الكلام كالصاعقة على رأس هامان، لكنه منصاعًا نفذ الأمر كله، وبعدها أسرع نائحًا ومغطي الرأس إلى بيته (أس6).

ونفهم من بقية القصة أن هامان صُلب على ذات الخشبة التي أعدها لمردخاي، ومعه صُلب بنيه العشرة أيضًا (أس7)، وتم فيه قول الكتاب: «كَرَا جُبًّا.  حَفَرَهُ فَسَقَطَ فِي الْهُوَّةِ الَّتِي صَنَعَيَرْجِعُ تَعَبُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى هَامَتِهِ يَهْبِطُ ظُلْمُه» (مز7: 15، 16؛ راجع أيضًا مز37: 35، 36؛ 94: 23؛ 141: 10).  فعلينا ألا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته (غل6).

ثالثًا: أمانته لإلهه وطاعته لكلمته: وظهرت في عدم سجوده لهامان كما كان يفعل كل عبيد الملك الذين كانوا يلحون عليه يومًا فيومًا، ولم يكن يسمع لهم (أس3).  وتسبَّب هذا في غضب هامان، فطلب أن يبيد - ليس مُرْدَخَاي فقط - بل كل شعب اليهود.  وما كان تصرف مُرْدَخَاي هذا كبرياء منه، بل طاعة لإلهه الذي أوصى: «الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ» (تث6: 13).  وهو عين ما عمله الرب يسوع أيضًا في تجربة إبليس.

كما لا بد وأنه تذكَّر قول الرب في خروج 17: 14، 16 إن للرب حربًا مع عماليق من دور إلى دور.  وأيضًا سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء.  وهامان كان من نسل عماليق.  فكيف يمكن لمُرْدَخَاي أن يتجاوب مع مبغضي الرب؟!  

أما عن بغضة هامان لمُرْدَخَاي، ورغبته في الانتقام، فهذا طريق التقي على مر الزمان «وَجَمِيعُ الَّذِين يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ» (2تي3: 12).  

رابعًا: أمانته لشعب الله: إذ علم مُرْدَخَاي بالمؤامرة التي دبرها هامان ضد شعب اليهود، شق ثيابه ولبس مسحًا برماد، وصرخ صرخة عظيمة مرة، ثم صام وتذلل أمام الرب، وذلك لأنه كان يحب شعب الرب ويطلب خيرهم.  وقد كافأه الرب وأعطاه النصرة مع بقية شعب اليهود، وتغيَّر القصد، وقُضيَّ على أعداء شعب الله، وتحول الشر إلى خير للشعب، حتى تسلطوا على مبغضيهم (أس9).  ووقع رعب مُرْدَخَاي على رؤساء البلدان والولاة.  وصار مُرْدَخَاي عظيمًا في بيت الملك، وكان يزداد عظمة، وقضى على نسل هامان وأرسل رسائل لكل شعب اليهود أن يعيدوا بفرح يومي 14، 15 من آذار كل سنة، تذكارًا للأيام التي استراحوا فيها من أعدائهم، وتحول الحزن إلى فرح، والنوح إلى يوم طيب. 

وما أجمل الإكرام الذي ورد في ختام السفر!  حيث صار مُرْدَخَاي ثاني الملك، وعظيمًا بين اليهود، ومقبولاً عند كثرة إخوته، طالبًا الخير لشعبه، ومتكلمًا بالسلام لكل نسله.  وطوبى لنا بهذا الإله الذي يحول الشر إلى خير، وله في الموت مخارج، ويُخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة ... له كل المجد.                           


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com