عدد رقم 6 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الاجتماع السماوي (2)  

(يو1: 35-42)

تحدثنا في عددنا السابق عن اجتماع صغير حول الرب وُصِفَ في يوحنا 1: 35-42 نرى فيه صورة لاجتماع الكنيسة حول الرب في الوقت الحاضر، باعتباره مركز العائلة السماوية.  وتحدثنا عن: (1) الشهادة.  (2) الاستماع.  (3) الاتِّباع.  (4) تجاوب الرب.  (5) تجاوب التلميذين.  ونواصل حديثنا في عددنا هذا فنقول:

سادسًا: تجاوب الرب ثانية: تجاوب الرب مرة أخرى مع هذين التلميذين، ودعاهما إلى زيارته في مكان سكنه في ذلك الوقت، والمؤكد أنه كان بسيطًا جدًا بالمقارنة مع بيوتنا العصرية «فَقَالَ لَهُمَا: تَعَالَيَا وَانْظُرَا» (ع39).  وبلغة أخرى يقول الرب: «حَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي» (يو12: 6).  وفي أمور الاجتماع إلى اسم الرب، يترك الرب الذين يُريدون ذلك للتدريب الروحي المستمر، كما في الحادثة الرمزية لذلك في لوقا 22: 7-20.  فعندما أرسل الرب يسوع بطرس ويوحنا لإعداد الفصح، قال لهما: «إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَدِينَةَ يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ.  اِتْبَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ».  فهذا الإنسان الحامل جَرَّة الماء هو رمز للروح القدس الذي يقود المؤمنين في سجودهم حول الرب.  والرب هنا لا يُعطي العنوان واضحًا، كما أعطاه لحنانيا في معمودية شاول الطرسوسي (أع9: 11)، لكنه يترك الأمر للقلب لكي يتعلَّق به قائلاً: «يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي» (أم23: 26).  فالأمر مرتكز على تثبيت النظر عليه واتِّباعه.  إنه سر الرداء الذي سقط من المجد ... إنه سر البركة المُضاعفة «إِنْ رَأَيْتَنِي أُوخَذُ مِنْكَ يَكُونُ لَكَ كَذَلِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ يَكُونُ»؛ أي إن ثبَّت النظر فيَّ وتبعتني (2مل2: 1-13).

سابعًا: المكوث مع الرب: «فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ، وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ» (ع39).  ومع أن الرب - في إنسانيته الكاملة - لم يكن لَهُ «أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (لو9: 58)، لكننا في إنجيل يوحنا 1: 18 نقرأ «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ (He Is) فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ».  وهو – تبارك اسمه – كان ظاهريًا نزيلاً وغريبًا (إر14: 8)، وهذه هي أيضًا حالة أحبائه (1بط2: 11).  وهكذا ففي الاجتماع إلى اسم الرب نرى الرب يسوع غريبًا وسط الغرباء. غير أنه في ذات الوقت مثل الشقق الجميلة لخيمة الاجتماع من الداخل، والتي يُغطيها من الخارج جلود التخس التي لا صورة لها ولا جمال ولا منظر (إش53: 2).  لقد كان يمكث في حضن الآب، وهما مكثا معه أيضًا في حضن الآب!

ثامنًا: المكوث في حضن الآب: «مَكَثَا عِنْدَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ.  وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ» (ع39): الساعة العاشرة أي الساعة الرابعة عد الظهر بتوقيتنا الحالي، أي إنهما مكثا مع الرب ساعتين فقط، لأن النهار اليهودي ينتهي بغروب الشمس.  ويوحنا وهو شيخ، كتب إنجيل يوحنا حوالي سنة 100 ميلادية، ولكنه كان لا زال يتذكر تلك الأحداث المباركة لذلك اليوم الذي ظل محفورًا في وجدان «التِّلْمِيذ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ» على مدى ستين سنة.

ولو إنهما مجرد ساعتين، لكنهما كانا في حضن الآب.  ولا يهم المكان، ولا حالته المادية؛ في قَصْرٍ أو في كُوخَةٍ، في قاع كهف أو على قمة جبل عال، سِيَّانِ عندنا، المهم أن ”نَمكُث عِنْدَهُ“.  ونحن قد انتهت إلينا أواخر الدهور، والزمان صعب، والإثم يتزايد، وكلمة الله مرفوضة، وابن الله يُهان حتى وسط المسيحية الاسمية، ومبادئ الارتداد تزداد قوة وتأثيرًا، والعالم يُكمل مكيال إثمه لوقوع دينونة الله عليه.  لكن بالنسبة لنا الرب فيه كل التعويض، حتى وإن قاربت الشمس أن تغيب، ويوشك أن ينتهي ”يَوْم الخَلاَص“ (2كو6: 2).

تاسعًا: الخدمة: «أَنْدَرَاوُسُ ... وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ ... فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ» (ع40-42).  هنا يأتي دور الخدمة.  ولاحظ أن أَنْدَرَاوُس جَاءَ بِسِمْعَانَ «إِلَى يَسُوعَ».  لقد جاء به إلى المكان المناسب، وإلى الشخص المناسب.  فهو لم يأتِ به إلى الكنيسة، ولا إلى العقيدة، ولا إلى رجل الدين، بل «جَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ».  والخدمة الصحيحة تنبع من المكان الصحيح، حيث يكون ”رَبِّي وَإِلَهِي“ هو ”السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ“ (يو20: 28؛ 13: 13 انظر من فضلك يوحنا 12: 26؛ 2تيموثاوس 2: 21؛ عبرانيين 10: 25؛ 13: 13).  والخدمة الصحيحة أيضًا تتجه أولاً لدائرة البيت.  وهكذا كان أَنْدَرَاوُسُ هو الجندي المجهول الحقيقي، في ربح الثلاثة آلاف للمسيح في يوم الخمسين (أع2: 41).

وفي هذا الاجتماع نقرأ عن أول أخوين في إنجيل يوحنا.  وفي سفر التكوين نقرأ عن أول أخوين في التاريخ، وكيف قام قايين على أخيه هابيل وقتله (تك4: 8).  ولما سأله الرب قائلاً: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟»، أنكر قائلاً: «لاَ أَعْلَمُ!  أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» (تك4: 9).  أما في يوحنا 1 فبدون سؤال أو طلب من الرب، نقرأ كيف وَجَدَ أَنْدَرَاوُسُ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى الرب يَسُوعَ.  وإن ما يُميّز الفترة الحاضرة؛ فترة وجود الكنيسة على الأرض، هي الشهادة للمسيح، والإتيان بالنفوس إليه.

أيها الأحباء: إن الرب يسوع – ليس فقط الذبيحة ومصدر البركة – بل أيضًا المركز الذي ينبغي أن يلتف حوله الجميع.



© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com