عدد رقم 6 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الفتاة المسبية تَرْنِيمَةَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ  

«وَكَانَ ٱلْأَرَامِيُّونَ قَدْ خَرَجُوا غُزَاةً فَسَبَوْا مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَتَاةً صَغِيرَةً، فَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيِ ٱمْرَأَةِ نُعْمَانَ. فَقَالَتْ لِمَوْلَاتِهَا: «يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ ٱلنَّبِيِّ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّامِرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ». فَدَخَلَ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ قَائِلًا: «كَذَا وَكَذَا قَالَتِ ٱلْجَارِيَةُ ٱلَّتِي مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ» (2ملوك5: 2-4).

هذه الفتاة هي واحدة من هؤلاء الصغار الذين استلمتهم يد العناية الإلهية وشكّلت آنيتهم وملأتها، ثم نقلتها إذ صارت نافعة للسيد مستعدة لكل عمل صالح.  ألم يكن هذا هو قول رجل الله: «صُبِّي فِي جَمِيعِ هَذِهِ ٱلْأَوْعِيَةِ، وَمَا ٱمْتَلَأَ ٱنْقُلِيهِ»!  وإذ نُقلَ هؤلاء، نقَلوا معهم رائحة الحضور الإلهي بأن نقَلوا ما في قلب الله للآخرين، هناك تعَلّموا وعَلّموا، فصاروا كحلقةِ وصلٍ بين السماء والأرض بحيث لا نُبالغ إن قُلنا إنه لا يمكننا قراءة أحداث عصرهم بالاستغناء عنهم!

يحق أن تُختَم قصة كلٍ منهم بهذا الخَتم المُبَارك: «وَإِنْ تَكُنْ أُولَاكَ صَغِيرَةً فَآخِرَتُكَ تَكْثُرُ جِدًّا» (أيوب8: 7).

فمن هم؟  ومن أين بدأوا؟  وإلى أين انتهوا؟  ماذا تعلّموا؟  وماذا علّموا؟

نُقلَت هذه الفتاة إلى أرام كجارية، وهناك تعلّمت أن البَزّة العسكرية اللامعة قد تُخفي تحتها أمراضًا ذميمة قاتلة!  فلم تصمت بل بشجاعة الإيمان أخبرت عن إمكانية شفاء سيدها من البرص مع أن «بُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النبي، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَّا نُعْمَانُ ٱلسُّرْيَانِيُّ» (لوقا4: 27).  وهكذا صارت سببًا في شفاء سيدها جسديًا برجوع لحمه كلحم صبي صغير، وروحيًا برجوعه إلى الله من الأوثان ليعبد الله الحي.

وأُنزلَ يوسف إلى مصر كعبد، وهناك تعلّم أن البيوت الكبيرة الفاخرة قد تأوي داخلها نفوسًا دنيئة فاجرة، لا يصلح معها إلا الهرب كالظبي من اليد!  ولأن «ٱلطَّاهِرُ ٱلْيَدَيْنِ يَزْدَادُ قُوَّةً» (أيوب17: 9)، صار العبد السجين سيدًا ومُسلَطًا على كل أرض مصر!

ونُقلَ دانيآل وأصحابه إلى بابل، وهناك تعلّموا أن القصور العظيمة الفارهة قد يسكنها ملوكًا شريرة مُتعالية!  «أَمَّا دَانِيآلُ فجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ ٱلْمَلِكِ وَلَا بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ» (دانيآل1: 8)، وكذا الرجال الثلاثة أبوا السجود للتمثال الذي نصبه الملك، فرفعّهم الله وصاروا وزراء على أعمال ولاية بابل. وكانوا سببًا في معرفة البعيدين بالله الذي لم يستحِ أن يُدعَى إلههم، إذ ارتبطت أسماؤهم باسمه، إله دانيآل؛ إله شدرخ وميشخ وعبدنغو.

وبالمثل أستير في أرض سبيها تعلّمت أن مظاهر الثراء الخادعة قد تحمل وراءها قلوبا خسيسة ماكرة!  فلم تأبه لحياتها ولا المُلك الذي وصلت إليه بل وضعت نفسها في كفّها ودخلت إلى الملك خِلاف السُنّة ولسان حالها: «فَإِذَا هَلَكْتُ، هَلَكْتُ»، فصارت سببًا في إنقاذ شعبها من الهلاك والإبادة كقول مردخاي: «وَمَنْ يَعْلَمُ إِنْ كُنْتِ لِوَقْتٍ مِثْلِ هَذَا وَصَلْتِ إِلَى ٱلْمُلْكِ؟» (أستير4: 14).

لم يعلم هؤلاء الصغار حينها أن السماء تراقبهم، وأن أحدًا سيذكر أسماءهم ويجتر على تاريخهم المشرّف، لكن هكذا «ٱلصِّدِّيقُ يَكُونُ لِذِكْرٍ أَبَدِيٍّ، وذِكْرُ ٱلصِّدِّيقِ لِلْبَرَكَةِ (مجرد تَذكُر اسمه بركة)»!

فسيظل مبدأ الله ساريًا لكل العصور والأزمان: «حَاشَا لِي!  فَإِنِّي أُكْرِمُ ٱلَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي» (1صموئيل 2: 30).

فما الذي تميز به هؤلاء ليكون لهم هذا التأثير الهائل؟

أولاً: امتلأت قلوبهم بمشاعر صحيحة نحو الله والآخرين، فلم يكن لديهم أيّة مرارة تجاه الله أو تجاه مَن سبوهم - الأمر الذي يُعيق البركة والاستخدام الإلهي - بل أَحبوا أعداءهم، فتمكّنوا من مساعدتهم.

ثانيًا: امتلأت عقولهم بمعرفة صحيحة عن الله، مما أعطاهم الشجاعة. فلم يساوموا في أي شيء قد يعيق أداءهم لأدوارهم.  فاحتفظوا بانفصال كامل عن الأوضاع الشريرة المحيطة ومع ذلك لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام احتياجات الآخرين، وببصيرة روحية ثاقبة عرفوا متى يواجهوا؟  ومتى يهربوا؟  فكانت وُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ ٱلْأُسُودِ، وَهُمْ كَٱلظَّبْيِ عَلَى ٱلْجِبَالِ فِي ٱلسُّرْعَةِ.

ثالثًا: لم يكونوا ممن يطوون الجناح على الجِراح ويرثون لحالهم: «كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟» (مزمور137: 4).  بالعكس، لقد كان كل منهم هو شخصيًا ”تَرْنِيمَةَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ“، إذ كان الرب نفسه لهم هو ترنيمة الغربة والأنشودة التي لا تنتهي!

«لِأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلَاصًا» (إشعياء12: 2).

وهكذا يضع الله كل منّا في توقيت معين «لِوَقْتٍ مِثْلِ هَذَا» (أستير4: 14)، ومكان معين، لأجل غرض محدّد «مِنْ أَجْلِ هَذَا تَرَكْتُكَ ... لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ ٱلْأُمُورِ ٱلنَّاقِصَةِ» (تيطس1: 5).

فداود خَدَمَ جِيلَهُ (عصره ومكانه) بِمَشُورَةِ ٱللهِ (وفقًا لقصد الله)، فكان رجلا بحسب قلب الله.
وإن كان الله بحكمةٍ
«يَضَعُ الْحِنْطَةَ فِي أَتْلاَمٍ، وَالشَّعِيرَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، وَالْقَطَانِيَّ فِي حُدُودِهَا؟» (إشعياء28: 25)، فبالأولي جدًا يضع كلٍ منا في التوقيت والمكان المناسب فهو «مَن حَتَمَ بِالْأَوْقَاتِ ٱلْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ» (أعمال 17: 26). 

ترى أين نحن من نوعية الحياة هذه؟

هل تشتاق كل منّا بحق أن تكون ”تَرْنِيمَةَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ“؟

هل نمتحن تأثير كل «كَذَا وَكَذَا» نقولها (2ملوك5: 4)؟  هل نطلب مع داود: «ٱجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِسًا لِفَمِي.  ٱحْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ» (مزمور141: 3).

وماذا عن غلماننا وفتياتنا؟  هل نصبّ في أوعيتهم ونملأها حتى إذا جاء وقت نقلها، تكون آنية مقدسة نافعة للسيد يُظهر بها رائحة معرفته في كل مكان؟  وهل حقًا: «لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلَادِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالحَقِ» (3يوحنا4).


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com