عدد رقم 2 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
للشابات مَرْيَمُ ٱلَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ  

«ثُمَّ صَرَفَ ٱلْجُمُوعَ وَصَعِدَ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ مَجْدَلَ» (مت١٥: ٣9).

«ثم صرفهم.  وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ» (مر٨: 9، 10).

يلفت النظر في أحداث هذا الجزء، أنه بعد انتهاء الرب من إشباع الجموع، صرفهم ودخل السفينة للوقت قاصدًا تُخُوم مَجدَل، وعند وصوله هناك، خرج الفريسيون يسألونه آيةً ليجربوه، فلم يُجبهم بل تنهَّد بروحه حزنًا علي عدم إيمانهم، ثم تركهم ودخل السفينة ومضى إلى العبر.  وكأنه لم يقضي هناك إلا سويعات قليلة جدًا!  وهنا يأتي سؤال عن غرض ذهابه إلي مَجدَل!  فلا بد أن كان لديه غرضًا أبعد من سماع سؤالاً لم يُرد حتى الإجابة عنه!

وإن كان لا بد له أن يجتاز مَجدَل، فهل كانت ”مَرْيَمُ ٱلَّتِي تُدْعَى ٱلْمَجْدَلِيَّةَ“ غرضًا كافيًا بالنسبة له، ليذهب إلى هناك؟  لمَ لا!  فهو الراعي الصالح الذي يترك الـــ٩٩ ويذهب وراء الضال حتى يجده.  تُري هل كانت هذه المُعَذبة هي أول من لاقته هناك، كما كان مجنون كورة الجدريين أول من استقبله بمجرد خروجه من السفينة!  هل سألها عن اسمها؟  أم ناداها هو باسمها الذي يحمل في معناه مرارة ذلها ومعاناتها عبر سني حياتها!  ربما، فهو مَن يدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها.  وهل لأجلها أيضًا، تنهد بروحه، كما ”أنّ“ قبلها علي حال الأصم الأعقد!

 ويخيل لي أنه  بينما كان يكسر الخبزات السبعة، رأي بقلبه تلك المكسور قلبها بسبعة شياطين يسكنوها.  فإن كان روحًا واحدًا استطاع أن يصرع صبيًا ويمزقه، فكم بالحري سبعةً منهم؟!  وإذ رأي السلال السبعة تمتلئ واحدة وراء الأخرى، تحرك قلبه صوب تلك المسكينة المسكونة بشياطين سبعة ملأوا حياتها خزيًا وعارًا.

لكن يحدد لنا الوحي مكانا بعينه في تخوم مجدل وهو نواحي دلمانوثة، التي تعني ”حرمان“ أو ”نصيب قليل“.  بينما تعني ”مَجدَل“ ”عظمة“ أو ”برج“ أو ”ارتفاع“!

وغني عن القول أن قصة حياة مريم تقع بين معنى الاسمين!  فمن بعد ذُلها وحرمانها وقلة نصيبها، وجدت في سيدها وحبيبها وعريسها كل تعويض وشفاء، بل كل مجد وهناء.

أليست هذه هي قصتي وقصتك أنتِ أيضًا؟!

إلا أنه منذ يوم التقاها المُحرِّر، وقطعها من محجر مَجدَل، لم تعد تطيق عن بُعده بقاءً، فتبعته وتابعته لا طلبا لعطاياه - كالأكثرين - بل تبعته لشخصه، فطافت معه وحوله، كفراشة جذبها نور حبه، في كل مدينة وقرية تخدمه أثناء خِدمته (لو8: 1-3).  فمَن غُفرت له خطاياه الكثيرة، يُحبُّ كثيرًا، ومن يُحبُّ كثيرًا يتعب كثيرًا.  كان هذا هو حال مريم المجدلية، ومريم أخرى لا نعرف عنها سوى أنها تعبت كثيرًا (رو١٦: ٦).

«وَعَلَى أَثَرِ ذَلِكَ كَانَ يَسِيرُ فِي مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يَكْرِزُ وَيُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمَعَهُ ٱلِاثْنَا عَشَرَ وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ ٱلَّتِي تُدْعَى ٱلْمَجْدَلِيَّةَ ٱلَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ ... وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ» (لو8: 1-3).

لكنها تبعته أيضًا في الوقت العصيب، الذي تركه فيه أشجع الرجال وهربوا!  وقتما طلب رقة فلم يجد، ومُعزيّن فلم يكن، كانت هي من ضمن النساء الواقفات عند الصليب، بل وتبعته حتى القبر الرهيب.  وهناك جلست تنظر أين وُضع وكيف وُضع.

«وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ ٱلْأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ ٱلْقَبْرِ» (مت٢٧: ٦1).

«وَكَانَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ» (مر١٥: ٤7).

«وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ ٱلْجَلِيلِ، وَنَظَرْنَ ٱلْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُ» (لو٢٣: ٥٤-56).

لم ترجع مريم إلا لتسترح  حسب الوصية، إذ كيف وأين تسترح روحها الهائمة بعيدًا عن سيدها وحبيبها! 

وبعدما مضى السبت العصيب، اشترت حنوطًا وأعدت أطيابًا، وفي الصبح باكرًا جدًا والظلام باق، عادت للقبر لتدهن جسده الكريم، لكن لشدة دهشتها لم تجده هناك، بل رأت الحجر مدحرجًا، وملاكين قالا لها: «لَيْسَ هُوَ هَهُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ!» (مت28: 6).  لكنها لم تكتفي بمنظر الملاكين أو كلامهما، فقلبها الظمآن لحبيبها، لم يكن ليُطفئ عطشه سواه!  ولأنها لم تكن بعد تعرف الكتاب: أنه ينبغي أن يقوم من الأموات، ظلت واقفة خارجًا تبكي.

تأمل الأفعال التي عبرت عن شدة حبها له ولهفتها عليه: جاءت، وقفت، جلست، ركضت، انحنت، بكت، سألت.  انها تفعل أي شيء، وكل شيء في سبيل أن تجده.

تري كم مرة قصدنا نحن لقائه، لكننا عُدنا مكتفين بأقل القليل!

وإذ رآها الحبيب واقفة بأعين امتلأت دموعا غزيرة، وايدي امتلأت حنوطًا كثيرة، بادر هو بسؤالها: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟  مَنْ تَطْلُبِينَ؟» (يو20: 15).  ومن ثم ناداها باسمها: «يَا مَرْيَمُ»، فأيقظ وعيها وكيانها كله، فخرافه تسمع صوته وتعرفه، وتميّزه عن صوت الغريب.  فالتفتت تلك وقالت له: «رَبُّونِي!».  وفي الحال اقتربت منه لتُمسك به، بعدما فكت يديها عن حنوطها، وتخلت عن أطيابها، بل وعن برنامجها كله، إذ فاجئها هو بحقيقة قيامته التي فاقت كل توقعاتها.

«وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ ٱلْأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلًا لِمَرْيَمَ ٱلْمَجْدَلِيَّةِ، ٱلَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ» (مر١٦: ٩).

لقد ظهر - أولا - لمن وضعته أولاً في حياتها، ولمن أحبته المحبة الأولى، ولمن لم ترضى عنه بديلاً، ليس ذلك فقط، بل شرفها بنقل أعظم بشارة وأعظم إعلان:

«ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ.  فَجَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ ٱلتَّلَامِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ ٱلرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هَذَا» (يو٢٠: ١٧-18).




© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com