عدد رقم 2 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ! (يو8: 7)  

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، بسبب فضيحة الفيديوهات الإباحية، المُتورَط فيها بعض الفنانات، مع مخرج سينمائي شهير.  وتم احتجاز الفنانات، على ذمة التحقيق، بتهمة ارتكاب فعل فاضح، والتحريض على أعمال منافية للآداب.  بينما تمَّ هروب المخرج المتهم خارج البلاد.

وكل ما يعنيني في هذه القضية هو ما ذُكِرَ على فم كل المتهمات، وهن يُعلنَّ ندمهن وتوبتهن، طالبات العفو والمسامحة من المجتمع، مستشهدات بمقولة الرب يسوع المسيح: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» (يوحنا8: 7).  وتعجبت كثيرًا من أن البعض لا يعرف - من كل تعاليم الرب يسوع المسيح – إلا هذه الآية، يلجأ إليها عند الفضيحة، مُتصورًا أنها طوق نجاة لإنقاذ مَن يغرق في بحر الرذيلة.  بينما يُهاجم البعض الآخر كل أقوال الرب يسوع وتعاليمه، ويوَّجه إليه – تبارك اسمه - تهمة أنه مُفرِط في اللين والتساهل مع الساقطات الطريدات، وأنه يحدثهن في لين وعطف زائدين، وأن مقولته هذه تقود إلى التشجيع على الخطية.

أما عن القصة التي وردت فيها هذه المقولة على فم الرب يسوع، فقد وردت في إنجيل يوحنا 8: 1-11.  فقد جاء بعض القادة الدينيين إلى الرب، وأحضروا معهم امرأة أُمسكت في زنا، مُحاولين أن يصطادوه بأن يسألوه عما يجب أن يُتخَذ ضدها من إجراء.  لقد اعتبروا أنفسهم أوصياء على الفضيلة والأخلاق العامة، والويل لمن كان يقع تحت مراقبة أولئك الذين عيَّنوا أنفسهم رقباء على أي مخالفة أخلاقية.  ولعلمهم بكل متطلبات وعقاب ناموس موسى، وبتقاليدهم الخاصة حولها، كانوا يُعاملون الخطاة باحتقار يتسم بالتظاهر بالتقوى والنفاق.  فقد كان مجرد لمس امرأة كهذه يُعدّ خطية، ولكن الحقيقة أن غيرتهم، بشأن خطايا الآخرين، كانت مجرد شعارًا وقناعًا لإخفاء شرهم.

وكم كان هؤلاء المشتكون متحيزين!  لقد أحضروا المرأة التي «أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ»، ولكن أين الرَّجُل شريكها، المرتكب الرئيسي للذنب؟!  لماذا لم يُمسكوا به؟!  هل كان فريسيًا مثلهم؟!  أم كان شخصًا تتطلب الحكمة العالمية، السماح له بالهروب؟!  إن الناموس كان يتطلب أن يؤتى بالزاني والزانية معًا، ويُحكَم عليهما بالموت (لاويين20: 10).  ولكن هؤلاء الأعداء للمسيح، كانوا يسيرون وفق سلوك أهل العالم، وجعلوا المرأة تتحمَّل وحدها وزر ذنبها، ولكن لنتذكر أنه «لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ» (رومية2: 11).

إنه شيء مفزع بالنسبة للخاطئ أن يقع في أيدي رفقائه الخطاة، إذ أن الخطية تعمي عيونهم عن أخطائهم، ولكنها تدفعهم إلى تعقب أخطاء الآخرين، وهم يسترون أنفسهم تحت أردية لامعة من الأعذار الباطلة، ولكنهم بقسوة ينزعون هذه الأردية عن المخطئين، ويُشهّرون بخطاياهم.  ويا له من مشهد مرعب هنا!  لم يكن هناك واحد من هؤلاء الناس يستطيع أن يدافع عن خلوه من هذه الخطية بالذات، مع الفارق الوحيد أنه لم يُكتَشَف أمره، ولكن لم يوجد لديهم الخجل بسبب خطيتهم، ولم تكن هناك شفقة على الخاطئة، ولا غيرة على مجد الله، ولا رغبة واضحة في إرجاع المنحرف، إذ لم تكن هذه الحادثة بالنسبة لهم سوى مادة ليجربوا بها الرب، الذي كانوا يكرهونه كما تكره الظلمة ضوء النهار. 

لا رجاء للخاطئ الذي يقع في أيدٍ مثل هذه.  ربما يرسلونه إلى القاضي أو إلى السجن، وربما يتخذون من هذه الحالة مادة لأحاديثهم العابرة، أو لخلافاتهم العارضة، أو لتصفية حساباتهم، أو لنشاطهم الإلكتروني الفيسبوكي اليوتيوبي المحموم، وربما يدرسونها كنقص في مجتمعهم، ولكنهم لا يحاولون أن يدركوا مقدار الألم الذي يحل بقلب الخاطئ، أو الحزن الذي يعتمل في قلب المُخلِّص. 

إن العالم ملئ بالخطاة الذين انغمسوا في خطايا أعمق، لأن رفقائهم الأكثر تدينًا علَّموهم أنه لا أمل لهم في الخلاص، وهم في مثل تلك الحالة.  هذا ليس صوابًا، إذ أن الخطاة يستطيعون أن يخلصوا لو تُركوا وحدهم مع الرب يسوع، مثل هذه المرأة.

ولكن ماذا عن الناموس؟!  إن «مُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ» (يوحنا8: 5).  إن أقل انتهاك لوصايا الناموس يستلزم القصاص عاجلاً ومريعًا.  قد تكون الإساءة الأولى، أو قد تكون خطية قد اقترفت، ثم تبعها فيضان من الدموع وتأنيب الضمير.  ولكن الناموس لا يعرف أن يُعطي فرصة ثانية للخاطئ.  إنه يرفع ذراعه الثقيلة لكي يضرب، فيقع المُخطئ تحت لعنته وعقوبته.  فالخاطئ ليس لديه أي أمل، عندما يقف أمام محاكمة الناموس.

ولكن ماذا عن ”ربي وإلهي ومُخلِّصي“؟!  لقد انحنى إلى أسفل في هذا المشهد، تعبيرًا على أنه يتألم بشدة وبمرارة على الخطية، ولكن عطفه ومحبته على الخاطئ لا يتغيران.  لقد وقف أصحاب الاتهام غير خجلين، يحيطون بالمرأة وهي في وسطهم، ويلحون في طلب الجواب على سؤالهم: «مُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ.  فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» (يو8: 5).  وبعد انتظار طويل، انتصب المخلِّص، ونطق بهذه الكلمة التي وقعت عليهم وقع الصاعقة من السماء: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» (يوحنا8: 7).  وفي لحظة بدأت الذاكرة والضمير يعملان، وفي النهاية انسحب أكبر الرجال سنًا من بين الجمهور واختفى، ثم الذي يليه، فالذي يليه، واحدًا فواحدًا، إلى أن اختفى آخرهم، وتُرك الرب يسوع وحده مع المرأة.

لقد كان يريد أن أولئك الذين يقيمون الاتهام يختفون، لتجد النفس وقتًا - في حضرته المقدسة - لتشعر بشناعة الخطية ونجاستها وجريمتها، وكلها اقتناع بعدالة وهول عقوبتها، وكلها نيَّة منعقدة على التوبة عنها، وعدم العودة إليها، وكلها توسل صامت للرب لانتشالها من خطيتها، ورحمتها من عقوبتها، من نارها وفضيحتها.  وعندما يضيع كل أمل، وتدق ساعة اليأس من الذات، وعندما يرى الرب القلب المنكسر والروح المنسحقة، ويجد علامات التوبة الحقيقية والشوق المُلح، وعندما تتحول النفس من خطيتها إليه في رغبة عميقة، عندئذ يلتفت إليها بعينيه الوديعتين الفاحصتين، ويقول هو: لا دينونة «يَا امْرَأَةُ ... أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟  فَقَالَتْ: لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!  فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: ولاَ أَنَا أَدِينُكِ.  اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا» (يوحنا8: 10، 11).  ومن المؤكد أنها ذهبت، وفي طاعة لأمر المسيح، دخلت حياة جديدة من القداسة والطهارة والسلام والأمان والإيمان.  فالحياة المُلوثة القديمة قد مضت، وأصبحت خليقة جديدة.

هنا مكان الأمان الوحيد الذي يُمكن للخاطئ أن يقوم فيه، ألا وهو محضر مُخلّص الخطاة.  هنا نرى قلب الله.  هنا طريق الرب يسوع لعلاج الخطية.  إننا لا نقدر أن نقضي على الزنا برجمه بالحجارة، ولكن الرب يسوع يستطيع أن يلمس القلب البشري، بلمسة العطف والغفران، وعلى أساس كفارة الصليب، يغفر كل الخطايا، فتنهض الساقطة امرأة جديدة، تذهب ولا تُخطئ!  بل ويُرسلها لتُخبر الآخرين عن قصة الحب العجيب، التي انتصرت – بالنعمة والحق - في صراعها مع سقوط الإنسان وخطيته.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com