عدد رقم 2 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
شهادة التاريخ لموت وقيامة المسيح  

يرد ذكر الصلب والقيامة كثيرًا في العهد الجديد، فهو العمل المبارك المزدوج الذي نرى فيه وجهي العملة الواحدة؛ المسيح «الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رو4: 25).  أشار ربنا المبارك الى ذلك مرارًا.  وحتى بعد قيامته، ذكَّر الرب المُقام حاملات الحنوط أنه كان «يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (لو24: 1-7).

لكن، ولدوافع مختلفة، يتساءل ويبحث الكثيرون حول أسانيد أو أدلّة خارج الكتاب المقدّس تشير الى صلب المسيح وقيامته.  البعض يبحثون عن تأكيدات لإيمانهم، وغيرهم يفتشون عن الحق، بينما نجد أيضًا مَن ينبشون ما أمكنهم لينقضوا الايمان المسيحي برمّته.

يجد الباحث عن الحق عدة مصادر خارجية تذكر أحداثًا مختلفة من حياة يسوع، لكنني انتقيت هنا ما يرتبط بموت المسيح وقيامته وما كان قريبًا زمنيًا للأحداث.

يمكن تقسيم المصادر الخارجية التي كتبت عن الموضوع في القرون الميلادية الأولى الى قسمين: وثنية ويهودية.

أولاً: المصادر الوثنية:

# كورنيليوس تاكيتوس (56–118م)، مؤرّخ روماني هام، كتب باللاتينية: ”ولإخماد الشائعات (حول احراق روما عمدًا)، قام ”نيرون“ باتهام ومعاقبة ... الذين يدعوهم الشعب ”مسيحيين“.  ويأتي اسمهم من اسم المسيح الذي ذاق الموت خلال حُكْم طيباريوس بواسطة الوكيل (الوالي) بيلاطس البنطي“. (الحوليات15: 44).

# لوكيان السميساطي هو شاعر يوناني من القرن الثاني (115-200م)، وقد ذكر في أحد كتبه بصورة عابرة وساخرة: ”إن المسيحيين ما زالوا يعبدون الرجل الذي عُلّق في فلسطين لأنه قدّم هذه العقيدة الجديدة للعالم ... ويعبدون ذلك الحكيم المُعلّق ويعيشون وفقًا لشرائعه“.

# مارا بار سيرابيون، كتب في رسالة باللغة السريانية لابنه سيرابيون من السجن (ما بعد سنة 72 م): ”وأية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟  لقد تلاشت مملكتهم بعد ذلك الوقت مباشرة ... فلم يمت الملك الحكيم إلى الأبد، بل عاش من خلال تعاليمه التي علَّم بها“.

ثانيًا: المصادر اليهودية:

# التلمود البابلي: وهو جمع لتقاليد الحاخامات الذين عاشوا في القرون الميلادية الأولى، جاء فيه: ”في عشية عيد الفصح عُلق يشوع الناصري، وكان المنادي قبل ذلك بأربعين يومًا، يقول: ”سوف يُرجم لأنه سَحَر وأغوى إسرائيل وأزاغه. أي شخص يقدر أن يشهد لصالحه، فليتقدّم ويدافع عنه“، لكن لم يشهد أحد لصالحه، فعلّقوه عشية الفصح“ (مبحث السنهدرين 43 أ).

 

# تولدوت يِشو: وتعني تاريخ يسوع بالعبرية، وهي مجموعة من النصوص عبارة عن قصص شعبية كانت تنقل شفهيًا بدءًا من القرن الميلادي الثاني، وتم تسجيلها بكتب من نُسخ مختلفة بين القرنين الرابع والسادس.  في أقدم نصوصه والتي كتبت بالآرامية نقرأ: ”صلبوه (يسوع) على جذع ملفوف (ربما المقصود سَرْو)، وقبل أن يُصلب علَّم أنه مكتوب ”لا تبت جثته على الخشبة (صليبا بالآرامية)“.  في تلك الساعة أرسل للناس الذين أضلّهم قائلاً: ”إن جئتم غدًا لن تجدوني على الصليب، لأني صاعد الى السماء ولن ترونني“.

# فلافيوس يوسيفوس: مؤرخ يهودي روماني (37-100م)، كتب: ”وحين سمع بيلاطس أناس من علية القوم يتّهمونه، حكم عليه بالصلب.  ظل أحباؤه مُخلصين له، وقد ظهر لهم حيًا في اليوم الثالث، كما تكلّم الأنبياء“ (قديمات اليهود 18: 63، 64).

ملاحظات هامة حول الموضوع:

(1) أكثر النصوص اليهودية والأممية كُتِبت بصورة هجومية أو ساخرة، ممّا يعزّز مصداقيتها، فنادرًا ما نرى نصًا متعاطفًا مع النظرة المسيحية، أو مع شخص المسيح في هذا الموضوع.

(2) عادة يذكر الموضوع بصورة عابرة، في خضمّ السياق الذي يركّز عليه الكاتب فيظهر بشكل طبيعي وجدير بالثقة.

(3) بعض النصوص كُتبت عن حكام أو ملوك، وأحيانًا كتبت اليهم شخصيًا، فتوخّى كتّابها الدقّة والحذر، خاصة أن موت وقيامة المسيح كان مثيرًا للجدل بين العامّة، ومرفوضًا من السلطات السياسية (الرومانية) والدينية (اليهودية).

(4) ذكرتُ المؤرخين الذين كتبوا بصورة مباشرة، فمثلاً استبعدت ثالوس“ الذي ذكر مؤرخون متأخرون أنه ربما أشار الى الكسوف عند موت المسيح.

(5) لا نستغرب إغفال ذكر القيامة في أكثر النصوص غير المسيحية بسبب الخوف من السلطات أو الناس، فذِكرُ القيامة صراحةً قد يدمغ الكاتب بالإيمان بالمسيحية، وهو ما تحذّر منه الكثيرون لعدة أسباب.  أحيانًا سعوا لإنكار القيامة باعتبارها مجرّد سرقة لجسد المسيح بواسطة التلاميذ.

(6) يستعمل المؤرخون تعبير ”عُلِّق“ المرادف للصلب كما نفهم من غلاطية 3: 13 «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».

هكذا نرى أن المؤرخين الوثنيين يذكرون عهد طيباريوس الامبراطور الروماني الذي تمّ فيه الصلب، وكذلك الوالي الروماني بيلاطس البنطي الذي حكم على ذلك ”الرجل الحكيم“ بالصلب.  أمّا المصادر اليهودية فتُشدّد على أنه حُوكم محاكمة يهودية (السنهدرين في أورشليم)، والتهمة أنه أضلّ اليهود بأقواله وأعماله، ولم يوجد من يشهد لصالحه، فصُلب في ليلة عيد الفصح، مع الإشارة أحيانًا أن تلاميذ يسوع ذكروا قيامته في اليوم الثالث.

الإشارات الخارجية كافية للباحث الأمين، أما الشهادة الكتابية الواضحة والكافية فهي: «أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (1كو 15: 3، 4).


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com