عدد رقم 2 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جسم الإنسان  

 رأينا سابقًا أن الإنسان يتكون من روح ونفس وجسد (1تس5: 23)، بالإضافة إلى أن هناك مكونات أخرى هامة فى تركيب الإنسان تكلَّم عنها الكتاب مثل القلب والإرادة، ثم دخل الضمير بعد دخول الخطية.  لكن كل ما فى الإنسان يُعبَّر عنه عن طريق الإناء الخارجى الذى يحوى هذا الإنسان بكل ما فيه، والذى هو الجسد أو جسم الإنسان.

ما هو؟  وكيف خلق؟

الجسد هو الوعاء الخارجى الذى يسكن فيه الإنسان، والذى من خلاله يُعبِّر عن نفسه.  وهو أول جزء عمله الله عندما خلق الإنسان، وعمله من تراب الأرض «وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ» (تك2: 7).  كما أنه الجزء الوحيد المادى والملموس فى تركيب الإنسان، بينما بقية الأجزاء فغير مادية.  وهو لا يحوى فقط الهيكل الخارجي من عظام وعضلات وجلد، لكنه يشمل أيضاً الأعضاء الداخلية مثل عضلة القلب والكليتين والكبد والمخ ... إلخ.  وكل ما هو مادى فى تركيب الإنسان.  وكل منها يتكون من خلايا نسجها الله للإنسان وهو جنين فى بطن أمه (مز139: 13-16).  هو الخيمة الخارجية التى وضع الله الإنسان فى داخلها (2كو5: 1).  أو الغلاف الخارجى الذى يستخدمه الإنسان الساكن فى هذه الخيمة.  ولأنه مادى ومأخوذ من تراب الأرض، لذلك فيه كل مقومات الحياة التى تناسب الأرض.  فهو يستمد من الأرض كثير من إحتياجاته لتستمر الحياة فيه، ويستمر الإناء المناسب لحياة الإنسان على الأرض.  يستمد منها غذاءه وشرابه، وأيضًا الأَوكسجين اللازم لحياته.  ويمد الأرض بغاز ثاني أكسيد الكربون اللازم لحياة الأرض.  هو خُلق هكذا ليناسب الحياة على الأرض.  العين ترى أمور الأرض، والأقدام تسير على الأرض، والأيدى تعمل فى الأرض.  وقد وضع الرب آدم فى الجنة «لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا» (تك2: 15).

دور الجسم فى حياة الإنسان قبل السقوط:

جسم الإنسان مخلوق بطريقة عجيبة ، ويظهر فى تركيبته ووظائفه روعة الإبداع  الإلهي في الخلق «أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا» (مز139: 14)، وله قصد سامِ من صنعه بهذا الشكل (إر1: 5).

 فى الإنسان حواس هامة جداً لوجوده على الأرض وتفاعله معها ومع بقية البشر،لأن الحياة على الأرض مادية وملموسة وتعتمد على هذه الحواس؛ الأذن للسمع، العين للرؤية، كل الجلد الخارجى للمس، الفم للتذوق، والأنف للشم.  بهذا الجسم يتميز كل إنسان على الأرض عن الآخر، فهو يعطى الملامح الخارجية للشخص فهذا «أَشْقَرَ مَعَ حَلاَوَةِ الْعَيْنَيْنِ» (1صم16: 12)، وذاك «أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ الشَّعْبِ مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ» (1صم10: 23).

وكل عضو وكل جزء فيه له وظيفة هامة لإستمرار حيوية الجسم وحياته على الأرض، مناسبه لنشاطه وحركته وأفعاله وردود أفعاله، بدءً من شعر رأسه إلى أظافره.  هذا الجسد أيضاً هو وسيلة التواصل بين البشر، ووسيلة الإنجاب «لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (تك2: 24).  ويلعب دورًا  كبيرًا فى علاقات البشر بعضهم ببعض.  وهذا الجسد ليس مجرد مجموعة أعضاء مادية تعمل بطريقة ميكانيكية، لكن فى هذا الوعاء الخارجى تتدفق حياة الإنسان؛ نوعية الحياة التي تحدد صنفه.  فى أجسام بقية الكائنات الحيه أيضًا توجد حياة تعبر عن صنف هذا الكائن، سواء حيوان أو نبات، وتنتهى حياة هذا الكائن على الأرض بموت الجسد.  ولكن الإنسان، فلأنه مخلوق على صورة الله، لذلك نوعية حياته خالدة وغير قابله للفناء (أي19: 26).  قبل السقوط ودخوله فى الخطية لم يكن من خصائص هذا الجسد - الذى يحوى حياة الإنسان - أن يموت أو يتعرض للفساد، لأن الموت والفساد لم يكونا قد دخلا أصلاً إلى العالم  (رو5: 12).  كما أنه قبل السقوط لم تكن الآلام والأوجاع ومآسى البشرية قد دخلت إلى العالم، وبالتالى كان هذا الجسد فى حالة البراءة خاليًا من المرض والألم، وغير مُعرَّض للإهانة أو للحوادث أو كل أنواع العلل.  والكيان الإنساني يعمل كوحدة واحدة، فالدوافع الداخلية والفكر والعواطف تؤثر على الجسد وتحركه «قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلَهِ الْحَيِّ» (مز84: 2)، «يَا اللهُ، إِلَهِي أَنْتَ.  إِلَيْكَ أُبَكِّرُ.  عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ» (مز63: 1).  فما فى الداخل يظهر على ملامح الجسد الخارجية: كلام، صوت، ابتسامة ... إلخ.  كذلك الجسم يتأثر بالتفاعلات وردود الأفعال الداخلية «القلب الفرحان يجعل الوجه طلقاً».

الجسم ودخول الخطية:

بعد السقوط سكن فى هذا الجسد طبيعة ساقطة تدفعه لفعل الخطية «الخطية الساكنة فىّ» (رو7: 20)، وأصبح الطفل يخرج إلى الحياة وداخل جسمه طبيعة الخطية «هَأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مز51: 5).  وهذا لا يعنى أن الجسد المادى نفسه تحول إلى خطية، فالجسد المادى وأعضاءه ومكوناته ظلت كما هى كالوعاء الخارجى للإنسان، لكن تدفق فى هذا الجسد نوعية حياة تختلف عن حياة البراءة، التي كانت قبل السقوط؛ إنها حياة الإنسان الساقط التى تدفع هذا الجسد لفعل الخطية.

 ولقد لعب الجسد دورًا كبيرًا فى عملية السقوط نفسها، نتيجة الدوافع الداخلية، فنقرأ: «فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ (بعينيها) ... فَأَخَذَتْ (بيديها) ... وَأَكَلَتْ (بفمها)، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ» (تك3: 6).  كل هذا نشاط جسدي، نابع من دوافع داخلية.  وبعد السقوط اختل الكيان الإنساني كله.  والأكثر تأثرًا كان جسم الإنسان لأنه الخيمة التى يستخدمها ساكنها؛ دخل الموت، وأصبح هو الضرورة الحتمية لتنفيذ الحكم الإلهى على الإنسان لعدم طاعته، وقال الرب لآدم: «لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ» (تك3: 19).  والموت هنا يعنى موت الجسد، أي ترك مكونات الإنسان الداخلية لغلاف الجسد، وانتهاء دوره على الأرض، ونزول هذا الجسد إلى القبر والتراب، وانتهاء عمله على الأرض.  وهناك - فى التراب - هذا الجسد يرى فسادًا (يو11: 39).  لكن الروح والنفس، وبقية مكونات الإنسان الغير مادية، تذهب إلى مكان آخر، فى حالة من الوعى والإدراك الكامل والرؤية والسمع والإحساس بدون الجسد (لو16: 22-25).  كما دخلت المعاناة والشعور بالألم، والمرض، والحوادث (تك3: 16-19)، والكراهية، والحسد، والإعتداءات والقتل، حتى أن أول إنسان مات على الأرض مات قتيلاً، والذى قتله أخوه (تك4 : 5-8)، بل أصبحت الخليقة كلها وكل الأجساد تئن وتتمخض (رو 8: 22).

ولقد أصبح الجسد يتأثر، ليس فقط بالعوامل الخارجية من حوادث أو ميكروبات، بل أيضًا بالمعاناة النفسية الداخلية، والتي تظهر على هيئة أعراض جسمية: صداع، مغص، خفقان فى القلب، ضيق فى التنفس ... إلخ.  بل إن كثير من الأمراض الجسدية سببها علل نفسية مثل قرحة المعدة، الضغط، الأزمات القلبية ... إلخ.  أصبحت الأمور المادية الحسية، وما يحركها من شهوات داخلية تلعب الدور الأكبر فى حياة الإنسان؛ مناظر العالم وجاذبياته من الخارج، دوافع الطبيعة القوية الساقطة من الداخل.  ولعب الشيطان بأفكار الإنسان.  كل هذا يحرك الجسد لفعل الخطية.  والإنسان يقدم أعضاء جسده للخطية والإثم «قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ» (رو6: 19)، أي أن الجسد أصبح مرغمًا على فعل الخطية نتيجة سلطة الدوافع الداخلية.  فالسقوط الذى كشف بشاعة الميول الداخلية، كشف أيضًا هشاشية الخيمة وجسم الإنسان، حتى من بداية السقوط شعر آدم وحواء بعرى الجسد الذى أخجلهما، واحتاجا لكساء الجسد.  وأصبح الإنسان فى طريق فعل الخطية ليس عنده مانع من إهانة هذا الجسد الذى هو عطيه كريمة من الله «لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ» (رو1: 24).  هذا بالإضافة إلى السكر، والزنا ... إلخ.  وكثير من الخطايا الجسيمة التى بها يهين الإنسان جسده.  لكن ماذا فعل الإيمان بإستخدام هذا الجسد، هل تغير الحال؟  وما هو تقدير الله لهذا الجسد رغم كل ما صنعه فيه الإنسان نتيجة الخطية؟  هذا يحتاج إلى لقاء آخر إن شاء الرب وعشنا.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com