عدد رقم 2 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
خلِّني قرب الصليب  

في كثير من المرات ونحن مجتمعون حول الرب نرنم ترنيمة: ”خلِّني قرب الصليب حيث سال المجرى“، هذه الترنيمة المُعبرة والتي تُرنم بكثير من لغات العالم، وبنفس اللحن، ومن محبة وكرم الرب أنه يأخذ بمجامع قلوبنا تجاه الصليب، ويُذكرنا بأحداث الصلب، كما لو كانت مشاهد حية أمام عيوننا في كل مرة جديدة.  وحينما نجد أنفسنا أمام الصليب، نتعلم أعمق الدروس:

5-    الاتضاع.   (2) احتمال الآلام.   (3) التكريس.   (4) القداسة.   (5) المحبة. 

أولاً: نتعلَّم اتضاع المسيح: «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا» (في2: 5):

لكي يُعالج بولس مشكلة خادمتين في كنيسة فيلبي، أفودية وسنتيخي، كان المُحرِّك وراءها هو الذات، فذكرَ لهما اتضاع السيِّد، كأنه أراد أن يقول: يا أفودية، أنا أعلم أنك تعتقدين – كعادة أي اثنين مختلفين - أن رأيكِ صحيحِ وأختكِ خاطيء، سأُخبركِ عن شخص لم يتنازل عن رأي صحيح لكي يربحنا، بل، مع كونه الله، أخلى نفسه وسار في درجات الاتضاع التي وصل فيها إلى الموت، أَلاَ يُخجلنا اتضاع المسيح؟!

قد نأتي لاجتماع الذكرى وفينا داءالكبرياء الدفين، نأتي بكم من الصراعات لا سبب لها سوى كبريائنا، حتى ونحن مع إخوتنا، يملأنا الشعور بالأفضلية أو الأهمية أو التميُّز، نعمل مقارنات بيننا وبين الآخرين سرًا، وكم نُعطي لأنفسنا درجات التفوق!  ومرات نشعر أن إخوتنا لا يعطوننا التقدير الذي نستحقه، وهذا أيضًا دليل على الكبرياء!

كم من المرات ونحن نقول: ”خلِّني قرب الصليب“، يكون لسان حالنا كما تقول الترنيمة القديمة: ”خلِّني قرب المناصب، خلِّني قرب المطامع“؟  فأمام كل ما فينا من كبرياء، يستعرض أمامنا الروح القدس الشخص العظيم الذي بإرادته سار في طريق الاتضاع، والاتضاع يُعني  عدم المشغولية بالنفس إطلاقًا كما ذكر أحدهم: ”الاتضاع هو أن لا تفكر في نفسك حسنًا أو رديئًا، لأن نفوسنا أردأ من أن نفكر فيها!“

ثانيًا: لنا درس في احتمال الآلام: من أسبوع لأسبوع نتأمل رجل الأوجاع ومُختبر الحزن، وكيف اجتاز أنواعًا مختلفة من الآلام، وكل نوع كان له فيه السبق من حيث الجرعة!

فعندما نأتي لاجتماع الذكرى، وكل منا له أتعاب وأوجاع تختلف عن الآخر، فقد نرثي لأنفسنا لسبب هذه الآلام، لكن تأملنا في آلام الرب التي فاقت كل حدود، يهون علينا آلامنا ويسلحنا بنية الاحتمال «فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِالْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهَذِهِ النِّيَّةِ» (1بط4: 1).

ومن المعلوم أن كل نوعية من الآلام سبقنا الرب في اجتيازها وبمراحل أكبر، فاختبر آلام الفراق عند موت لعازر، واختبر الفقر حتى للقوت والكسوة والسكن، فمرات باتَ في الجبل وعانى من سكان بلدة الناصرة، وعانى من الأهل، ومرات خُذِلَ ورُفِضَ، حتى الأمراض الجسدية عانى منها وهو مُعلق على الصليب، حيث شعربآلام مبرحة في القلب والعيون والأمعاء والعظام وكل أجزاء جسده.

ثالثًا: درسًا في التكريس: «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا.  إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا.  وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (2كو5: 14، 15).

لم يعطِ لنا المسيح ثروة بيته، إنما أعطانا نفسه، فهل كثير على مَنْ ضحَّى بالنفيس أن نضحِّي بالزهيد؟!  إنه كان لأجلنا هناك، فهل كثير عليه أن نكون لأجله هنا؟!  فتأمُلنا في تكريس الرب، وتخصيص ذاته لأجلنا يُخلق فينا بواعث التكريس له، بالمال والوقت وكل شيء.  ومن جانب آخر إن كان كثيرون يكرِّسون أنفسهم لقضايا مختلفة: الفن أو الرياضة ... إلخ.  هل  المسيح لا يستحق التكريس؟!  هل نحسبه إتلافًا أن يُضحِّي أحدنا لأجل الرب؟!  وما قيمة ما نضحي به إزاء ما قدمه هو؟!

رابعًا: درسًا في القداسة: الخطية كانت السبب في ذهاب المسيح للصليب، فتأملنا في جروح الرب يجعلنا نكره الخطية، لأنها كانت السبب في آلامه، لقد كان المُرنِّم مُحقًا عندما أنشد: ”جراح حبيبي غالية عليَّ ... خلتني أكره كل خطية“.

عندما وُضِعت خطايانا على شخصه وهو على الصليب «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ» (1بط2: 24)، لم يشفق الله عليه، بل أنزل عليه نار الدينونة، كأنه المُذنب، مع أنه القدوس الذي بلا خطية، وهذا يجعلنا نخاف الرب، ونُبغض الخطية، لئلا نقع تحت طائلة تأديبه إذا تهاوننا وتراخينا!!

خامسًا: درسًا في المحبة: تأملنا في أنقى محبة ظهرت تجاهنا، وأصدق محبة في الوجود، لأنها محبة فريدة من نوعها، مغايرة تمامًا عن محبة البشر لأنها بدون سبب، وبلا هدف، ومضحية بأغلى تضحية، تلك المحبة التي قال عنها الرب نفسه: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يو15: 13)، هذا بالتأكيد يُحرِّك قلوبنا نحوه بالتقدير والحب، فيتم فينا المكتوب: «نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً» (1يو4: 19).

ليت هذه الدروس لا تكون مجرد انفعالات مؤقتة فقط، بل تدوم في حياتنا وتكيف تصرفاتنا وردود أفعالنا، فنحيا لمجده وليكن شعار كلٌ منا: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ.  فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غل2: 20).


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com