عدد رقم 2 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المسيحُ المحتقرُ  

عندما أتى المسيحُ متجسدًا في صورةُ إنسان، كانَ يجب أن يُعامل بِكلِ الاحترام والتقديرِ مِن الناسِ.  أليسَ هو اللهُ الظاهرُ في الجسدِ؟!  ولكنْ ويا للعجبِ عاملَ الناسُ المسيحَ بكلِ الاحتقار، وتم ما قيلَ عنه بروحِ النبوةِ: «مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ» (إش53: 3).  ولقد ظهر إحتقار المسيح في عدة أمورٍ منها:

(1) مكانُ الميلادِ: عندما وُلدَ المسيحُ كإنسانٍ كانَ مِنْ المفترضِ أنْ يكونَ ميلادُه في أفضلِ مكانٍ ولا سيما أن له الأرضَ وملؤها (مز24: 1)، لكنْ يا للعجبِ فقد وُلد اُضجع في مزود!  غريبةٌ انتِ يا بيتَ لحمٍ!  ألمْ يوجدْ فيكِ شخصٌ واحدٌ يُرحبُ بولادة هذا الشخصِ العظيمِ في منزلهِ ؟ فيا للاحتقار!

(2) مكانُ الإقامةِ: أقامَ المسيحُ في الناصرةِ (مت2: 23؛ لو4: 16)، ومعروفٌ عنها أنها محتقرةٌ لدرجةِ أنَّ نثنائيلَ تساءل: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» (يو1: 43-46).  فياللاحتقار!

(3) الأسرةُ: نشأَ وتربىَ المسيحُ مع المُطوَّبِةَ مريم ويوسف النجار؛ أسرةٌ بسيطةٌ جدًا إجتماعياً، لدرجةِ أن الناسَ تساءلوا: «أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ» (مت13: 55).  فيا للاحتقار!

(4) خدمةُ المسيحِ: نعرفُ من الأناجيلِ كم مرضى شُفوا، وحزانى تَعزوا، وبرُضٌ طَهروا، وجوعى شَبعوا، ومجانينٌ تعقلوا، ورغم كل هذا قالوا له: «إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ» (يو8: 48)، وإنه «بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ» (لو11: 15)، وطلبوا إليه «أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ» (مر5: 17)، و«كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ» (يو5: 17)، وحاولوا مرارًا وتكرارًا قتلَه.  ويا لقسوةَ الكلماتِ التي قيلت عنْ المسيحِ بروحِ النبوةِ: «أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ.  عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ» (مز22: 6).  ويا للاحتقار!

(5) صلب وموت المسيحِ: خرجوا عليه كلصٍ، وبصقوا عليه، وضربوه ولكموه ولطموه، وثمّنوه بثمنٍ العبيد، وفضلوا عليه باراباس، واستهزئوا به وعروه وغطوا وجهَه وسجدوا له سجودَ الاستهزاء، وأشياءُ أخر كثيرةً كانوا يقولونها عليه مجدفينِ، وتكلَّم فيه الجالسونَ في البابِ، وكان موضوع أغاني شرابي المسكرِ، ولم يُعاملوه برقةٍ، ولم يعزوه، وقبضوا عليه، وأوثقوه وجلدوه، وطلبوا أنْ يُصلب، ِوساقوه كشاةٍ للذبحَ، وفى النهايةِ مضوا بهِ إلى الصليبِ.  ويا للاحتقار!  (مز69؛ إش49، 50، 53؛ مت26، 27؛ مر14، 15؛ لو22، 23؛ يو18، 19؛ 1بط2).

ولكن يا لروعةِ هذا الشخصِ العظيمِ الفريدِ في رد فعلهِ على احتقار الناس له حيثُ كان:

(1) يخضعُ للمشيئةِ الإلهيةِ بكلِّ ما فيها من آلامٍ واحتقار، ويقدمُ الحَمد والشكرَ دائمًا للآبِ مادامَ هكذا صارتِ المسرةُ أمامه (مت11: 25، 26).

(2) يُسلّمُ لمْن يقضى بعدلٍ، ولم يُهددْ ولم يردِ الإهانةَ والاحتقار، بل كانَ يتذللُ ويطلبُ المعونةِ من الآب (1بط 2: 23؛ مز40: 7).

(3) يفترضَ فيهم عدمَ المعرفةٌ، ويلتمس الأعذارَ لكلِّ منْ احتقروه وأهانوه، بلْ طلبَ لهم الغفرانَ (لو23: 34).

(4) يستمر في صنعِ الخيرِ، وشفاءِ جميعِ المتسلطِ عليهم إبليسُ (أع10: 38).

(5) يعرفُ أنَّ حقَه عند إلهِه (أش49: 4).

ولقد شجعه هذا على الصبر والاحتمال وانتظار المجازاةِ من عند إلهِه.  وما أعظَم ما فعله إلهُه معُه، حيثُ أرسلَ المَجوسَ ليسجدوا له في بداية حياتهِ الإنسانيةِ على الأرضِ (مت2)، وفى نهايتها أرسلَ إليه ملاكًا ليقويه (لو22: 23).  وبين هذا وذاك كانتَ المعوناتُ والمشجعاتُ الإلهيةُ كثيرةٌ جدًا، وكانتْ فِوقِ الكِل الرفعةُ الإلهيةُ (فى2: 9–11).

وماذا عنى وعنك - عزيزي القارئ - هل يوجد في حياتِنا ما يدعوا للاحتقار؟  فماذا نفعلُ؟  دعونا نخضعُ لما سمح به إلهُنا لنا، بل ونقدمُ له الشكرَ والحمدَ، ونسلمَ له كلَّ الأمورِ، ونطلبُ منه المعونةَ والصبرَ والاحتمال منتظرين المجازاةَ مِن الله الذي حقنا عنَده، وبهذا نكونُ قد تمثلنا بهذا السَيِّد العظيمِ الذى تركَ لنا مثالاً لكى نتبعَ خطواتِه (1بط 1: 21)، الذى له كلُّ المجدِ.

يوسف إسحق

 

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com