عدد رقم 1 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ماشي معك ... بتوقيتي!  


«أَنَا الرَّبُّ، فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ»

(إش60: 22)

جاءت أمٌّ مُحبّة، تُريد ككل الأمهات أن تضمن مستقبل أولادها، وقالت للمسيح: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هَذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ» (مت20: 21).  ربما كانت تحلم بالاستقرار المادّي والمركز الاجتماعي المضمون؟  إنها انسانة تتمنّى أن تتحوّل إلى أم الأمراء ولسان حالها: آه متى يتحول الحلم إلى حقيقة؟

لكن كنت أرجو أن أسألكما يا يعقوب ويوحنا ابني زبدي، يا تلميذي ورفيقي المعلم، من هو صاحب فكرة هذه المبادرة؟  لمَ اختبأتما وراء أمّكما؟

بكلماتها المذكورة، كانت أم رفيقيهم سبب عثرة وإزعاج للرسل العشرة الآخرين، الذين اغتاظوا من محاولتها لانتزاع مكانة خاصة لولديها، قبل الوقت وعلى حسابهم، لكن غيظهم واستياءهم الواضحين كان من الأخوين، وكأنهم عرفوا الدافع الحقيقي لأقوال أُمهما.      

قد تقول: لقد دعاهما المسيح ”ابْنَيِ الرَّعْدِ“ (مر3: 17)، فلربما أرعدا بكلمات متسرّعة، كما قالا مرة لسيّدهما عن السامريين: «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟» (لو9: 54).

لكن وللأسف، لم يكن العشرة أفضل منهم أو أرقى في تفكيرهم، ورأى الرب أن قلوبهم جميعًا كانت مشتاقة للسيادة والسلطة، فكانوا محتاجين لكلمة تخترق قلوبهم: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.  فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ.  بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مت20: 25-28).

منهم مَن لم يكن يستطيع الانتظار لملكوتٍ موعود لا يؤمن به أصلاً، فكان يسرق صندوق التبرعات طالما هو في عهدته، فالمال الموجود هو ”عصفور باليد“ أطبق عليه يهوذا الإسخريوطي الذي رأى نفسه وزيرًا للمالية قبل أن يأتي ذلك الملكوت.  كان لسان يهوذا يُنبّر على مساعدة الفقراء، لكن كل فكره كان في السرقة أكثر وأكثر ... وسريعًا صار السارق خائنًا، ثمّ نادمًا دون توبة، فقتل نفسه وذهب الى مكانه.

أيضًا كان هناك آخرون ممّن أرادوا الملكوت بتوقيتهم، وكان موقفهم مزعجًا، فعندما قال يسوع: «إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ» (مت16: 21)، ورغم أنهم «لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَكَانَ هَذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ» (لو18: 34)، لم يعجبهم ذلك، فمنهم من حزن أو ربما عاتب، أو كبطرس الذي أخذه إليه، وانفرد به، وابتدأ يَنْتَهِرُهُ قائلاً: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ!  لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا!» (مت16: 2 17: 23).  كأني بهم يقولون لسيّدهم: ”هذا لا يوافق حساباتنا، نحن نريد الملكوت الآن لنعوّض به سنوات الحرمان والفقر التي قضيناها نحلم بأن نتخلّص من الرومان ونكون نحن السادة بلا منازع ... لا تحرمنا من هذا!“

من الناحية الأخرى - ويا للسخرية -  كان لسان كل واحد منهم سبّاقًا في الكلام والوعود باتّباع الرب في أحلك الظروف، فيعقوب ويوحنا قالا دون تردّد إنهما يستطيعان أن يشربا الكأس التي سيشربها السَيِّد (مت20: 22)، وبطرس قال بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ.  وَهَكَذَا قَالَ أَيْضًا الْجَمِيعُ» (مر14: 31).  ألم تسمع مُعلّمك يا بطرس عندما قال: «مَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضاً قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت10: 33)، لكن الرب طلب لأجلك لكيلا يفنى إيمانك، وأعطاك الفرصة للرجوع الحقيقي إليه.

في الساعة الحاسمة هرب مَن هرب، وأنكر مَن أنكر... وخان مَن خان، لكن العجيب هو رب المجد الذي أحبّ كلّ هؤلاء وعرف أفكارهم، لكنه في كل مسيرته معهم لم يُهدّد ولم يستهزئ، ولا عيّر أحدًا منهم.  أذكر أن يسوع في آخر كلماته ليهوذا، وهو آتٍ ليسلمه إلى اليهود خاطبه بعبارة «يَا صَاحِبُ»، وأن الثلاثة المذكورين آنفًا بطرس يعقوب ويوحنا كانوا الثلاثية المقرّبة من المسيح في خدمته على الأرض.  كان طويل الروح محتملاً ضعفاتهم، وحتى غباوتهم، وكثيرًا ما كان يُجيبهم بتساؤل هدفه التبكيت والتوجيه البناء والتشجيع الذي لا يمكن أن نسمعه من آخر.

إنه ذات الشخص الذي يُحبّك ويُوجّهك بكل أناة لتصحّح أولوياتك، بل ويعطيك - في ابتعادك - الفرصة تلو الأخرى لترجع إليه.  إنه إله الفرص، لكن سر معه بتوقيته، وبلا شروط وتيقّن أنك دائمًا ستبقى إنسانًا ضعيفًا محتاجًا لمعونته التي لن يبخل بها عليك أبدًا.

التفت اليه، وامسك بيمينه القديرة، متّكلاً عليه واثقًا به، فهو لا يهملك ولا يتركك، عينه عليك ... أما إصرارك على تحقيق ما تريد كيفما تريد وقتما تريد، فلن يجلب لك إلاّ الهزال الروحي، والتشتت الفكري ممّا يؤثر سلبًا على حياتك بجملتها.

صدّقني أيها العزيز، انّ ترتيب الله وتوقيته هو الأفضل دائمًا فهو «صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ» (جا3: 11)، وكلامه دائمًا يتم في وقته (لو1: 20)، بل اسمعه يقول: «أَنَا الرَّبُّ، فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ» (إش60: 22).

       

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com