عدد رقم 1 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تأملات في رسالة تيموثاوس الثانية  

 مقدمة

  سنبدأ بمعونة الرب سلسلة جديدة من المقالات فيها سأقدم بعض التأملات في رسالة تيموثاوس الثانية بشكل متتابع، وأصلي أن تكون هذه التأملات سبب بركة لكل شاب مسيحي حقيقي يريد أن يكون إناءً للكرامة مقدسًا نافعًا للسيد مستعَدًّا لكل عملٍ صالح، حيث نكتشف معًا في هذه الرسالة الطريق الوحيد للأمناء في الأيام الأخيرة، والذي عليهم السير فيه، إذا أرادوا الوصول لهذا الهدف الأسمى.

 المُرسِل والمُرسَل إليه وزمن الرسالة

المُرسِل: هو الرسول بولس، ذلك الرسول الذي أخذ إرساليته من المسيح بعد صعوده وإرسال الروح القدس (أع9)، وهو لا يُحسب ضمن الاثني عشر رسولاً لكونهم أخذوا إرساليتهم من المسيح على الأرض، أي قبل صعوده واتخاذه مركز الرأس للكنيسة، لذا لم تتضمن خدمتهم الإعلان عن الحق المختص بالكنيسة، لأن المسيح أفرز الرسول بولس لهذا الأمر.

 المُرسَل إليه: هو تيموثاوس الابن الحبيب والصريح في الإيمان، وهو تلميذ في منطقة لسترة وإيقونية، تعرف على المسيح كالمخلص منذ نعومة أظفاره، حيث قد انغرست في قلبه الكلمة المقدسة (كتب العهد القديم)، وهو ينتمي لأب يوناني وأم وجدة يهوديتين، كان لهما الدور الأساسي في تنشئته في الإيمان، والكتب المقدسة كانت قادرة أن تُحكمه للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع.  وعمل الله كان واضحًا فيه، وكان مشهودًا له من الإخوة في المنطقة التي تربى فيها (أع16: 1 - 3 و 2تي1: 5).  ولقد رافق الرسول بولس في العديد من رحلاته، وخدم معه كولد مع أب، فكان الرسول يحمل نحوه مشاعر وعواطف أبوية جياشة.

 زمن الرسالة: كتب الرسول بولس هذه الرسالة من سجنه الثاني في روما، وهي آخر رسالة كتبها مسوقًا من الروح القدس، كما أنها الرسالة التي تحمل الإعلان عن قرب استشهاده (2تي4: 6).

 أهداف الرسالة

 

أولاً:

 بقراءة بسيطة للرسالة نتفهم أن الهدف من ورائها ليس تفويض تيموثاوس للقيام بمهام محددة، كما هو الحال في الرسالة الأولى.  فتيموثاوس وتيطس كانا مفوضين من الرسول لينوبا عنه، تيموثاوس في كنيسة أفسس، وتيطس في كنائس كريت، والرسالة الأولى لتيموثاوس والرسالة إلى تيطس تحملان التفويض لكل منهما.

   لقد كان تيموثاوس محبطًا نتيجة ارتداد كنائس آسيا عن تعليم بولس (2تي1: 15)، وعلى رأسها كنيسة أفسس التي مكث فيها فترة، وبدت خدمته فيها كأنها بلا نتيجة.  ويبدو أنه توقف عن الخدمة بسبب الإحباط (2تي2: 4)، فبعد أن كانت نظرة الكنيسة له على أنه نائب الرسول بولس، وكان له ذات سلطان بولس (1تي5: 22)، إلا أن الكنيسة تأثرت بتعاليم مضادة لتعليم بولس، فلم تُحفظ للرسول مكانته عندهم (2تي4: 16)، وبالتالي فليس من المُستغرب أن يفقد تيموثاوس مكانته.  أرجو ألا يُفهم من كلامي أن تيموثاوس كان يبحث عن مجد ذاتي لدى المؤمنين، لكنه بسبب أمانته للحق شعر بالإحباط حيث لم يعد لخدمته ولا لِما يقدمه من تعليم، قبولاً عندهم.  وسنكتشف أثناء تأملاتنا في الرسالة أن الرسول نفسه عندما تعرض لمثل هذه الآلام وجد كل تعزيته في آلام المسيح المرفوض والذي لم يأخذ بعدُ المُلك الذي له باعتباره ابن داود (2تي2: 8)، فنقل التعزية نفسها إلى تيموثاوس، وشجعه بأن يذكر يسوع المسيح المقام من الأموات، من نسل داود، لكنه لم ياخذ مُلكه بعد.  وليتنا نتعلم هذا الدرس وهو أن تكون كل تعزية نقدمها لمتألم أو تشجيع نقدمه لمُحبَط ليس نابعًا من القيم الإنسانية التي نسمع عنها في محاضرات التنمية البشرية، كالدعوة إلى التفكير الإيجابي وبث روح الثقة في النفس، فهذه جميعًا مصادر ما أفقرها! لكن النبع الوحيد المتجدد والمتدفق للتعزية هو كاهننا الأعظم الذي يستطيع أن يتعامل مع شتى أنواع ضعفنا البشري (عب4: 14 - 16).  وما أكثر المرات التي تمتع فيها هذا الرسول المغبوط بهذا النبع الدائم للتعزية والقوة، وفي كل مرة نجده يستخدم ما تعزى هو به ليعزي إخوته (2كو1: 4،3 و في4: 10- 20)، وفي رسالتنا هذه نجد الفكر نفسه واضحًا عندما قال: «فتقوَّ أنت يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع» (2تي2: 1).  إذًا تشجيع تيموثاوس كان أحد أهداف كتابة الرسالة.


ثانيًا:

  على أنه يجب إضافة سبب آخر لكتابة الرسالة نستشفه من قراءتها، فإننا نجد أن الرسول أفصح لتيموثاوس عن كل مشاعره حتى تجاه القديسين، ولعل القرب الشخصي بين بولس وتيموثاوس هو الذي جعل من المناسب أن يفصح بولس عن مشاعره هذه لتيموثاوس وليس لتيطس (2تي1: 4)، مع أن تيطس كان نائبًا عنه كما تيموثاوس تمامًا، لكن الشركة الكنسية، وهي تتسع لجميع من هم في دائرة الشركة، إلا أن هذا لا يعني أن كل ما يعتمل فيَّ يمكنني أن أفصح عنه للجميع.  غير أنه ينبغي ألا يتحول هذا إلى نوع من الشللية والتحزب في كنيسة الله.  على أننا عندما نتقدم في تأملاتنا في الرسالة سنلفت الانتباه إلى أن هذه النقطة بالتحديد تبين لنا كيف أن المسافة بين بولس وربنا يسوع المسيح ألفي ذراع بالقياس.  وهكذا يتضح لنا أن الروح القدس لم يلغِ شخصية بولس ولا مشاعره، فو إن كانت العبارات التي يسكب بولس فيها أحاسيسه في قلب تلميذه تيموثاوس لم تحمل إعلانًا إلهيًّا جديدًا، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن موحىً بها من الله، فالروح القدس قاد الرسول ليكتب مشاعره هذه، وأوحى له بالألفاظ التي تعبر عنها بكل دقة لتكون سبب بركة وبنيان وتعليم لنا، كما أنها تكشف عن شيء من القصور الإنساني للرسول بولس ليظل المسيح متقدمًا في كل شيء.

 ثالثًا:

  يُعد هذا الهدف هو السبب الرئيس لكتابة الرسالة، فالأسباب السابقة أرى أنها أسبابًا ثانوية حسبما أفهم من الرسالة، لكن الهدف الأساسي هو توضيح ما يجب على تيموثاوس بل وعلى كل أمين للرب أن يفعله إذا رأى أن الكنيسة قد انحرفت عن الحق، وبالطبع هذا الأمر سنتعرض له بأكثر تفصيل أثناء تأملاتنا، لكني أوجزه تحت عنوان بسيط، وهو التعليم المتعلق بالانفصال، لا عن العالم في شروره الأدبية، لكن عن الأواني التي للهوان، والتي تحتضن تعاليم فاسدة تملأ الساحة في البيت الكبير، ثم الارتباط بأولئك الذين يدعون الرب من قلب نقي، الذين يتميزون بالبر والإيمان والمحبة والسلام.

   أنتهي معك قارئي العزيز في هذا المقال عند هذه النقطة، وبمعونة الرب سنستكمل المقدمة في المقال القادم، حيث يتوجب علينا فهم تلك الرسالة في ضوء الرسالة الأولى لتيموثاوس، والرب معك.

                                                                    

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com