عدد رقم 1 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كراسة الصلاة  

              لم يكن لديّ وقتٌ طويل لأفكر فيما أقوله أو فيما قد يترتب على تصرفي من عواقب.  فقد رأيتُ السارق بعينيّ وهو يلتقط محفظة الرجل الغريب بخفة شديدة من جيبه الخلفي، ثم يستدير بسرعة ليدخل أحد المحال التجارية.  صرختُ بصوتٍ مرتفع وأنا أشير إلى السارق: "أمسكوه إنه حرامي".  التفت الرجلُ الغريب عن قريتنا إليَّ بينما هو يتحسس جيبه الخلفي، ثم جرى خلف السارق، وجرى أيضًا معه بعض رجال القرية إلى المحل التجاري الذي أَخذتُ أشير إليه بإصبعي مؤكدة وجوده داخله.  أمسك الرجال بالشاب السارق وانتزعوا منه المحفظة انتزاعًا وهم يركلونه بأرجلهم ويضربونه بأيديهم، فانفلت منهم وأخذ يجري، وإذ مرّ بي قال بصوتٍ خافتٍ مهددًا: "ستدفعين الثمن غاليًا.. سترين".

             ذلك الشاب كان يمتُّ إليَّ بصلة قرابة، وكان زميلاً لي بالمدرسة الإعدادية بالقرية، وقد يحزنك – عزيزي القارئ – أن تعرف أنه كان قد اختير ذات يوم باعتباره الطالب المثالي بالفصل، وذلك لاجتهاده والتزامه وتفوّقه وأدبه، ولكن ما أصدق قول الكتاب: «لا تضلوا فإن المعاشرات الرديَّة تفسد الأخلاق الجيدة» (1كو15: 33).  كم كان يؤلمني ذلك التدهور العلمي والأخلاقي لذلك الطالب المثالي الذي كنت أفتخر بكونه قريبي .

             بدأ هذا التدهور بصداقاته المتعددة لبعض الشباب المستهترين وغير الملتزمين بأية مبادئ أخلاقية.  ونحن – كبنات – لم يكن من السهل أن ننصحه أو نتحدث إليه كثيرًا، وإن كنا قد فعلنا ذلك مرة ومرتيْن، ولكننا أخبرنا والدينا الذين نقلوا تلك الأخبار المحزنة إلى والديْه، وهما بدورهما نصحاه كثيرًا وحاولا إقناعه بالانفصال عن أولئك الطلبة المستهترين، ولكن دون جدوى.  ذلك لأنه كان يتبنَّى أفكارًا فلسفية غير صائبة عن ضرورة مصادقة هؤلاء الشباب حتى يطمئنوا إليه، ثم يحاول هو من جهته أن يهديهم إلى الصواب، وأيضًا أن هؤلاء الشباب لا يجدون صديقًا يستمع إليهم ويتفهّمهم، وأن "قبول الآخر" هو من المبادئ الأساسية في المسيحية، كما أن الانفصال عن الأشرار لا يمكن أن يُصلحهم بل يزيدهم شرًا ... وهكذا.  وبالطبع هذه المبادئ عكس ما تُعلِّمه كلمة الله.  «طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس» (مز1: 1).

             فكانت النتيجة الحتميّة التي لا مفرَّ منها أن تنجَّست أفكاره، وتداعت مبادؤه رويدًا رويدًا، إلى أن ساقته معاشراته الرديَّة إلى الإدمان.. ويا للهول! لقد أصبح - باختصار شديد – شخصًا آخر.

   كان قد عزم على أذيّتي انتقامًا مني، وقد فعل ... كنا قد اتفقنا كعائلة أن نُصلِّي من أجله يوميًا وبلجاجة، فخصصتُ كراسة الواجب المنزلي لأدوِّن بها صلاتي، موضحةً تاريخ كل صلاة، وكنت أنهي صلاتي بعبارة متكررة "يارب ما هو تاريخ استجابة صلاتي؟"

             بعد مرور ستة أشهر أو أكثر قليلاً على حادثة السرقة استطاع قريبي أن ينتقم مني، واختار توقيتًا حساسًا جدًا لتلك المُهمَّة، فقد قام بسرقة بعض كراساتي من حقيبتي أثناء تواجدي بالفناء وقت الفسحة، وكان قد تبقَّى على امتحانات نهاية العام أقل من شهر واحد.  ضمن تلك الكراسات كانت كراسة الواجب المنزلي، أو كراسة الصلاة كما كنت أسمِّيها.

   وحتى لا أطيل عليك - عزيزي القارئ – بالتفاصيل الكثيرة، أخبرك فقط أن تلك الصلوات المكتوبة كانت هي العامل بالروح القدس على التبكيت الشديد الذي وقع تحته ذلك الشاب، حتى أنه – كما ذكر لي – ظلَّ يبكي ويصلي ثلاثة أيام متواصلة تائبًا ونادمًا، طالبًا من الرب بكل إخلاص أن يدخل حياته ويغيّره تمامًا.  والرب الذي قال: «مَن يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجًا» (يو6: 37)، قد قبله وغيّر حياته، حتى أنه ليس فقط استطاع أن يفارق أصدقاء السوء نهائيًا، بل أنه أيضًا عاد بجدارة إلى التزامه وتفوّقه.

             كم سعدتُ وامتلأتُ فرحًا عندما قرأتُ ما كتبه في كراستي، بعد آخر صلاة دوَّنتها قبل سرقتها،

   "لقد استجاب الله صلاتك اليوم بتاريخ..... أشعر أنني أسعد إنسان في العالم.. شكرًا للرب، وشكرًا لك"

          وأنا أيضًا أقول: "شكرًا .. شكرًا لك يارب لأنك شجعتني بهذه الاستجابة الرائعة والتي لم تخطر قط على بالي".

             ليتنا نثق أننا إن سألنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا، وحتى لو تأخرت الاستجابة بعض الوقت، علينا ألا نفشل، وأن نظل قارعين ومنتظرين ومتوقعين الاستجابة.

                                                                                                    

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com