عدد رقم 6 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لنأكل ونفرح (3)  


امتياز مفقود (خروج 24)

سبق وتكلمنا عن امتياز رائع قصد الرب أن يمتعنا به وهو أن نأكل أمامه (يثرون وشيوخ إسرائيل خر18: 12)، بل وأيضًا أن يأكل هو تبارك اسمه معنا (تلميذي عمواس لو24: 30)، وسنتقدم في تأملاتنا لنرى مشهدًا متميزًا: «موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل»، يرون ”إله إسرائيل“ في مجدٍ وجلال، ويأكلون ويشربون أمامه!! وفي هذا المشهد الرائع نتعجب من أمرين: الأول، رغم ما أظهره الله من طهارة وقداسة، لم يمد يده إلى أشراف إسرائيل! والثاني رغم روعة هذا الامتياز وعظمته؛ أن يرى أشراف إسرائيل الله ويأكلوا أمامه، إلا أن هذا المشهد لم يتكرر بعد ذلك؟! دعونا نقترب أكثر من هذا المشهد العجيب، لنتعرف قليلاً عن مغزى ومعنى ذلك:

يبدأ هذا الأصحاح بقول الرب لموسى: «اصْعَدْ إِلَى الرَّبِّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَاسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ. وَيَقْتَرِبُ مُوسَى وَحْدَهُ إِلَى الرَّبِّ وَهُمْ لاَ يَقْتَرِبُونَ. وَأَمَّا الشَّعْبُ فَلاَ يَصْعَدْ مَعَهُ».  وهذا هو الأمر المألوف لدينا، حيث نرى موسى رجل الله المُتميز (عد12: 7، 8)، يقترب وحده إلى الرب، ويكلم الرب وجهًا لوجه، كما يكلم الرجل صاحبه (خر33: 11).  وإن كان هذا الامتياز قاصرًا على رجل الله موسى لاعتبارات كثيرة لا مجال الآن لذكرها، إلا أن قصد الرب من شعبه كان أيضًا متميزًا، إذ قصد أن يكونوا له «مملكة كهنة، وأمة مقدسة» (خر19: 6). ”مملكة“، أي أن يكونوا ”حلقة وصل بين الله والناس“، أي أن يمارس الله مُلكه وسلطانه على الأرض من خلالهم، أن يكونوا ممثلين عن الله في الأرض، وأيضًا ”كهنة“، أي أن يكونوا ”حلقة وصل بين الناس والله“، أن يساعدوا الناس من خلال الذبيحة أن يقتربوا إلى الله، أن يكونوا ممثلين للناس أمام الله. وأخيرًا ”أمة مقدسة“ وهو الشرط الرئيسي في أن يكونوا ”مملكة كهنة“، فلا يمكن أن يُمثلوا الله على الأرض ”مملكة“، وأن يُمثلوا الناس أمام الله ”كهنة“، إن لم يكونوا مقدسين، وهذا ما أوضحه الرب لهم: «إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ ... وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَة».  ولذلك لا نتعجب أن نجد موسى يُرسل ”فتيان بني إسرائيل“، ليصعدوا محرقات ويذبحوا ذبائح سلامة للرب (خر24: 5).

 إلا أن الأمر تغير تمامًا ابتداءً من ذات الفصل الذي نجد في مستهله موسى وحده يقترب للرب، وفتيان بني إسرائيل يُقدمون ذبائح، وأشراف بني إسرائيل يرون الرب ويأكلون أمامه. إذ أن في عدم إدراكهم لضعفهم وفشلهم، وعدم إدراكهم لمطاليب قداسة الرب وبره، عندما نزل موسى من على الجبل وحدثهم بجميع أقوال الرب وجميع الأحكام، نجدهم بصوت واحد يقولون: «كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل» (خر24: 3)، وهنا نجدهم بكل تهور، بل أقول بكل غباء، يستبدلون تعامل الرب معهم بالنعمة إلى تعامله معهم بالناموس.  فمن لحظة خروجهم من أرض مصر وعبورهم البحر الأحمر نجد تعامل الرب معهم كان بالنعمة الخالصة، وكيف كان يواجه تذمراتهم وعدم إيمانهم بطول أناة، بدءًا من تذمرهم أمام البحر الأحمر عندما رأوا جنود فرعون ومركباته، ثم تذمرهم عند مارة عندما وجدوا الماء مرًّا، وتذمرهم عندما فرغ الطعام منهم، وفي كل هذه التذمرات لا نرى سوى النعمة ومزيدًا من النعمة من الرب، فشق البحر أمامهم، وحول المياه المُرة إلى عذبة، وأعطاهم المن طعامًا يوميًا طوال رحلتهم!! لكن ها هم هنا يعلنون استعدادهم أن يضعوا أنفسهم تحت التزام بأن يتمموا كل وصايا الرب وأقواله، الأمر الذي جعل موسى بعد أن قرأ كتاب العهد في مسامع الشعب، وأكَّد الشعب التزامه بأن يفعل كل ما تكلم به الرب، يأخذ الدم ويرشه على الشعب قائلاً: «هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الأَقْوَالِ» (خر24: 7، 8).

وإني أتجاسر قليلاً وأقول كم تأسف الرب على ذلك، وكم أدرك الخسارة الكبيرة التي لحقت بالشعب عندما وضعوا أنفسهم تحت الناموس، والذي بالطبع هم عاجزون تمامًا عن تنفيذه، ومن ثم أوقعوا أنفسهم تحت اللعنة (غل3: 10).  وهذا ما ثبت سريعًا بعد ذلك، فبعد أن صعد موسى ثانيًا ليعطيه الرب ”لوحي الحجارة والشريعة والوصية“ (خر24: 12)، كان الشعب قد كسر على الأقل ثلاث وصايا من العشرة (راجع خروج 20: 3-5). فما عاد الشعب بأسباطه الاثني عشر من هذه اللحظة ”مملكة كهنة وأمة مقدسة“، بل صار المُلك قاصرًا على سبط واحد وهو ”يهوذا“، وصار الكهنوت قاصرًا على سبطٍ آخر وهو ”لاوي“، وعندما تجاسر كلٌ من شاول الملك وعزيا أن يمارسوا الكهنوت بتقديم ذبائح، وإصعاد بخور، عُزل الأول عن المُلك، وضُرب الثاني بالبرص (راجع 1صم13: 8-14؛ 2أخ26: 16-21). نعم ما عدنا نرى من هذه اللحظة أشراف إسرائيل يرون الله ويأكلون أمامه، وما عدنا نرى فتيان بني إسرائيل يقدمون ذبائح!!

وكأن الرب قصد في حكمته، بعد أن تورَّط الشعب وأدخل نفسه تحت الناموس، أن يعطي لمحة مجيدة ورائعة لما كان يتمتع به الشعب من امتيازات مجيدة قبل ذلك، وها هو يفقدها، فنجد موسى يصعد ومعه ناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل ليروا الله في مشهد قداسته ومجده: «تحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة“.  إنه مشهد يُعبِّر عن عرش الله (حز1: 26؛ 10: 1؛ رؤ4: 3). حيث نرى الله في مجده وقداسته.  وبرغم ما للمشهد من عظمة، إلا أننا نقرأ: «ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل»!! لماذا؟ فموسى بعد ذلك بكل ما له من مكانة خاصة عند الرب طلب أن يرى مجد الرب، كان جواب الرب له: «الإنسان لا يراني ويعيش» (خر33: 18-20). لأننا في هذا المشهد الذي رأى فيه أشراف بني إسرائيل الله، كنا في آخر لحظات تعامل الرب مع شعبه بالنعمة، أما عندما طلب موسى أن يرى مجد الرب كان الشعب قد أدخل نفسه تحت الناموس! فالله الذي كان يمكن أن يراه أشراف إسرائيل، ويأكلون أمامه صار يسكن في الضباب (خر20: 21؛ 1مل8: 12)، ويتكلم من الضباب (تث5: 22).  نعم لقد فقد الشعب امتيازًا ساميًا أن يكون لهم تواصل مباشر مع الرب، وأن يتمتعوا بالشركة الرائعة معه.

                                                                       

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com