عدد رقم 6 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الكنيسة عروس المسيح  


   إن مقاصد النعمة الأزلية، ومشورات المحبة الإلهية من نحونا، قد اختارتنا لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة، وأن نكون أبناء للآب المحب الذي يُغدق علينا عواطف أبوته الغزيرة والحانية، ويعطينا مكانًا في بيته ونصيبًا في ميراثه، بل أن نكون مشابهين صورة ابنه، في ذات مجده، وأن نكون عروسه التي أحبها وأسلم نفسه لأجلها، وهو يعتني بها في رحلة تغربها، وقريبًا سيحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن، ولا شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب (أف5: 27).  لقد قصد الآب الذي يحب الابن، أن يكافئ ابنه الحبيب الذي أطاعه ومجده في حياته، ومجده فوق الصليب، وأن يسعد هذا الابن، ويُقدِّم له هدية تليق به، فأعطاه الكنيسة لتكون عروسه طول الأبدية.  إنها تستقبل حبه وتسعد به، وتشاركه أفكاره ومشاعره وكل غناه وأمجاده.  فيا لسمو المركز الذي أوصلتنا إليه النعمة!  إن الكنيسة بحسب أفكار الله هي اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن (مت13).  واللؤلؤة تتكون في أعماق البحار من حيوان بحري رخو، فعندما يدخل في هذا الكائن الحي الرقيق جسم غريب، يبدأ يعاني ويتألم، ويفرز مادة حوله، وكلما اشتد الألم ازداد إفراز هذه المادة، إلى أن يموت الكائن الحي وتتكون اللؤلؤة.  إذًا هي قصة الألم حتى الموت.  وهذا ما احتمله المسيح لأجلنا، حيث حمل خطايانا في جسده على الخشبة.  واللؤلؤة التي تكونت في أعماق البحر تحتاج إلى غواص ينزل لكي يخرجها، والمسيح هو ذلك الغواص الذي نزل إلى أعماق المياه والسيل غمره (مز69).  وبعد أن خرجت تحتاج إلى التاجر الذي يقدرها ويطلبها، والمسيح هو ذلك التاجر الذي دفع فيها أغلى ثمن، إذ مضى وباع كل شيء لكي يشتريها.  إنه ذلك العبد العبراني الحقيقي الذي قال: أحب سيدي وامرأتي وأولادي، لا أخرج حرًا.  فاقتاده سيده إلى الباب والقائمة وهناك ثُقبت أذنه بالمثقب ليصير عبدًا إلى الأبد (خر21).  لقد رضي بكل هذه الآلام وضحى بكل شيء لكي لا يفترق عن كنيسته (امرأته) التي أحبها.  وبينما هو يخطو بثبات نحو الباب ليواجه الألم، راضيًا أن يصير عبدًا للأبد، فإن امرأته تتطلع إليه بكل الحب والتقدير والامتنان، وتستطيع أن تقول مع المرنم: عني أنا .. نعم عني .. حبه لي سام عجيب .. أشدو له مرنمًا .. إذ قد فداني بالصليب. 

   وفي سفر التكوين نقرأ عن ثلاثة رموز لهذه العلاقة العرسية بين المسيح والكنيسة:

آدم وحواء، إسحاق ورفقة، ويوسف وأسنات.  ففي آدم نرى أول ظل لموت المسيح (تك2)، حتى قبل دخول الخطية (تك3).  فقد أوقع الرب الإله سباتًا على آدم فنام، وأخذ واحدة من أضلاعه، وملأ مكانها لحمًا، وبنى الضلع التي أخذها امرأة، وأحضرها إلى آدم.  فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي.  هذه تُدعى امرأة لأنها من امرءٍ أُخذت.  وفي إسحاق الذي وضع على المذبح وقام نرى صورة للمسيح الذي مات وقام، وفي ذات الأصحاح (تك22) نقرأ عن ولادة رفقة التي ستصبح هي عروس إسحاق.  فالكنيسة تكونت بعدما مات المسيح وقام وصعد وأرسل الروح القدس إلى الأرض.  والكنيسة لم ترتبط بالمسيح الذي مات، بل بالحري بالذي قام أيضًا، وهو الآن حي في المجد.  هل نتخيل عروسًا ارتبطت بشخص عظيم بلا حدود، أحبها بلا حدود، وضحى بحياته لأجلها لينقذها من خطر داهم، ماذا سيكون حالها؟ وكيف ستقضي بقية عمرها.  إنها ستعيش في ذكراه وتظل وفية له مدى حياتها، ولكنها لن تراه ولن تسعد به ولن تتمتع بحبه مرة أخرى ولا بالشركة الحلوة معه، ولن تجده معينًا لها تستند عليه.  لقد مات.  ولكن أحلى ما في قصتنا أن حبيبنا الذي مات لأجلنا، قد قام أيضًا لأجلنا ولن يسود عليه الموت بعد.  وفي يوسف وأسنات نرى الشخص المُمجد الذي تسلط على كل أرض مصر، يركب المركبة الملكية وأرض مصر كلها تركع له، وكانت أسنات بجواره تشاركه في كل أمجاده.  وهو رمز لسيادة المسيح ومجده وملكه على العالم العتيد، والكنيسة التي ستشاركه في كل أمجاده لكونها عروسه.  ولقد عبر المرنم عن هذا بالقول: ويأخذ المُلكَ الذي له على الجميع .. وستراه الأرضُ في كرسيه الرفيع .. وستراكِ معه في المجد والمُلكِ .. بعد انقضى الغربة والآلام والضنك .. لم الأسى بعد إذًا .. سري ولا تبكِ .. فها لك الرب وها الكل كذا لكِ.

   إننا الآن في فترة الخطبة كما قال الرسول: خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح (2كو11: 2).  وعلينا أن نحتفظ بنضارة عواطفنا ومحبتنا له، فلا تبرد بمؤثرات العالم الذي حولنا. وتظل أشواقنا إليه حارة ومُتقدة، وأكثر من المراقبين الصباح نعد ساعات الليل، وعيوننا نحو السماء.  ونقول مع المرنم: ها نحن بانتظار .. الليل والنهار .. نرجو قدومك يا كوكب الصباح.

   قريبًا سيتحقق الرجاء بمجيء عريسنا وحبيبنا الذي تاقت إليه قلوبنا، والذي سيحضر الكنيسة لنفسه، كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن،  بل تكون مقدسة وبلا عيب.  وهناك في بيت الآب سيُسمع القول: «لنفرح ونتهلل ومعطه المجد، لأن عرس الخروف قد جاء، وامرأته هيأت نفسها، وأعطيت أن تلبس بزًا نقيًا بهيًا، لأن البز هو تبررات القديسين» (رؤ19: 7، 8).

                                                                            

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com