(لو1: 26 – 28؛ لو2: 1 – 21)
إن
المشاهد الليلية في الكتاب المقدس شيقة جدًا، ولكن هذا المشهد يتفوق عليها جميعًا،
وذلك لأنه يتعلق بولادة ابن الله ومجيئه إلى العالم لمجد الله وبركة وفداء
الإنسان. لقد أتت اللحظة التاريخية التي
يقول عنها الرسول بولس: «ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من
امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني» (غل4: 4،
5). تأمل في هذا، ابن الله أُرسل ليأتي
ببنين. ولعلك تتساءل: ما المقصود بملء
الزمان؟ إنه الوقت الذي انتهى فيه اختبار
الإنسان. لقد اختُبر الإنسان تحت ظروف
متعددة. اختُبر في حالة البراءة فسقط وصار
مذنبًا، واختُبر بدون ناموس فكان بلا ناموس، واختُبر تحت الناموس فكسر
الناموس. عندئذ نفذ الله أسرار قلبه منذ
الأزل وأرسل ابنه إلى هذا المشهد، وأصبح ابن الله إنسانًا، حتى يبارك الإنسان الساقط
ويفديه ويحضره إلى الله. إن الإنسان بكل
علمه واختراعاته لم يجد الله. لقد ضل عن
الله في السقوط نتيجة الخطية ولم يجده بعد ذلك، حتى الناموس لم يسد احتياجاته، لأن
الناموس لم يكن إعلان الله عن ذاته، بل إعلانًا لحالة الإنسان. وربما يقال: ألم يعرف الإنسان الله في الخليقة؟
والإجابة هي: لقد عرفه إلى حد ما، ولذلك فهو بلا عذر (رو1: 20). ولكن ليس هو الله بكامل صفاته. «الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في
حضن الآب هو خبر» (يو1: 18).
في
(لو2) نرى كيف تحقق هذا. لقد وردت في
العهد القديم نبوة تقول: «وأنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف
يهوذا، فمنك يخرج الذي يكون متسلطًا على إسرائيل» (مي5: 2). هنا يعلن الوحي أن المسيح سيولد في بيت
لحم. وبيت لحم معناها بيت الخبز، وشكرًا
لله فمن تلك البلدة أتى الخبز الحي، خبز الله الذي نزل من السماء. ولكن كيف كان يمكن أن يتحقق هذا بينما العذراء
مريم، التي حُبل بالمسيح فيها بالروح القدس، تسكن مع يوسف خطيبها في الناصرة على
بعد عشرات الأميال من بيت لحم؟ كيف يتم
المكتوب؟ إن الناس ينسون أن الله موجود
وراء الستار ويتحكم في أحداث الأرض. لقد
استولت فكرة مفاجئة على امبراطور روما، في ذلك الحين، أوغسطس قيصر، في أن يعرف
حدود ملكه وعدد رعاياه. فأرسل لإجراء
إحصاء لكل المسكونة الخاضعة له. وعندما
صدر الأمر للاكتتاب ذهب كل واحد إلى مدينته.
وهنا نرى كيف تدخل الله لإتمام النبوة.
وهكذا صعد يوسف إلى مدينة داود التي تُدعى بيت لحم ليُكتتب مع مريم امرأته
المخطوبة وهي حُبلى (لو2: 4، 5). وهذا
الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية.
ومن هنا يظهر أن هذا الإحصاء لم يحدث وقت صدور الأمر من قيصر، ربما لأسباب
سياسية، ولم يتم إلا بعد مضي نحو عشر سنوات من ذلك التاريخ. على أي حال كان هذا الأمر الأول تمهيدًا لتحقيق
النبوة بأن المسيح سيولد في بيت لحم. وفي
الوقت المناسب تمامًا تحركت أجهزة العالم حينئذ، وأدت إلى أن تنتقل مريم أم يسوع
إلى هناك، وهكذا ولد الرب يسوع في بيت لحم.
«وبينما
هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر، وقمطته، وأضجعته في المذود إذ لم يكن
لهما موضع في المنزل». تأمل في ذلك الشخص
المبارك: ما هو في ذاته، ابن العلي، الملك، رئيس السلام، رب الحياة، ملك المجد،
ابن الله الأزلي. تأمل ما كان وكيف
صار؟ ومن أين أتى ولماذا أتى؟ ثم انتقل بفكرك إلى تلك المدينة الصغيرة بيت
لحم، وشاهد ذلك النجار المتواضع يوسف، مع مريم خطيبته، لا يُقبلان في المنزل أو
الفندق المُعد لاستقبال المسافرين، لأنه كان مملوءًا واضطرا أن يتخذا مكانًا لهما
في الحظيرة. وهكذا ولد يسوع ابن الله في
المذود. والآن لماذا لا يوجد موضع في قلبك
للرب يسوع كل هذه السنين؟ إن هذا معناه
أنه لا توجد لديك رغبة في قبول الرب يسوع.
وكما كان في ذلك اليوم لا يوجد له مكان في الفندق، هكذا الآن لا يوجد له
مكان في قلوب الناس، مع أنه يوجد لديهم مكان للخطية وللعالم.
وفي هذا
المشهد الليلي نقرأ عن الرعاة أنهم كانوا «يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك
الرب وقف بهم، ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفًا عظيمًا». الخوف هو غالبًا الأثر الذي يحدث عندما يبدأ
الله في التعامل مع الإنسان. إن مجد الله
الذي ارتحل من الأرض (حز10)، كان ينسحب ببطء، كما لو كان غير راغب في ذلك. وهنا في هذا المشهد نرى مجد الرب يأتي إلى
الأرض مرة أخرى بولادة المخلص، ويسرع الملائكة ليزفوا الأخبار السارة لأولئك
الرعاة في سكون ذلك الليل الذي أضاء بنور سماوي.
ويا له من مجد ظهر على سهول بيت لحم في تلك الليلة، لا غرابة إذًا إن كان
أولئك الرعاة قد ارتاعوا. إنه لأمر جميل
أن يرتاع الإنسان عندما يستيقظ ضميره ويدرك حالته التعسة كخاطئ. ومن العلامات التي تميز غير المؤمنين أن خوف
الله ليس قدام عيونهم. ولكن عندما تبدأ
النفس تشعر أن الله يتحدث معها يبدأ هذا الخوف المقدس. ولكن ماذا يقول الملاك للرعاة: «لا تخافوا فها
أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب».
ها هي الأخبار السارة تُعلَن لأول مرة على سهول بيت لحم، وإنه لأمر كفيل
بأن يُحضر الفرح العظيم. هذا ما حدث في
السامرة عندما بشرها فيلبس بالإنجيل (أع8). ثم يستمر الملاك قائلاً: «وهذه لكم العلامة،
تجدون طفلاً مقمطًا مضجعًا في مذود».
وماذا كانت النتيجة؟ نقرأ أنه ظهر
بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: «المجد لله في
الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة».
فإذا لم يصدق الناس الأخبار، فالملائكة قد صدقتها، وإذا كانت الأرض غير
مبالية، لكن السماء مهتمة، وينضم جمهور الجند السماوي إلى الملاك الذي أعلن
الحقيقة السارة، التي هي إتمامًا للقول: «عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد ..
تراءى لملائكة» (1تي3: 16). إن هؤلاء
الملائكة لم يسبق لهم أن رأوه من قبل، ونزلوا إلى الأرض بفرح عظيم. ولكن هل كانت الأرض مبالية؟ لقد تحركت السماء،
ولكن على الأرض لم يتأثر أحد سوى أولئك الرعاة الفقراء والقليلين في العدد. فقال بعضهم
لبعض: «لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب». لقد كانوا حقًا حكماء، وقد هزتهم البشارة التي
سمعوها. ربما بدافع الحرص على رعيتهم
فكروا أن ينتظروا إلى الصباح لئلا تأتي الذئاب وتفترس الغنم، ولكن الإيمان يقول
لنذهب الآن. ترى ماذا تفيدك الأغنام أيها
القارئ إذا فاتت عليك الفرصة لأن تجد الرب؟ ما فائدة العالم أو المتلكات إذا لم
تربح المسيح؟ ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟
لقد أتوا
إلى بيت لحم مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في مذود تمامًا كما أخبرهم
الرب بواسطة الملاك. فلما رأوه أخبروا
بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي. لقد
صدقوا البشارة وقبلوها، ثم ذهبوا وأخبروا الآخرين عنها. ثم رجعوا وهم يمجدون الله ويسبحونه على ما سمعوه
ورأوه كما قيل لهم.