عدد رقم 6 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مذكرات غريب في اجتماع إخوة  


 

هائمًا في الشوارع، شريدًا أتمشى، أسحب الخطوة تلو الأخرى.  أتلفت جواري باحثًا بعينين خاملتين عن شيءٍ يجذبني، حتى وقعت عينايَ على مبنى صغير عليه لافته غريبة "اجتماع كنيسة الإخوة".  جال بفكري خاطرٌ يدعوني للدخول، ترددتُ قليلاً، اقتربتُ حتى يتسنَّى لي رؤية أي شيء خلف البوابة، رأيت أطفالاً يلعبون.  إنه مشهد بعث الطمأنينة إلى قلبي.  اتَّخذت قراري ودلفت داخلاً.  وجدت قاعة صغيرة، بها صفين من المقاعد الخشبية، أحدهما للرجال والآخر للسيدات، تقدمتُ واتَّخذتُ مكانًا بجوار شاب بشوش الوجه.

بدأ هذا الاجتماع ببعض الأناشيد الجميلة، فعندي خلفية حول الديانة المسيحية، كانت الكلمات عميقة وأحيانًا غامضة، لكن الأداء لم يكن مُبهرًا والأصوات لم تكن متحدة.  بدأت أضجر من ضوضاء هؤلاء الأطفال الصاخبون في الخارج، أو الذين يتحركون وسط الأمهات ويتناولون أكياس الشيبسي داخل قاعة الاجتماع.  انتهت فتره الأناشيد (أو الترانيم كما يسمونها)، ثم وقف الرجال فوقفت معهم، ابتدأوا يقدمون الدعوات والصلوات واحدًا تلو الآخر، أحاول جاهدًا التركيز فيما يقولون لكن ضجيج الأطفال يغلبني، وكلما استطعت التركيز يفاجئني أحدهم قائلاً: "ليك الشكر يا رب"، وآخر يهمهم "أمممممم".  استسلمت ودرت بعينيَّ في المكان مذكرًا نفسي أنه في أي لحظة الآن سيهتف الجميع قائلين "آمين"! حتى لا أنتفض مثل المرة الأولى.  حسنًا، لحسن حظي لم يقل "آمين" هذه المرة سوى نصف العدد، لا بد أن هذه الصلوة لم تُرضِ الأغلبية.  معظم الرجال كانوا واقفين في انتباه باستثناء اثنين أو ثلاثة، وجميع السيدات جالسات، تفطَّنت أن هذه الصلوات قاصرة على الرجال فقط.  لاحظت أن معظم السيدات يضعن غطاء الرأس على رؤوسهن باستثناء عدد قليل، سألت من كان بجواري عن السبب فقال لي: إن هذا تعليم الكتاب وترتيب الكنيسة.  سألته: فلماذا لا تلتزم بقية السيدات بهذا الترتيب طالما هو تعليم الكتاب؟ فأشار بيده أن أصمت.    

 استمرت الصلوات حتى قال أحدهم: "نشكر الله" متقدمًا إلى الأمام، ملت على الشاب أسأله: "ماذا يقصد بـ"نشكر الله"؟  أجابني باندهاش "نصلي"!  سألته "إذًا ماذا كان يحدث طوال هذه الفترة الماضية"؟!  أشار بيده لي في اقتضاب أن أصبر فَصَمَتُ.  وفجأةً نظرت إذا جميع السيدات واقفات والرجلين الجالسين واقفين أيضًا، فملت على الشاب أسأله مرة أخرى: "هل تحترمون هذا الشخص إلى هذا الحد"؟  أجابني: "بالطبع لا! نحن نحترم الشكر على مائدة الرب".  تذكرت شيئًا فشعرت بغبائي فاستدركت حتى أُظهر له علمي قائلاً: "نعم نعم، تحترمون معجزة تحول الخمر إلى دم".  رد ساخطًا: "لا، الخبز والخمر لا يتحولان، هما فقط رمز للرب يسوع".  سألته مندهشًا "تحترمون الصلاة على الرمز ولا تحترمون الصلاة للسيد المسيح نفسه طوال فترة الاجتماع؟!"، همهم ببعض الكلمات غير المفهومة وظهر الضيق على وجهه،  فأدركت أني قد جاوزت حدودي فعاودت الصمت.

 استمرت المراسم من مرور قطعة خبز على الجميع باستثنائي أنا وبعض الرجال والسيدات، ثم مر كأس تناوله ذات الرجال والسيدات، تلاهما صندوق لجمع المال مرَّ على الجميع وعليَّ أنا أيضًا.  ترددت ثم مررته لمن يجلس بجواري.

 انتهت هذه الفقرة بفترة صمت طويلة يختلس فيها الجالسون النظر تجاه بعضهم البعض حتى سحب أحدهم كتابًا فتنهد الجميع واسترخوا في مقاعدهم، تقدم هذا الرجل إلى المنبر مقدمًا عظة جميلة، كانت مشوِّقة، فاستطعت التركيز في الكلام لأول مرة منتصرًا على ضجيج الشياطين الصغيرة خارج القاعة.  أنهى كلامه وجلس، وفجأة التفت بعض الرجال الجالسين تجاه السيدات، ثم وقفوا. فوقفتْ زوجاتهم معهم وأسرعوا بالخروج.  شعرت بالارتباك للحظة.  هل انتهت المراسم؟! هل أنصرف أنا أيضًا؟ هل الجزء القادم من المراسم يقتصر على بعض الأناس تحديدًا؟  انتشلني من أفكاري وقوف رجل يصلي فوقف الجميع ومعهم أنا.  أنهى صلاته وإذا بكل واحد يلتفت لمن هو بجواره يُسلم عليه وكأنه لم يكن جالسًا بجواره طوال الوقت!  وقفت وحدي أتلفت لعلي أرى وجهًا مألوفًا أتكلم معه فلم أنجح، حتى الشاب الذي جلست جواره انصرف تجاه أصدقائه، ووجدت الجميع يقفون في مجموعات مغلقة لا يمكن اختراقها.  شعرت بالإحراج ولم أجد من يرحب بي أو يسألني من أنت؟ ابتدأت في الانسحاب للخارج خطوة بخطوة.  تمنيت لو كنت قد انصرفت مع من هرولوا للخارج قبل نهاية الاجتماع.  ربما انصرفوا حتى يتجنبوا مثل هذا الموقف المحرج.  مررت بهؤلاء الأطفال مربتًا على رأس أحدهم رغم ما سببوه لي من إزعاج إذ وجدت فيهم ترحابًا لم أجده بمن في الداخل.

 

ملحوظة: الغرض من هذه السطور هو لفت الانتباه تجاه بعض العادات الحسنة، وبعض المواقف التي اعتدنا عليها - في اجتماعاتنا العزيزة على قلوبنا- لكنها ربما ليست أفضل شيء نعتاد عليه.

ابراهيم عاطف.

                                                                                    

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com