”شعاع النور“ ... كان هذا اسم رواية للكاتبة ”باتريشيا سان جون“ تحكي عن علاقة محبة وعطف وإشفاق، تنشأ بين مُرسَلة إنجليزية إلى
المغرب، وطفل متسول كان عمره 11 سنة، اسمه ”حميد“.
ليلة بعد ليلة، كانت المُرسَلة تُرحب
به مع أطفال مُتسولين آخرين في دار الإرسالية، للعشاء وقضاء وقت في مكان دافئ،
بجوار المدفأة. في يوم من الأيام، بعد
العشاء، سرق ”حميد“ بتهور بيضتين من مطبخ السَيِّدة الطيبة، مباشرة قبل خروجه معها،
في البرد في ليلة مُمطرة، لزيارة طفل آخر مُحتاج اسمه ”عبد القادر“. أخذت السَيِّدة مُصباحًا ليُنير لهما طريقهما
في الشارع المُظلم. إلا أنه، لدهشة المُرسَلة
لم يرغب ”حميد“ أبدًا في أن يمشي في النور.
وبدا وكأنه حريص جدًا على تجنب الشعاع المنير الذي يشع من المصباح، يجر
قدميه بجوار الحوائط. كان الظلام دامسًا
والأرض مُوّحِلة، وتعثر ”حميد“ مرة ومرات، قابضًا على بيضه الثمين في كلتيْ يديه
...
لم يكن مستمتعًا على الإطلاق. كان خائفًا جدًا من شعاع النور، وبدا البيض
بطريقة ما لا يستحق هذا العناء. تمنى لو
استطاع التخلص منه، إلا إنه في الوقت نفسه رغب في الاحتفاظ به.
وهكذا الحال دائمًا معنا، تمامًا
مثل ”حميد“ عندما تمزَّق بين رغبته في فعل الصواب، ورغبته في الاحتفاظ بخطيته، حتى
وإن كانت تجعله تعيسًا ونادمًا. كثيرًا ما
يبدو أننا نُحب خطايانا جدًا، لدرجة عدم الرغبة في التخلي عنها. لكن الحقيقة هي أن هذه الرغبات والأعمال
الجسدية التي نتمسك بها، ستمنعنا من التمتع بالحياة التي خُلقنا لأجلها؛ ستوصلنا
إلى العبودية والبؤس. وهذا ما حدث بالفعل
مع ”حميد“ الذي تقول الرواية إنه – نتيجة لتعمده السير في
الظلام، بعيدًا عن النور – تعثر أخيرًا، وسقط بائسًا، في الظلام، في الشارع الموحل،
وانجرح وأصابت الكدمات ركبتيه، وتكسر البيض الذي ظل متمسكًا به. حين أدارت المُرسَلة ضوء مصباحها إليه، كان
مُغطى بالوحل والدم وزلال وصفار البيض.
وانفجر باكيًا، مرتعبًا مما يمكن أن تفعل السَيدة الطيّبة معه، بعد أن
اكتشفت سرقته؛ هل ستتصل بالشرطة أو ستضربه أو ستضعه في السجن؟ كان يعلم أنه خسر الحق في لطفها، وعلى يقين أنه
لن يُسمَح له ثانية في التمتع بدفئ منزلها ونوره.
لكن، على العكس، ولدهشته، حملته السَيِّدة
في حضنها، وأعادته لمنزلها، حيث غسَّلته من رأسه لإصبع قدمه، وضمدت جراحه، وأبدلت
خرقه البالية بملابس جديدة نظيفة، وطمأنته بأنها غفرت له، وشرحت له احتياجه لغفران
الله، والسير في نوره.
نظر ”حميد“ لملابسه النظيفة
ولضماداته الناصعة، وفهم. لقد ذهب البيض
الذي بدا ثمينًا جدًا، لكنه لم يعد يريده.
لقد غُفر له واغتسل وأصبح نظيفًا.
وأُحضر ثانيةً لدفئ وحماية منزل المُرسَلة. إنهما يخرجان الآن مرة أخرى معًا للبحث عن بيت ”عبد
القادر“، لكن الأمر سيكون مختلفًا الآن.
سيدخل تحت معطف المُرسَلة الكبير الدافئ، وسيسير بقربها في حماية من المطر.
لن يتعثر ولن يخاف ثانية من النور، لأنه
لم يعد لديه شيء يُخفيه. سيسير بقيادة
شعاع النور الساطع المستقيم. يا لها من
متعة!
أيها الأحباء: إن «الْخَطِيَّةُ
خَاطِئَةً جِدًّا» (رو7: 13). وعلينا
أن نقول لها: ”لا“. وكما قال أحدهم: ”اقتل
الخطية وإلا قتلتك“. علينا أن نجعل حياة
القداسة هي هدفنا المستمر وطموحنا الواعي.
علينا أن نحرص عليها ونركز فيها، كما يفعل الرياضي الذي يسعى لربح ميدالية
ذهبية أولمبية: إنه يركز على هدفه، يتمرن ويتألم ليصل لغرضه، يضحي لأجله، ويضع
جانبًا الأهداف الأخرى لأجل الهدف الأسمى.
وعندما يتعلق الأمر بمسؤوليتنا في
أمر التقديس؛ يقول الكتاب: ”اطْرَحُوا“
و”الْبَسُوا“. كأولاد لله
يجاهدون للقداسة، يجب أن ”نطْرَح“ طريقة عيشنا القديمة الفاسدة والخاطئة وكل شيء
يمكنه أن يساعد على نموها. وعلينا أن ”نلْبَس“
بإرادتنا الحياة المقدسة التي لنا من خلال المسيح.
يظهر هذان الوجهان لعملة القداسة في
نفس المقطع في كولوسي 3: 5-15:
«فَأَمِيتُوا اعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى،
الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ ... فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ انْتُمْ
ايْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ
الْقَبِيحَ مِنْ افْوَاهِكُمْ. لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، اذْ
خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ اعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ ... فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ
الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ احْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا،
وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا ... وَعَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي
هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. وَلْيَمْلِكْ
فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي الَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ
وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ»
ونلاحظ استخدام تعبير آخر بدلاً من
”اطْرَحُوا“ وهو ”أَمِيتُوا“، ويأتي من
كلمة لاتينية معناها ”اقتلوا“ أو ”ضعوا للموت“. وهي بمعنى روحي تتعلق بكيفية تعاملنا مع
الخطية. تشير إلى أنه يوجد صراع مع الخطية،
وأن هناك تصرفًا حاسمًا وحازمًا مطلوبًا.
تتكلَّم عن وضع الفأس على أصل ميولنا ورغباتنا الخاطئة. وتتضمن عدم التعايش مع أي شيء في حياتنا يتعارض
مع قداسة الله.
لا يمكن للقداسة والخطية أن ينميان
معًا في حياتنا. أحدهما يجب أن يموت. إذا سمحنا لحشائش الخطية أن تنمو بدون رقابة في
قلوبنا وأذهاننا، ستختنق حياة المسيح القدوسة فينا.
تشمل الإماتة أكثر من مجرد التخلص
من الأشياء الخاطئة بطبيعتها. إنها توحي
أيضًا بالرغبة في التخلص من التأثيرات التي قد لا تكون خاطئة في ذاتها، لكنها قد تُشعِل
أفكارًا وتصرفات غير مقدسة بداخلنا، وهكذا تقودنا للخطية. إنها تعني قطع كل معنى ممكن للخطية.
منذ بضعة سنوات، اكتشفت أن التليفزيون
أصبح عشبة ضارة تخنق القداسة في حياتي.
كان يُسبب البلادة في حساسيتي الروحية، ويُقلّل من محبتي للرب وشوقي
إليه. وببطء وثبات، كان العالم يسرق
مشاعري، ويثير شهواتي، ويتسلل في ثنايا كياني.
وجدتُ نفسي أتسلى بسلوكيات وأحاديث وتوجهات وفلسفات يعتبرها العالم - والكثير
من المسيحيين – مقبولة! لكني أعرف أنها
غير مُقدَّسة.
وكلما تمسكتُ بعاداتي في مشاهدة
التليفزيون وبرَّرتها، كلما قل الحافز للتغيير. لكنني، في قلبي، علمت أن حياتي الروحية ستكون أفضل
بدون التليفزيون. لكن لشهور عديدة، بالرغم
من جهاد الروح القدس مع قلبي، قاومت القيام بأي شيء حيال الأمر.
وفي يوم، قلت أخيرًا: ”نعم يا رب“. أوافق على إماتة رغباتي – أوافق على أخذ رد فعل
حاسم تجاه ما يُنافس البر في حياتي.
بالنسبة لي، كان ذلك يعني الالتزام بعدم مشاهدة التليفزيون أبدًا وأنا
بمفردي. تقريبًا بعدها مباشرة، التهبت
محبتي لله، وتجددت رغبتي في القداسة، وبدأت روحي تنتعش من جديد.
كان ذلك قرارًا لم أندم عليه أبدًا. بعد ذلك، في مرات قليلة، حين قمت باستثناءات
لهذا الالتزام – مثلاً، لمشاهدة تغطية إخبارية لكارثة كبرى – اكتشفت أنه من السهل
جدًا الانزلاق إلى مساحات أكبر، والانحدار مرة أخرى للنمط القديم. هذا نشاط - بالنسبة لي- يحتاج أن يظل ”مُماتًا“
إذا كنت أرغب في مواصلة السعي نحو القداسة!
في الموعظة على الجبل، أثار الرب
يسوع حماس سامعيه لكيلا يرحموا أنفسهم في قطع كل طريق وإغواء يؤدي للخطية، قائلاً:
«فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ
... وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا
عَنْكَ» (مت5: 29، 30). ويصيغ الرسول بولس
الأمر بهذا الأسلوب: «بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ
تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ» (رو13: 14).
إنني لا أندهش كثيرًا حين أرى
الكثير من المعترفين المسيحيين يُصارعون مع الشهوات والخطايا الجنسية و”يسقطون“ في
علاقات لا أخلاقية، حين أعلم نوع التسالي التي يختارونها – الكتب والمجلات التي
يقرأونها، الموسيقى التي يستمعون إليها، والأفلام التي يشاهدونها.
المشكلة – في عالم اليوم - أن معظم
الناس لا يسعون للقداسة، لذلك لا يفكرون في الخطية. والسلوك الذي اُعتُبِر يومًا ما غير مقبول –
حتى من غير المؤمنين – أصبح الآن طبيعيًا – حتى من المؤمنين.
لكن أنت وأنا مختلفين – تذكر أننا
قديسون! لذلك يجب أن نكون جادين نحو إماتة
نشاط جسد الخطية الذي فينا، وكل شيء وأي شيء يغذي أجسادنا.
علينا أن نختار يوميًا وبإرادتنا أن
نرفض تحكم الخطية في حياتنا: «إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ
الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ
آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلَّهِ كَأَحْيَاءٍ
مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ لِلَّهِ. فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ،
لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ» (رو6: 12-14).
إذاً، كيف نعيش في ضوء الأخبار
السارة بأننا لم نعد عبيدًا للخطية؟
استخدم هذه الحرية في أن تقول نعم للبر، ولا للخطية.
حين تواجهك مواقف أو مناسبات لإشباع
رغبات جسدك، لا تقف وتفكر في الأمر. لا
تخدع نفسك بالظن بأنه في استطاعتك التعامل مع الأمر. بل قُم بما فعله يوسف حين حاولت امرأة فوطيفار
أن تغويه: «لَمْ يَسْمَعْ لَهَا»، بل تصرف بحزم وحسم؛ «هَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى
خَارِجٍ» (تك39: 1-12).
إذا جُذبت بالأفلام الإباحية أو أغويت
بعلاقات غير صحيحة على الانترنت، قُم بسن قوانين للكمبيوتر تجعل الاستمرار في
الخطية صعب عليك. ضع الكمبيوتر في غرفة
المعيشة بحيث يستطيع الجميع رؤية الشاشة؛ وضع بعض الضوابط لاستخدامك له حين تكون
بمفردك أو متأخرًا بالليل – إذا لزم الأمر، اقطع خدمة الإنترنت، أو خدمة الستالايت. افعل كل ما عليك فعله لإماتة الرغبات الخاطئة
والشهوات في جسدك.
السؤال هو: إلى أي حد أنت جاد في
الرغبة في أن تكون طاهرًا؟ إذا كان أمر
القداسة يهمك، سترغب في فعل كل ما يلزم لحفظ قلبك وحماية نفسك من أن تُخطـئ أمام
الله.
ماذا كان يعني الرب يسوع بقوله: «فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى
تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ
أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ
فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ
أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ» (مت5: 29، 30)، إذا لم
يكن يتحدث عن الرغبة في أخذ إجراءات صارمة لتفادي الوقوع في الخطية؟
إن الاستمرار في إمداد الخطية بالوقود
أو في الاحتفاظ بأي شيء يُعتبر وسيلتك للخطية هو مثل وضع سماد ومخصبات للحشائش
الضارة، ثم بعد ذلك المعاناة من الإحباط بسبب عدم إمكانيتك التخلص منها!
يجب أن نكون هادفين ومصممين في هذه المعركة
ضد الخطية، وأن تنزع نفسك من أي شيء يثير شهيتك للخطية، أو يوفر فرصة للخطية. أنا أتحدث عن طرح كل شيء يسبب بلادة حساسيتك
الروحية، أو محبتك للقداسة.
للوهلة الأولى، قد تبدو الإماتة
صعبة، مهمة بغيضة. في الأوقات التي نحب
فيها خطايانا جدًا لدرجة عدم الرغبة في التخلي عنها. لكن الحقيقة هي أن هذه الرغبات والأعمال
الجسدية التي نتمسك بها ستمنعنا من التمتع بالحياة التي خُلقنا لأجلها. ستوصلنا إلى العبودية والبؤس، حتى وإن حدث معنا
مثلما حدث مع الفتى المتسول في رواية ”باتريشيا سان جون“ الذي تعثر وسقط بائسًا في
الشارع المظلم الموحل، وظل متمسكًا بالبيض المسروق.
نحن لن يُمكننا اختبار الحرية
والغفران والملء الذي تتوق إليه قلوبنا إلا إذا أَمَتنا كل فروع جسدنا
الخاطئ. حينئذٍ نتطهر، ونختبر أفراح
ومباهج رحمة الله ونعمته، وسنجد أننا لم نعد نرغب في هذه الأشياء التي سعينا
باجتهاد نحوها يومًا ما، وشعرنا بأننا لا يمكننا العيش بدونها. والسير في النور معه سيكون أكبر مكافأة لنا.
مقتبسة بتصرف من كتاب
القداسة للكاتبة: نانسي دي لي موس