ترنيمة خالدة..ومواعيد ثابتة
«فَقَالَتْ
مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي،
لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ
الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ
قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ
الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ
وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ
فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ
آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ» (لو1:
45-55).
هذه التسبحة البديعة التي سجلها الروح القدس للمطوبة مريم في نحو عشرة آيات
فقط تحوي من الدروس والكنوز الكثير والكثير كعادة كل أجزاء كلمة الله التي تحوي
أفكارًا عظيمة في كلمات قليلة، خلافا لكتابات البشر التي عادة ما تكون كتابات
طويلة يمكن تلخيصها في صفحات قليلة. وهي
واحدة من أشهر الترانيم المسجلة في الوحي نظير تسبحة الملائكة (أي38: 7) وترنيمة
الفداء (خر15)، وترنيمة دبورة (قض5: 1) ونشيد حنة وصلاتها (1صم) حتى نصل إلى
الترنيمة الجديدة للمفديين في السماء عن قريب (رؤ5). والواقع أن نجد الإنسان الهش – والمرأة كالإناء
الأضعف – يرنم، فهذا معناه التمتع بخلاص قوي، أو بالحري بالقوي المخلص. وهذا ما عبرت عنه مريم هنا في ترنيمتها الخالدة
«تَبْتَهِجُ
رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي» (ع47) .ترى : هل شعر القارئ العزيز مثلها بحاجته إلى
المخلص ليخلصه من خطاياه؟ وهل جئت إليه بالتوبة وبالإيمان لتنال منه الغفران نظير
ملايين المفديين؟ ليتك لا تؤجل أخطر قرارات حياتك وتعجل ببداية أفراحك!
ترنيمة خالدة
إن ثمة ترانيم لا حصر لها تكتب وتلحن وترنم على مر العصور والأجيال. لكن كثيرًا من بينها لا يعيش طويلاً ويطويه
النسيان. أما الترانيم التي تكون عن
اختبار ومنشؤها هو الروح القدس فهي ترانيم خالدة ومعمرة جدًا ولاشك إذ
تصبح تعبيرًا حقيقيًا عن حال وقلب الكثيرين عبر الأجيال والأزمان، وعبر القارات
والجنسيات نظير ترنيمة مريم هنا.
ناهيك عن أن التسبحة الصحيحة هي التي يكون دافعها تعظيم الرب في
الأساس (ع46)، وتعبر عن مسكنة واتضاع صاحبها بحق (ع48). كما أنها تكون في روح المكتوب ومبنية على
فكر كلمة الله واختبارات القديسين الأقدمين (قابل ع51-53 مع صلاة حنة ونشيدها
في 1صم2: 6-8).
مواعيد ثابتة:
وهذه التسبحة الخالدة بنيت على أساس راسخ من مواعيد الله الثابتة.
إن مواعيد الله، بل بالحري إله المواعيد نفسه هو دائمًا منشئ الأفراح في
قلوب مفدييه من دور إلى دور.
فبعد تعظيمها للرب، وإعلان بهجتها ليس فقط بخلاص إلهها؛ بل بالله نفسه
كمخلصها (دعي اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم)، نجدها تحدثنا في إيجاز بليغ
عن مواعيد ثابتة في الله الحي غير المتغير كالتالي:
¶ «جَمِيعُ
الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي» (ع48) فالرب دومًا إلى هذا ينظر: المسكين، والمنسحق
الروح والمرتعد من كلامه (إش66: 2).
¶ «جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي» (ع48) بناء على أن المسيح كان هو
شهوة النساء (دا11: 37) أي كل فتاة عذراء كانت تشتهي أن تكون هي المختارة من الله
أمًا عذراء للمخلص الآتي إلى العالم كما رأينا في حلقة سابقة.
¶ «رَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ»
(ع50) اتساقًا مع ما لا يحصى من الأجزاء والآيات الكتابية التي تتحدث عن بركة الله
للتقي وخاصة في بيته (أنظر مثلاً مز 128).
¶ «أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ
الْمُتَّضِعِينَ» (ع52) معنويًا وأدبيًا.
¶ «أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ»
(53) ماديًا وجسديًا، وهو فكر كتابي معروف (أنظر نشيد حنة أم صموئيل في 1صم2:
1-10)
¶ «عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً» (ع54) استنادًا
على مراحم الرب التي بها نغنى (مز39: 1).
¶ «كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ»
(ع55) هنا الاستناد على مواعيد الرب للآباء؛ هذه المواعيد غير المشروطة.
حقًا ما أحوجنا
إلى حالة قلب متضع نظيرها متعلق بالله الى أقصى حد فتعبر عن حالته الرائعة مثل هذه التسبيحات الخالدة المستندة على الله
ومواعيده والتي تعظم الرب، عن حق نرنمها في برية غربة هذا العالم في سياحتنا
القصيرة صوب المجد وأفراح الخلود في محضر الحبيب عن قريب، فنكون بركة حقيقية لمن
حولنا في جيلنا وفي الأجيال التالية.