لكل شيء حقيقي هناك تقليد وتزييف، وفي هذا المقال نشير إلى مجموعة من الادعاءات
وللأسف تظهر في أقدس الأجواء، في الأمور الروحية، وكم نحن عُرضة لها!
1- ادعاء التكريس: حنانيا وسفيرة (أعمال5):
بقراءة القصة الواردة في مطلع أعمال 5 ربما يستغرب البعض لماذا أمات الرب
حنانيا وسفيرة؟ الجواب: لسبب كذبهما على الرب، وبمعنى آخر لسبب ريائهما، لأنهما
ادعيا أنهما أعطيا الكل للرب مع أنهما قد أعطيا الجزء! وربما كان هذا الادعاء تأثرًا
بعطاء برنابا في نهاية أصحاح 4، لكن عطاء برنابا كان الكل فعلاً. طبعًا لا غبار عليهما إن أعطيا النصف، لكن الخطأ
أنهما أعطيا النصف وادعيا أنهما أعطيا الكل. لقد أرادا أن يخدعا الناس وبهذا كذبا لا على
الناس بل على الروح القدس. ليتنا نظهر على
طبيعتنا أمام إخوتنا، فتكون صلواتنا تُعبر عن عمقنا الروحي وحجمنا الحقيقي. فكم من المرات نظهر لمن حولنا مستوى أكبر من واقعنا،
وذلك من خلال عبارات الصلاة أو من خلال عظاتنا. لكن كم هو مسر للرب أن نكون صادقين. "ها قد سررت بالحق في الباطن، ففي السريرة تعرفني حكمة" (مز 51: 6).
2- ادعاء المعرفة: عكس هذه الروح ظهر في الخصي الحبشي عندما سأله
فيلبس وهو يقرأ سفر إشعياء ص53: "ألعلك تفهم ما أنت تقرأ؟"، فأجاب: "كيف أفهم إن لم يرشدني أحد؟"
(أعمال8: 31). ومعروف أن الخصي الحبشي كان
وزيرًا، لكن لأنه كان متضعًا وراغبًا في المعرفة، أرسل له الله فيلبس من وسط نهضة
عظيمة في السامرة، ليتكلم إليه. فالسماء لا
تقف صامتة أمام أشواق أحد، وماذا عنا؟ لماذا ندعى المعرفة، مع أن كلمة الرب نسبح فيها
كأطفال على شاطئ؟! قال عنها صاحب المزمور: "لكل كمال رأيت حدًا أما
وصيتك فواسعة جدًا "(مز119: 96). لكن هناك من يدعى أنه العالِم ببواطن الأمور،
ويقرأ الكلمة لأجل المعلومات لا لأجل سماع صوت الرب، ليتنا نتحذر من الشعور بأننا
نمتلك المعرفة وأننا أفضل من غيرنا، فمهما عرفنا سنظل أطفالاً ونعلم بعض العلم،
وفي أشياء كثيرة نعثر جميعنا. كم من
المرات نُظهر ادعاء المعرفة من خلال عدم رغبتنا في التعلم من الآخرين ونشعر أننا
معلمون، ليتنا نتمثل بالسيد الرب نفسه، المعلم الصالح، الذي قال عن نفسه: "أعطاني
السيد الرب لسان المتعلمين (التلاميذ وليس المعلمين) لأعرف أن أُغيث المعيّ بكلمة"
(إشعياء50: 4)!
3- ادعاء الاكتفاء والاستغناء: يقول الروح لملاك كنيسة لاودكية: "لأنك
تقول إني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي
والبئس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ3: 17)، وهذه هي الحقيقة كما يراها الرب. إنها حالة محزنة فيها يقف الرب خارجًا
على الباب ويقرع، ولا يجد مكانًا له أو راحة في بيته، ومع ذلك فهي تشعر بالاكتفاء
والاستغناء عنه، وبالرضى عن النفس، وهذا طابع الأيام الأخيرة. وكلما شعرنا بضعفنا ومسكنتنا واحتياجنا إلى
الرب، كلما تعلقنا به في الصلاة بكل اتضاع وتوبة.
4- ادعاء الأفضلية في الخدمة: مرثا: من خلال العبارات التي قالتها للرب كانت ترسل إشارات أنها أفضل من
مريم "أما تبالي أن أختى قد تركتني أخدم وحدي؟ قل لها أن تعينني" (لوقا10 : 40)، لكن في رد
الرب عليها، أوضح أنه كان الأجدر بها بدلاً من أن تدين أختها تجلس بجوارها، لأن
أختها اختارت النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها. إن كان لا يوجد شخص يقول أنا أفضل،
لكن ما أكثر الانتقادات التي نوجهها للآخرين والتي من خلالها نريد أن نوصل للسامع
أننا أفضل، كم من المرات لا نرى سوى خدمتنا ونبالغ في تقدير ما نقوم به، في الوقت
الذي لا نرى فيه خدمات الآخرين وتضحياتهم!! لهذا قال الرسول للمؤمنين في فيلبي:
"لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل ما هو لآخرين أيضًا" (في2: 4).
5- ادعاء القوة الروحية: هذا ما نراه في شمشون. "فكشف
لها كل قلبه وقال لها: لم يعل موسى رأسي لأني نذير الله من بطن أمي، فإن حُلقتُ،
تفارقني قوتي وأضعف وأصير كأحد الناس ... وأنامته على ركبتيها ودعت رجلاً وحلقت
سبع خصل رأسه وابتدات بإذلاله وفارقته قوته وقالت: الفلسطينيون عليك يا شمشون،
فانتبه من نومه وقال: أخرج حسب كل مرة وأنتفض ولم يعلم أن الرب قد فارقه" (قضاة 16: 17، 19، 20). ما أصعب الكلمات فارقته قوته! ولم يعلم أن الرب فارقه! "انتفض ولم يعلم
أن الرب فارقه". وهذا هو حال
الكثيرين! يكون الشخص فاشلاً روحيًا ويدعي
القوة، يكون في واقعه العملي في منتهى الضعف والتعثر والسقوط، وبمجرد أن يدخل الاجتماع
كما لو كان شخصًا آخر فيدعي الروحانية ويتصنع القوة! ليتنا نظهر على طبيعتنا حتى إن كنا في ضعف روحي،
لا غبار أن نظهر بواقعنا والرب يقبلنا.
6- ادعاء الغيرة والحماسة الروحية: وهذا ما ظهر في ياهو حيث ذُكر عنه: "ثم
انطلق من هناك فصادف يهوناداب بن ركاب يلاقيه فباركه وقال له: هل قلبك مستقيم نظير
قلبي مع قلبك؟ فقال يهوناداب نعم ونعم هات يدك فأعطاه يده فأصعده إليه إلى المركبة،
وقال هلم معي وانظر غيرتي للرب وأركبه معه في مركبته" (2مل10: 1- 16). مع أن الذي عمله
ياهو كان بحسب فكر الرب يوم أباد بيت آخاب، لكنه فعل هذا بحماسة ذاتية جسدية ولأغراض
غير مقدسة.
وماذا عنا؟ فكم من المرات نوحي لمن
حولنا بأننا أكثر غيرة من الباقين ونتكلم عن تكاسلهم أو انشغالهم عن عمل الرب، في
الوقت الذي ربما يكونون فيه أمام الرب أفضل منا لسبب نقاوة دوافعهم حتى وإن بدا
عملهم أصغر!
7- ادعاء حب العطاء للفقراء:
ادعى يهوذا الإسخريوطي أنه يبالي بالفقراء، يوم أن هاجم مريم التي سكبت الطيب
على جسد الرب، وراح يقول: "لماذا لم يُبع هذا الطيب بثلاث مئة دينار ويعطى
للفقراء؟" ( يو12: 5)، وأنا لا أقصد أبدًا أن أقول إن بين المؤمنين سارقين
كيهوذا، بل ما أريد أن أظهره في هذا الجانب هو أننا أحيانًا نتحدث عن العطاء
والسخاء في عمل الرب، ونحن بعيدون كل البعد عن هذا! ننادي بل ونعظ وربما نكتب عن العطاء ومشاركة
القديسين في احتياجاتهم ونحن لا نظهر ذلك بصورة عملية! أين نحن من كلام الرسول وهو يقدم الإنجيل ليس نظريًا بل عمليًا "غير أن نذكر الفقراء،
وهذا عينه كنت اعتنيت أن أفعله" ( غل2: 10)؟
ليتنا نكف عن كل ادعاءاتنا الجوفاء الكاذبة، فيغير الرب من واقعنا هذا،
ونحيا طاهرين في كل شيء، نعيش ما نقوله ونقول ما نعيشه بتلقائية على أرض الواقع.