عدد رقم 4 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
فحشاء المثليين وكرامة الزواج  


   لقد طالعنا في الأيام القليلة الماضية، ما تناقلته وسائل الإعلام على مختلف أنواعها، المقروءة والمسموعة والمرئية، حكم محكمة أمريكية بخصوص تقنين رغبة المثليين في ممارسة الفحشاء، قانونيًا ورسميًا.  والفحشاء تعني القبيح الشنيع من قول أو فعل، ولقد أطلقت المحكمة وكذلك وسائل الإعلام على هذا لفظ «زواج المثليين».  وفي هذا المقال أنا لست بصدد تقنين هذا الحكم أو المحكمة التي أصدرته أو الدولة التي أقرته، إنما بهدوء وبعيدًا عن مشاعر الغضب والاستياء ومن باب الإشفاق على هؤلاء، أردت إلقاء الضوء على هذا النوع من الفحشاء كما يُقَيِّمه الله في الكتاب المقدس.  إنها صرخة لمن يعي كي يفلت من قبضة إبليس فإن «إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ» (2كو4: 4)، «عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ» (2تي2: 26)، مع إلقاء الضوء على الزواج كما رسمه الله.

زواج المثليين

   قولٌ باطلٌ أُريد به باطل، فلا يوجد مطلقًا ما يسمى «زواج المثليين» لا في عالم النبات أو في عالم الحيوان أو في عالم الإنسان، أو في قواميس اللغة! فكلمة زواج لا تُطلق أبدًا على ذكرٍ بذكر أو أنثى بأنثى إنها تسمية شيطانية لتقنين هذا النوع من الشرور، والتي يطلقها عليها الكتاب المقدس «الفاحشة»، وتعني الشنيع الكريه الذي اشتد قبحه من قول أو فعل.

الزواج مشروع إلهي

   يخبرنا الكتاب المقدس، كلام الله، أن الزواج  مشروع إلهي، أبدعه ووضع شريعته الرب الإله في الجنة، لخير الإنسان قبل دخول الخطية، حيث قام تبارك اسمه بعقد أول قران بين رجل وامرأة: "آدم وحواء"، لأنه قال «... لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ ... وهكذا صنع حواء ... وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ».  ويسجل الكتاب «لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (تك2: 18-24).  وعندما تنازل تعالى وأتى إلى أرضنا «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ» (1تي3: 16)، نراه مع تلاميذه يشرف ويبارك عرس قانا الجليل (يو2)، ثم نسمعه يؤكد ما ذكره في الجنة مُضيفًا إليه «مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ» (مت19: 5،4 ، مر10: 8،7)، ويؤكد الرسول بولس هذا مُضيفًا أن الزواج صورة رمزية لارتباط المسيح والكنيسة «... هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ» (أو بحسب التفسير التطبيقي "أشير به إلى المسيح والكنيسة") (أف5: 32،31)، فهل بعد هذا إكرام؟!  لذلك يقول الكتاب: «لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ!» (عب13: 4).

فحشاء المثليين

   إن إبليس عدو البشرية وعدو الله، عدو كل بر، لا يزال يفسد طرق الله المستقيمة ويحاول أن يضع بصمته الشريرة ليفسد ما رسمه الله.  لقد بدأ في الجنة بالتشكيك في أقوال الله «أحقا قال الله ...»؟ (تك3: 1)، وهو مستمر في بث سمومه وأكاذيبه التي يصدقها الجاهل الذي «قال .. في قلبه ليس إله» (مز14: 1)، وهكذا يقود الإنسان إلى فعل ما لا تفعله الحيوانات التي تتصرف بالفطرة التي فطرها الله عليها، ولكن «إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ» (مز49: 20). 

   والشيطان ليس لديه إلا كل ما هو مضاد للمشيئة الإلهية، ليقتنص الإنسان لإرادته، فإنْ كان الله قد وضع مبدأ الزواج (رجل واحد وامرأة واحدة) في (تكوين 2) ، فإنَّ لامك أدخل مبدأ تعدد الزوجات في (تكوين4)، ويأخذ تيار الشر في الانتشار إلى أن يأتي الطوفان لسبب كثرة شر الإنسان وتصور أفكار قلبه الشرير كل يوم، فهلك العالم القديم إلا نوح وعائلته (القصة كاملة في تكوين7،6)، الذين خرجوا من الفلك بعد ذلك، لتعمير الأرض من جديد، ولكن هيهات للشر أن ينحسر ما دام إبليس موجودًا، وما دام الإنسان يسير في رحابه ولا يصدق الله، فنرى برج بابل في (تكوين 11) حيث التحدي والتمرد على الله وبداية الوثنية، إلى أن يصل الشر إلى ذروته في (تكوين 19)، لا سيما بين سكان سدوم حيث سكن لوط، والمدن المحيطة، فكثر الشر وانتشر وأصبح فعل الفحشاء أمرًا شائعًا في تحدٍ واضحٍ لكل ترتيب إلهي، ومنتشرًا للدرجة التي بها عندما زار الملاكان لوطًا في صورة رجلين، اجتمعت المدينة كلها من الحدث إلى الشيخ قائلين للوط: «أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا» "أي لنضطجع معهما"، فيا للانحطاط ويا للشر!! فاستجلبوا غضب الله «فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتَ الأَرْضِ» (تك19: 25،24،5) (القصة كاملة في تكوين 19)، وذلك ليكونوا عبرًة للآخرين (رسالة يهوذا7)، «لأَنَّهُ بِسَبَبِ هذِهِ الأُمُورِ يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ» (أف5: 6).  وهكذا عبَّر الله عن غضبه تجاه هذا الأمر وأكد على النهي عنه تمامًا، «وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ».  (لا18: 22)، «وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأَةٍ، فَقَدْ فَعَلاَ كِلاَهُمَا رِجْسًا.  إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا» (لا20: 13).  وحذر منه «لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ ... وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، ... يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ (1كو6: 10،9).

·        لماذا انحط الإنسان إلى فعل ما لا تفعله الحيوانات؟

إنه البعد عن الله، فبينما يذكر الحكيم «مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ»، وأيضا «بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ» (أم1: 7، 9: 1)، فقد قال الجاهل في قلبه ليس إله، ويوضح الوحيّْ في (رومية1) أن الله عندما أعلن ذاته لهؤلاء أنكروا معرفته واعتبروا أنفسهم أنهم هم مركز الكون بدلاً، منه واخترعوا لهم آلهة تتفق مع خططهم وأحكامهم وأفهامهم الفاسدة، فأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى، وعبدوا الأوثان (الإنسان ثم الطيور والدواب والزحافات)، الأمر الذي يرتبط بالزنا والعهارة والممارسات القبيحة دون ضابط أو رابط، وبعد أن أعطاهم الله الفرصة بعد الفرصة رفضوا أن يخضعوا لمعرفته، ويُسَجل عنهم أنهم «يَحْمِلُونَ الدُّفَّ وَالْعُودَ، وَيُطْرِبُونَ بِصَوْتِ الْمِزْمَارِ...  فَيَقُولُونَ ِللهِ: ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ. مَنْ هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ؟ وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ الْتَمَسْنَاهُ؟» (أيوب21: 12-15)، لذلك تركهم الله فانغمسوا في خطايا نجسة، وأصبحت الحياة لهم طقوس عربدة وممارسات جنسية، فاعلين الفحشاء، وخلع عنهم الكتاب المقدس وصف الرجال والنساء، فيذكر عنهم "ذكورًا بذكور وإناثًا بإناث"، فمارست الإناث معًا الأفعال الجنسية الغير طبيعية (سحاقيات)، وكذلك الذكور تركوا العلاقة الزوجية المرسومة من الله واشتعلوا بشهوتهم نحو ذكور آخرين (لواطيون) (رومية1)، ويدفعون الثمن بالمرض والشعور بالذنب والتشوه النفسي والنهاية هلاك أبدي.

·        الفحشاء المثلية خطية خطيرة فلماذا لا يهلك الله مرتكبها فورًا؟

رغم أن المثلية خطية خطيرة بدليل حرق سدوم وعمورة، وفاعلها يستحق الموت (لاويين20: 13، رومية1: 32)، فلماذا لا يفعل الله مثلما فعل بسدوم وعمورة مع الدول التي أقرت فحشاء المثليين رسميًا وأطلقت عليها لفظ "زواج"؟

وللإجابة على هذا نقول: لقد انتظرت أناة الله في القديم طويلاً قبل أن يوقع الدينونة، فالدينونة هي عمله الغريب، فالله يتمهل لأنه لا يسر بموت الشرير بل برجوعه عن طرقه (الآثمة) فيحيا (حزقيال 18: 23)، وهو «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (تيموثاوس الأولى2: 4). إنه ينتظر لكي «يَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ» (إشعياء55: 7).

فالمثليين ليسوا مقيدين نهائيًا وأبدًا بهذا الأسلوب الحياتي المنحط بل أمامهم الفرصة للتوبة وفي هذا يكتب الرسول بولس «لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ ... وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، ... يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ.  لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا» (كورنثوس الأولى6: 9-10).

ولكن ليحذر الجميع «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ ....» (رسالة رومية 2: 4-6).  «فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ» (أعمال الرسل17: 31،30).

أيها القارئ العزيز: هل تقبل هذا العرض المقدم لك من الله للتوبة كيفما كانت خطاياك؟

    

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com