عدد رقم 3 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الباقي من التقدمة  

القدوس والمقدسات


   "وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنَ التَّقْدِمَةِ تَذْكَارَهَا وَيُوقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. وَالْبَاقِي مِنَ التَّقْدِمَةِ هُوَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، قُدْسُ أَقْدَاسٍ مِنْ وَقَائِدِ الرَّبِّ" (لا2: 9، 10)

   إن الآية المقتبسة هنا هي من تقدمة الدقيق الوارد ذكرها في سفر اللاويين الأصحاح الثاني، وقد حدد الرب بشريعة غاية في الحكمة كيفية التعامل مع هذه التقدمة، نظرًا لأنها صورة من الصور الجميلة لناسوت ربنا يسوع المسيح ومجده الأدبي الرفيع، ذلك الإنسان الكامل والفريد، والذي لا يجب أبدًا أن نتهاون في حقه ومجده تحت أي ظرف، لذا ونحن بصدد التأمل فيها، وما تحمله لنا من معان سامية، نرفع عيون إيماننا فلا نرى إلا يسوع وحده.  وهذه هي مسرة مشيئة الآب من جهتنا.

   ونحن نتأمل في "الباقي" من تقدمة الدقيق، بعد أن يقرب الكاهن تذكارها على المذبح وقود رائحة سرور للرب، سنوجز الكلام في نقاط محددة راجين من الرب أن نستوعب درسًا في قصد الله أن يعلمه لنا بواسطة كلمته المقدسة.

الباقي ومن هو 

   يقول الكتاب: "الباقي منها"، من هذا القول نتعلم أن الله لا بد أن يأخذ نصيبه أولاً، وهذا حق، فلو لم يشبع الله لا شبع لنا، بل إن شبعه هو شبعنا، وليت الرب يرسخ هذا في أعماقنا، ولا سيما ونحن ذاهبون لمحضره للاجتماع حول سيدنا وحول اسمه وحده، ليتنا لا ننشغل بأنفسنا ونكف عن التطلع للبشر ومن هم، وماذا سنسمع من عظات وتعاليم تبهرنا وتثير مشاعرنا، أو حتى تحث ضمائرنا.  ليتنا نذهب إليه هو، ونأخذ نصيبه في ملء القبضة، ونقدم له سجودنا أولاً، حتى لا يبقى مجال لشخص آخر نتهافت لسماعه مهما كانت موهبته ننشغل به.  على أية حال "فالباقي" هو من ذات صنف ما سبق وقُدم لله كنصيب، ويحمل كامل الصفات، وهو امتياز رائع لنا أن نشارك الله في موضوع شبعه ومسرته.  لذا فعلينا أن نتعامل معه بمنتهى الحرص والإجلال، وننظر إليه كما ينظر إليه الله، فالآب لا يرغب سوى في كرامة الابن ومجده، ولا يرضى لنا بموضوع آخر للشركة معه سوى كمالات وصفات الابن الحبيب، موضوع اللذة والمسرة.   

الباقي ومن يأكله

   يقول الكتاب عن هذا: الباقي "لهرون وبنيه" إنه نصيب العائلة الكهنوتية، فلا يجوز لغير الكهنة أن يأكلوا منه، لأنه لا يقدر قيمة ذلك سوى القريب من محضر الله، ومن المؤكد أن كل المؤمنين الحقيقيين هم مملكة كهنة (رؤ1: 6)، وقد أعطوا بالنعمة أن يتغذوا على المسيح، وهم في شركة مع الآب بمعونة الروح القدس.  ومع أن الكهنة كان لهم حق أن يأكلوا "الباقي"، إلا أنه ليس لهم أن يتصرفوا فيه كما شاءوا، فلا يحق لهم مثلاً أن يصنعوا منه خبزًا مختمرًا، إذ يقول الكتاب في شريعة تقدمة الدقيق: "لاَ يُخْبَزُ خَمِيرًا. قَدْ جَعَلْتُهُ نَصِيبَهُمْ مِنْ وَقَائِدِي. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ كَذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَذَبِيحَةِ الإِثْمِ." (لا6: 17) ومن هذا نتعلم أنه وإن كنا نحن كهنة (1بط2: 5)، ولنا الحق في الشركة مع الآب (1يو1: 3) أي نأكل "الباقي من التقدمة"، لكن علينا أن نحترص من أن يتسرب أي شيء من منتجات الجسد البغيضة والمكروهة يفسد علينا شركتنا هذه، ثم نقرأ أمرًا آخر عن الذين يأكلون من الباقي فيقول: "كُلُّ ذَكَرٍ مِنْ بَنِي هَارُونَ يَأْكُلُ مِنْهَا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ مِنْ وَقَائِدِ الرَّبِّ" (لا6: 18) ومن ذلك نتعلم أيضًا شيئًا عن النضوج والإدراك الذي يجب أن نظهره تجاه سيدنا والتمتع به في جو الشركة المقدسة.

الباقي وكيف يؤكل

   يقول الكتاب عن هذا الأمر: "وَالْبَاقِي مِنْهَا يَأْكُلُهُ هَارُونُ وَبَنُوهُ. فَطِيرًا يُؤْكَلُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. فِي دَارِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ يَأْكُلُونَهُ." (لا6: 16)، وما أرجو أن أركز عليه هو كلمة "فطيرًا"، والفطير ليس فقط يكلمنا عن الخلو من الخمير، بل عن عدم التأثر بالخمير قطعيًا، وهذه أروع صورة لسيدنا الكريم فهو ليس فقط لم يعرف الخطية (2كو5: 21)، بل لم يكن هناك أدنى احتمال لحدوث ذلك، فهو القدوس الذي بلا شر ولا دنس (عب7: 26)، على أن الفطير أيضًا يشير لمقامنا في المسيح (1كو5: 7)، فنحن مدعوون للشركة مع الله الآب على أساس مركزنا في المسيح، وبما أن مركزنا في المسيح هو فطير فيجب أن تكون الحالة العملية لنا "عجينًا جديدًا"، لأن هذا ما يليق بالوجود مع الآب على مائدته، للتغذي، والشبع بابنه المحبوب، حتى يتثنى لنا أن نسمع القول "نأكل ونفرح" (لو15: 23).  حقًا ما أكرم ما قدمه لنا الله الآب لشبع وفرح قلوبنا بجواره، وفي محضره، ليت قلوبنا تقدر ذلك، وتتجاوب نفوسنا عمليًا مع هذا الحق الثمين، فلا ندعه يفلت من أيدينا، بل لنمسك به لمجد وكرامة سيدنا، ومدح اسمه الكريم .

الباقي وأين يؤكل

   أما عن هذه النقطة فيخبرنا الوحي قائلا: "وَالْبَاقِي مِنْهَا يَأْكُلُهُ هَارُونُ وَبَنُوهُ. فَطِيرًا يُؤْكَلُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. فِي دَارِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ يَأْكُلُونَهُ" (لا6: 16).  أحبائي يأتي التحريض واضح، وصريح للغاية عن أين تؤكل هذه التقدمة إذ يقول: "في مكان مقدس في دار خيمة الاجتماع" هذا هو المكان اللائق بالأكل من هذه التقدمة، ولما لا وهي كما قال عنها الكتاب "قدس أقداس" (لا6: 17).  والحرص الشديد هذا يأتي لأنها تحمل لنا صورة ابن الله وكمالاته الفريدة والعجيبة.  فالتغذي عليه والتأمل فيه يتطلب الجو المقدس والحالة الأدبية اللائقة بالقدوس، والخالية من روح العالم ورائحة الجسد.  وهذا الجو المقدس لن يتوفر لنا إلا في محضر الله نفسه، والمعبر عنه هنا بالقول: في "دار خيمة الاجتماع"، والذي هو الاجتماع إلى اسمه، الحق الذي اختفى وسط ركام الأنشطة، وتفتت كنيسة الله لفئات، وهيئات، ومنظمات، وكيانات مستقلة، كل له توجهاته وأدواته، أين العائلة الكهنوتية وهي تجلس تأكل "الباقي من التقدمة " في جو الشركة والمحبة والبساطة؟ أين الاهتمام بالوجود في "دار خيمة الاجتماع"؟ أين هارون الرأس ومركزه؟ وأين بنوه وأماكنهم؟ هل كان أحد يجرؤ أن يستقطب مجموعة ويأكل مستقلاً عن العائلة؟ هل كان مسموحًا أن تؤكل في البيت؟ كلا.  بالطبع ليس المقصود هو الإقلال من شأن الاجتماعات الفرعية الناجحة في أداء دورها، بل الاستقلالية واستبدال الاجتماع إلى اسم الرب بهذه الأنشطة وخلافها. 

   عزيزي القارئ هذا ما قصدت أن أتأمله معك، تاركًا تأثير الكلمة لصاحبها مصليًا أن يمنحنا إلهنا الضمير الحساس للتجاوب مع الكلمة لتعمل عملها فينا (عب4: 12) لمجد الرب وبركتنا.

                                                                   

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com