عدد رقم 3 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كسر الخبز (3)  

   تحدثنا في المرات السابقة عن: لماذا نكسر الخبز؟ ومن الذي يكسر الخبز؟ ومتى نكسر الخبز؟ وأين أو مع من نكسر الخبز؟  ونواصل حديثنا في هذا العدد عن كيف نكسر الخبز، وما هي مسؤولية الفرد والجماعة فيما يرتبط بكسر الخبز؟ وماذا بعد كسر الخبز؟  ولمزيد من التفاصيل يحسن الرجوع إلى كتابات هايكوب وكامبل وماكنتوش عن كسر الخبز.

يقول الرسول: «إذًا أيُّ مَنْ أكل هذا الخبز، أو شرب كأس الرب، بدون استحقاق، يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه.  ولكن ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس.  لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة (قضاء) لنفسه، غير مُميِّزٍ جسد الرب» (1كورنثوس 27:11-29).

المسؤولية الفردية:

   إن الرسول لا يتكلَّم عن استحقاق الأشخاص أو عدم استحقاقهم، بل يتكلَّم عن الأسلوب والطريقة التي جعلتهم غير مستحقين معها للأكل أو الشرب من عشاء الرب.  لأنه إن كان الأكل من عشاء الرب يتوقف على الاستحقاق الشخصي فلا يوجد على الأرض مَنْ هو يستحق في ذاته أن يأكل من عشاء الرب.  ونحن مستحقين فقط، لأن المسيح غسَّلنا من خطايانا بدمه وأهَّلنا لمحضره وأعطانا الحق أن نشترك في عشائه، هذا الحق هو نتيجة لِمَا فعله لأجلنا، وليس لاستحقاق شخصي فينا.

إن خطر الأكل بدون استحقاق تمثل في استهانة المؤمنين في كورنثوس بما يعنيه الخبز والكأس، وذات الخطر يكمن لنا في هذه الأيام.  فقد نتناول من عشاء الرب باستخفاف ولا نفكر في جسده المبذول ودمه المسفوك وكل ما قاساه المسيح لأجلنا على الصليب.  قد تذهب أفكارنا في أمور كثيرة غير الرب الذي نعترف بأننا نذكره.  وإن كنا لا نُميِّز بالإيمان جسده فإننا نأكل بدون استحقاق، ونكون مُجرمين في جسده ودمه، لأننا نُمارس الذكرى بعدم مبالاة، ويا له من فكر خطير!  

بالطبع إن الخبز لا يتحول إلى جسده، ومحتويات الكأس لا تصبح دمه، لكن هل يحدث أحيانًا أن نأكل ونشرب من العشاء كما نتناول طعامًا عاديًا أو نتناوله دون أن يترك أثرًا فينا ودون حُكم على الذات؟ وهل يغيب عنا حضور الرب في ما بيننا؟ وهل تقصر بصيرتنا عن أن ترى في الخبز والكأس ما يريد الروح أن يصوره عن جسده الذي بُذل لأجلنا ودمه الذي سُفك عنا؟ فإذا كان الأمر كذلك فإننا نأكل ونشرب بدون استحقاق، وإننا نأكل ونشرب دينونة لأنفسنا، ونجلب على أنفسنا تأديبًا من يد الرب.  «من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون يرقدون.  لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لَمَا حُكم علينا، ولكن إذ قد حُكم علينا، نُؤدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم» (أعداد 30-32).  هذه هي النتائج الخطيرة للأكل والشرب من عشاء الرب بدون استحقاق.

وما دام الاشتراك في عشاء الرب مسألة خطيرة هكذا، فقد يبدو أن يتهيب المؤمن التقدم من المائدة ويتراجع عن إطاعة طلب الرب الأخير «اصنعوا هذا لذكري». ولكن مَنْ يفعل ذلك فإنه يقع في غلطة أخرى ويصبح في عدم إطاعة الوصية الحبية التي يطلبها الرب، وفي نفس الوقت يعكس إصرارًا على الخطأ.  من أجل ذلك يشجعنا الرب في العددين 28 و31  بالقول: «لكن ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس ... لأننا لو حكمنا على أنفسنا لما حُكِم علينا».

فبينما التنبير هنا على دواعي القداسة والهيبة من جهة، نجد من جهة أخرى النعمة أيضًا تشجعنا وتقوينا لكي نأتي ونتقدم للأكل من العشاء حاكمين على ذواتنا، ونحن في صحو وتعقل.  إنه لا يقول: ’’ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يتراجع أو يبتعد‘‘، بل قال: «ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل».  فالنعمة تشجِّع وتسند كل مَنْ يحكم على ذاته ويفحص طرقه باستقامة قلب، ومثل هذا الشخص يتقدم بثقة إلى العشاء بضمير صالح ومستريح.  والحكم على الذات يعني إدانة ورفض الجسد، وهذا تدريب يومي مُقدَّس.

ماذا بعد كسر الخبز؟

كان الرب قد أوصى شعبه أنهم بعد الفصح (وهو رمز لعشاء الرب)، سبعة أيام يأكلون فطيرًا، ويعزلون الخمير (خر12: 15).  بمعنى أن ما يُميِّز سلوكهم طوال الأسبوع هو حياة القداسة والنقاء من كل صور الشر.  فإن حياتنا طوال الأسبوع سوف تنعكس على حالتنا ونحن حول مائدة الرب.  وما كان يشغل قلوبنا في الستة الأيام الماضية سوف يشغل أيضًا قلوبنا ونحن حول العشاء في أول الأسبوع.  فإذا كنا طوال الأسبوع متكاسلين ولا نبالي بأمور الرب فإن هذه اللامبالاة سوف تطبع حالتنا ونحن حوله على مائدته، فلا نعد نُميِّز جسده ودمه بالمعنى الصحيح في رموز العشاء.  ولذلك فإننا نأكل ونشرب دينونة لأنفسنا.  إنه من المستحيل أن نعيش طوال الأسبوع في جو عالمي ثم تُنتزع أنفسنا كلية من هذا الجو عندما نُوجد في يوم الرب لنتذكَّره في عشائه.

   فإذا كان مؤمن يقضي الأسبوع كله في مسراته وتسلياته العالمية فلا يمنع عينه أو أذنه من أن ترى أو تسمع مناظر وأصوات يتمثل فيها العالم بروحه وأساليبه المنحرفة، فإن هذا المؤمن يصعب عليه أن يُميِّز جسد الرب ودمه إذا ما جاء ليذكره في أول الأسبوع.  في كل هذا تتمثل الشركة مع العالم، ويتمثل عدم الخضوع للرب، فهل مع هذه الحالة يمكن أن يقال إن هناك شركة روحية في جسد الرب ودمه؟ وإذا حصل واشترك مثل هذا المؤمن في الأخذ من الخبز والخمر فذلك بكل يقين مجرد مظهر خارجي خالٍ من كل قوة حقيقية ومن كل معنى حقيقي للذكرى، وبذلك يكون مثل هذا الأخ مجرمًا في عدم تمييز جسد الرب وأنه يأكل ويشرب دينونة لنفسه.

  الشركة والمسؤولية الكنسية:

استعرضنا موضوع عشاء الرب في صفته كعيد للذكرى كما هو مفصَّل في 1كورنثوس 11.  وهناك أيضًا وجه آخر للحق وهو: مائدة الرب، وكثيرون يغفلون هذا الجانب، وهذا ما نجده مطروحًا في 1كورنثوس 16:10 و17 «كأس البركة التي نُباركها، أليست هي شركة دم المسيح؟ الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح؟ فإننا نحن الكثيرين خبزٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد».

هنا نرى الكلام عن كسر الخبز كعمل جماعي «كأس البركة التي نباركها».  في الأصحاح الحادي عشر نجد كل فرد مؤمن يأكل ويشرب، وهو مسؤول أن يفعل ذلك بأسلوب لائق «أيُّ من أكل ... أيُّ من شرب»، «ليمتحن الإنسان نفسه».  أما في 1كورنثوس 10 فنجد الوجهة المشتركة لمُمارسة كسر الخبز كجماعة متحدة معًا، هو الحق الهام الذي يُؤكََّّد عليه.  وعندما نذكر الرب معًا ونشترك كلنا في ذات الخبز وفي ذات الكأس، فإننا بذلك نُعبِّر عن شركتنا بعضنا مع بعض وعن شركتنا في المائدة التي نتناول منها.  وهذا هو السبب في ذكر الكأس أولاً - لأن الكفَّارة بدم المسيح المسفوك هي أساس الشركة والعلاقة مع الله ومع زمرة المؤمنين.  فعندما نشكر على هذه الكأس ونشترك فيها معًا فإننا نُعبِّر عن شركتنا «كأس البركة التي نُباركها أليست هي شركة (communion أو fellowship) دم المسيح» (في دم المسيح)، الذي على أساسه صار لنا نصيب في هذه الشركة.  

ويستمر الرسول قائلاً: «الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح؟ فإننا نحن الكثيرين، خبزٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ، لأننا جميعنا نشترك في الخبز (الرغيف) الواحد».  ولهذا فإن الخبز هنا له معنى آخر إلى جانب كونه يرمز إلى جسد الرب الذي بُذل لأجلنا، إنه (الرغيف الواحد) يرمز أيضًا إلى جسده السِّري الروحي على الأرض؛ «الكنيسة التي هي جسده» (أفسس 22:1 و23).

إنها تُعبِّر عن الوحدة الغير المنظورة لجسد المسيح السري «خبزٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ».  ونحن كأعضاء في هذا الجسد الروحي المكون من المؤمنين، فإننا نشترك معًا في عشاء الرب مُعبِّرين بذلك عن شركتنا بعضنا مع بعض.  وهذا هو معنى القول: «شركة جسد المسيح»، والمظهر العملي لهذا الحق، فإننا «نحن الكثيرين خبزٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ، لأننا جميعنا نشترك في (الرغيف) الخبز الواحد».  فبكسرنا الخبز نُظهر وحدتنا «كأعضاء بعضنا لبعض» في المسيح، والتي تظل حقيقية برغم الانقسامات العديدة والطوائف الموجودة في دائرة المسيحية.  ومن هنا كان الخطأ في تقسيم الرغيف إلى قطع صغيرة، أو استعمال كؤوس صغيرة لتقديم الخمر، فإن هذا لا يتفق ومعنى الرمز الكائن في الخبز الواحد والكأس في 1كورنثوس 16:10 و17.  ولا يتفق مع الحق الخاص بوحدة الجسد المكون من المؤمنين الحقيقيين.  إن الأساس الكتابي للاجتماع معًا هو التمسك بوحدة الجسد لجميع المؤمنين، والرمز المتفق معه هو الرغيف الواحد «والكأس التي نباركها» وليست كؤوس.

المسؤولية ليست فقط فردية

   إذا سُمح لأشخاص غير مؤمنين بأن يشتركوا في عشاء الرب مع المؤمنين الحقيقيين، فأي تعبير للوحدة الحقيقية والشركة يبقى في عملية كسر الخبز؟ بكل تأكيد لا توجد.  وإن كنا نتناول من عشاء الرب مع غير المولودين من الله، فلا نستطيع أن نقول مع بولس: «فإننا نحن الكثيرين خبزٌ واحدٌ، جسدٌ واحدٌ» لأن بعضًا مِمَنْ يشتركون ليس لهم ارتباط بهذا الجسد.

وكثيرًا ما نسمع هذه الإجابة عندما نناقش هذه النقطة مع بعض المسيحيين: ’’أنا اشترك في عشاء الرب لنفسي ولا دخل لي بالآخرين.  فإذا تقدم أحد وليس له الحق أن يأخذ من (ليشترك في) عشاء الرب فإنه يأكل ويشرب دينونة لنفسه وهذه ليست مسؤوليتي‘‘.  إن مثل هذا القول يدل بكل تأكيد أن الحق المتضمن في 1كورنثوس 16:10 و17 غير مُدْرَك وغير معروف.  فإن الرب لا يدعونا لكي يأكل ويشرب كل واحد منا لأجل نفسه.  كلا فإن كل ابن لله مدعو لأن يتقدم ويشترك مع باقي المؤمنين، وهناك تمتع متبادل ومسؤولية مشتركة أيضًا.

ليست شركة مفتوحة:

ونحن لا يمكننا أن نترك الباب مفتوحًا أمام كل مَنْ يريد أن يشترك في عشاء الرب، بمعنى أن الاشتراك في عشاء الرب أو عدم الاشتراك فيه لا يمكن أن يتقرر من الفرد وحده.  ففي 1كورنثوس 5 ينبِّر الرسول بولس على مسؤولية كنيسة كورنثوس حتى يعزلوا الخمير الذي دخل وسطهم، كما ينبِّر على مسؤوليتهم حتى يحكموا على الذين هم من داخل، أي الذين هم داخل دائرة الشركة على مائدة الرب.  إنه يحثهم على أن «يعزلوا الخبيث من بينهم».  وهنا يبين مسؤولية الجماعة في التمسك والاحتفاظ بقداسة مائدة الرب وعشاء الرب.  فإذا كان من واجبهم أن يعزلوا الشَّر من بينهم فبكل تأكيد من واجبهم أن يسهروا ضد السماح لأي شر يحتمل أن يدخل بين الجماعة أو إلى مائدة الرب.

ومن 1كورنثوس 12:5 و13 نرى أن هناك مَنْ هم «من داخل» ومَنْ هم «من خارج» دائرة الشركة في عشاء الرب.  فالأشخاص ينبغي أن يُفحصوا من جهة اعترافهم ومن جهة سلوكهم إذا ما أريد الاحتفاظ بقداسة مائدة الرب وإذا ما أريد التعبير الصحيح عن الوحدة والشركة في كسر الخبز.

كان في إسرائيل هناك بوابون يلاحظون البوابات ويحرسون أبواب بيت الله (انظر 1أخبار 17:9-27؛ نحميا 1:7-3).  كانت وظيفتهم أن يُدخِلوا مَنْ لهم أن يدخلوا وأن يمنعوا مَنْ يتعيَّن حجزهم خارجًا.  هكذا خدمة البوابين في هذه الأيام ضرورية للغاية في كنيسة الله لحفظ الكنيسة من النَّجاسة والتي تحدث من دخول غير المؤمنين وغير الطاهرين إلى الشركة في مائدة الرب.

   إن هذه الشركة ليست شركة مفتوحة ولا شركة مغلقة بل شركة مُصانة بالحراسة؟ إنها لا ينبغي أن تكون مفتوحة لأي شخص ولا أن تكون متضيقة في وجه كل «مَنْ لا يتبعنا» حتى توصف أنها شركة طائفية SECTARIAN COMMUNION ، بل ينبغي أن تكون شركة لكل مَنْ نعرف أنه من المؤمنين المشهود لهم بالسلوك في الحق والقداسة.  فطالما كان الأساس الكتابي الوحيد للاجتماع معًا هو الاعتراف العملي بالحق المتعلق بالجسد الواحد الذي يضم جميع المؤمنين كأعضاء (والمرموز إليه أيضًا في الرغيف الواحد للعشاء) بعيدًا عن الحزبية والطائفية، فإنه بناء على ذلك يتعين علينا أن نقبل على مائدة الرب كل عضو حقيقي في هذا الجسد ولا تمنعه أحكام تأديبية عن التقدم إليها، وإلا لكُنا نتصرف ضد الحق الأساسي الذي نعترف به، وبالتالي نصبح طائفة، وهذا لا يتفق مع فكر الله.  ونؤكد أن الروح القدس كوَّن جسدًا واحدًا هو الكنيسة، أما الطوائف المتعددة والانقسامات فصنعوها الناس.


 

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com