عدد رقم 3 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
التقديس وقوة الشهادة  

تتأثر الشهادة للرب في حياة المؤمن بمدى سلوكه بالقداسة ومخافة الرب.  ويمكن أن نستخلص المبادئ التالية مما نتعلمه من كلمة الله:

1- رائحة المسيح العطرة تفوح من أواني طاهرة.

الرب يُسر بأن يستخدم أواني نظيفة.  المؤمنون الذين يمتلئون بالروح القدس هم أولئك الذين يراعون اعتبارات قداسة الله في حياتهم.  الشهادة بالنسبة لهم لها صفة مزدوجة : ثمينة جدًا وحساسة جدًا مثل طيب العطار، ذلك الطيب الذي تكمن قيمته في رائحته الطيبة، لكنه قد يفسد بسبب الذباب الميت ( الخطايا المتكررة)، فالخطايا المعتادة تفسد الشهادة، بينما تلمع في حياة الأمناء الذين سلكوا في طريق القداسة وجاهدوا ضد الخطية واحتفظوا بصفحتهم بيضاء، فصاروا أكثر شبهًا بسيدهم.  كل من يتوق أن يكون إناءًا تفوح منه رائحة المسيح الزكية، عليه أن يسلك  في منهج القداسة، شاعرًا بضعفه ومسكنته، مستندًا على نعمة الله، الذي يحرس أرجل أتقيائه ويحفظهم من الشر.  قائمة أبطال الإيمان في عب 11 تؤكد لنا أن نيران المقاومة جعلت رائحة التقوى والولاء للرب تفوح وتنتشر في كل حدب وصوب في كل العصور.

2- مخافة الرب في القلب تتبعه شهادة بمجاهرة.

عندما تمتلئ قلوبنا باعتبارات الرب ومخافته، نعطي الفرصة لطيب الرجاء أن يفوح ويعطر دروب الألم والتهديد والظلم فيجذب المعاندين ويحير المقاومين.  « قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ» ( 1 بط 3 : 15).  كثيرون يحفظون الآية من الجزء الأخير، بينما وجب أن نذكر أنه لا يمكن أن يكون لدينا هذا الإعداد أو الاستعداد دون أن يكون الدافع الحقيقي لعمل الصلاح هو إكرام الرب ومخافته، فيكون البر ثمر الإيمان العديم الرياء والتكريس الصادق للرب والتقدير الكامل لذاك القدوس الذي يسر بالحق في الباطن.  لذلك يختلف تأثير الأفعال والأقوال من مؤمن لآخر وفقًا لمدى إخلاص المؤمن للرب وتقديره لاعتبارات مجده.  يناشد الرسول بطرس المؤمنين أن يسلكوا بالقداسة نظرًا لتأثيرها المباشر على الشهادة.  «أنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الجسدية التي تحارب النفس ... تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً ... يُمَجِّدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الافْتِقَادِ، مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا» (1 بط 2: 11 ،12).

 

3- السالكون في القداسة، تكون خدمتهم مؤثرة. 

 كثيرون يقومون بخدمات وأنشطة كثيرة، لكن ماذا عن المصداقية والتأثير؟ السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى شهادتهم مؤثرة؟ أم يتركون انطباعات عابرة ! يوحنا المعمدان – نذير الرب - عندما خاطب الجموع  بمختلف فئاتهم، نُخست قلوبهم  وتجاوبوا مع الرسالة التي قدمها.  «سَأَلَهُ الْجُمُوعُ قائِلِينَ:«فَمَاذَا نَفْعَلُ؟» ... وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضًا لِيَعْتَمِدُوا فَقَالُوا لَهُ:« يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا نَفْعَلُ؟»... وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضًا قَائِلِينَ:«وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟» ( لو 3: 10-14).  

هكذا كان تأثير عظة بطرس بعد أن امتلأ من الروح القدس.  الشرط الرئيسي للامتلاء بالروح القدس هو السلوك في القداسة.  عندما يدرك الشخص بشاعة الخطية وعواقبها المرة في ضوء قداسة الله، سوف يعطي فرصة للروح القدس أن يسود على أفكاره وأقواله فتخرج ممتزجة بقوة وتأثير.  «أَنَا مَلآنٌ قُوَّةَ رُوحِ الرَّبِّ وَحَقًّا وَبَأْسًا، لأُخَبِّرَ يَعْقُوبَ بِذَنْبِهِ وَإِسْرَائِيلَ بِخَطِيَّتِهِ»(مي3: 8).

4- التقديس يعني أن أعضاء أجسادنا مستثمرة.

نتعلم أن تقديس الكهنة يستلزم مسح شحمة الأذن اليمنى وإبهام اليد اليمنى وإبهام الرجل اليمنى بالدم من أجل التقديس (خر29: 20).  اليمين يشير إلى القوة، لذلك التكريس الحقيقي يستلزم أن تكون كل  أعمال اليدين ومساعي الرجلين لحساب الرب.  والسبيل إلى ذلك هو طاعة صوت الرب.  لذا وجب أن يتقدس سمع المؤمن حتى تكون أتعاب يديه ومسعاه في توافق مع فكر سيده.  « طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ» ( 1بط 1: 22).  التقديس العملي يظهر في تقديم ذواتنا ذبيحة حية للرب. عندما نكون رهن إشارة سيدنا وتستثمر كل طاقاتنا في كل أوقاتنا لحساب الرب.  "قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات، وأعضاءكم آلات بر لله" (رو6: 13).  "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم ... وأنكم لستم لأنفسكم، لأنكم قد اشتريتم بثمن" (1كو6: 19).

 

في الصور التالية نرى أشياء يعملها الرب فينا كجماعة وكأفراد كي يضمن قوة ودوام الشهادة لتكون في توافق مع اعتبارات قداسته:

1- إصلاح السرج:

المنارة الذهبية (الطاهرة) تشير إلى الشهادة الإلهية.  الكنائس السبع في آسيا تشبه بالمناير في الأصحاح الأول من سفر الرؤيا، كما كان رئيس الكهنة يصلح سرج المنارة حتى يخرج النور نقيًا وقويًا ( خر 30: 7 ، 8 ).  هكذا يقوم المسيح بتلك الخدمة الإلهية ( كرئيس الكهنة العظيم والضامن لاستمرارية الشهادة وقوة ضيائها).  المشكلة ليست في المنارة الذهبية ذاتها، فالمنارة ترمز للمسيح، ولا في الزيت النقي بل في السرج.  السرج تشير إلى أوانينا البشرية التي تستخدم للإنارة بواسطة الزيت ( بقوة الروح القدس).  الرب من حقه وهو إله الشهادة أن يصلح سرج منائره ولسان حاله: «عندي عليك» ليتخلص من رماد ضعفاتنا ومحدوديتنا، ليقدس دوافعنا ويجبر نقصان خدمتنا، مستخدمًا الملاقط والمنافض التي من ذهب نقي)  طرق إلهية( ( خر 25: 38 ).

 2- تنقية الأغصان:

يتمجد الآب عندما يرى الأغصان التي ارتبطت بالكرمة الحقيقية ممتلئة بالثمار لذلك ينقي الأغصان المثمرة لتأتي بثمر أكثر  «.....وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ» ( يو 15 : 2 )

قد يحتاج الغصن المثمر لتشذيب أو تنقية من بعض الطفيليات أو الأدران التي تؤثر على جودة وكمية الثمر، مثل بادرة شعور بالإعجاب بما تم إنجازه من خدمة، أو مشغولية زائدة بما يفعله الآخرون، أو ربما بسبب خوف من المقاومين.. الخ.  يقوم الرب بتنقية ذلك الغصن بواسطة كلمته المباركة «أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِه» ( يو 15 : 3 كما أنه ينقي بمعاملات نعمته وبتأديبه الأبوي حتى أن الغصن الثابت ليس فقط مثمرًا فحسب بل  يكون ممتلئًا من ثمر البر بيسوع المسيح لمجد الله وحمده.

3- صهر الذهب:

 تشبه المعاملات الإلهية بوتقة الصائغ الذي يضع فيها الذهب أو الفضة ويجعله يتعرض للنار الشديدة حتى ينصهر فتنفصل الشوائب والمعادن الغريبة ويبقى الذهب النقي أو الفضة المصفاة.  ثم يقرب الصائغ وجهه إلى البوتقة الملتهبة ليتأكد أن صورته قد ظهرت على صفحة الذهب المنصهر، كمرآة يرى فيها وجهه.  وحين تظهر واضحة يكون حينئذ الذهب نقيًا لامعًا مستعداً للتشكيل كما يحسن في عينيه.  قد يسمح الرب لأحد المؤمنين أن يجتاز نار الامتحان الإلهي كي يتزكى ( ينجح بتفوق ) ولكي يستعرض الرب في هذا الإناء المزكى، روعة مجده وغنى جوده ومراحمه وصفاته، كما فعل مع أيوب ويوسف ودانيال وبولس...الخ.

 

إن كان إصلاح السرج يؤدي لازدياد النور، وتنقية الأغصان تزيد الإثمار، فصهر الذهب  في البوتقة يجعل الرب يشبع برؤية صورته مطبوعة في حياة أتقيائه، فإظهار حياة المسيح هو قلب الشهادة المسيحية.

 

أمثلة لمؤمنين انطفأت شهادتهم بسبب عدم انفصالهم عن الشر: 

1.    شمشون : نذير الرب الذي بدأ حسنًا لكنه لم يضبط نفسه بل نكث عهده وكسر نذره عندما تنجس بميت ثم انجذب بطعم الشهوة وسقط في فخ النجاسة فحصد حصادًا مرًا.  فقد كرامته وخدمته وانطفأت شهادته وانتهت حياته بطريقة مأساوية.

2.          لوط : السائر مع بطل الإيمان العظيم إبراهيم، بدأ انحداره  بنظرة وانتهى بكسرة.  لوط البار لم يتعلم كيف ينفصل عن الشر الذي في العالم فخسر كل شيء.  خسر ممتلكاته وعائلته وكرامته كما خسر فترة من عمره، لكن الخسارة الأفدح أنه خسر شهادته للرب، حتى  حين أراد أن ينذر أصهاره كان كمازح فى أعينهم.

بخلاف ما سبق نجد مؤمنين لمعت شهادتهم بسبب انفصالهم عن الشر:

1-دانيال : ( فتى يهودي يعيش بين شعب غير يهودي) أحب طهارة القلب منذ شبابه المبكر فرفض أن يتنجس بأطايب الملك أو بخمر مشروبه طوال حياته، فشهد للرب بأمانته وقناعته وإيمانه فعرف الأمم أن الرب هو الإله الحي الحقيقي.

2-يوسف : ( فتى عبراني يخدم في بيت رجل مصري) رفض أن يفعل الخطية رغم الظروف المهيئة لذلك حتى أن صار يوسف مثلاً للطهارة بل علمًا يرفرف في دروب العفة وضبط النفس وقدوة للشباب في كل الأجيال.

 

 روحي    وجسمي     سيدي     أمانة         أوكلتني بأن أصونها لك

أردتني بأن أكون طــــــــاهرًا        مخصصًا مكرسًا لشخصك

نداء العالم قوي قونــــــــــي        كي أنكر النفس وأحيا ملكك

 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com