عدد رقم 3 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
خيمة الشهادة  


ذُكر تعبير ”خيمة الشهادة“ في كل الكتاب 7 مرات، وسوف نركز حديثنا بنعمة الرب على ثلاث مواقف لخيمة الشهادة:

1.     خيمة الشهادة والسحابة: الشهادة كما يريدها الرب أن تكون (عد9: 15-33).

في أول ذكر لخيمة الشهادة نلاحظ عدة أمور هامة:

·           إنها تُذكر في يوم إقامة المسكن، وكم هو أمر جدير بالانتباه، إذ ونحن نتطلع إلى إنشاء مسكن جديد قد تمَّ وضعه في وسط محلة بني إسرائيل، لا نظير له من قبل، نتذكَّر قول الرب لموسى: «يصنعون لي مقدسًا لأسكن في وسطهم» (خر25: 8).  فهذا المقدس الذي هو مكان سكنى الله على الأرض يُدعى هنا في أول يوم إقامته ”خيمة الشهادة“! إنه ليس فقط مكانًا لسكنى الله وسط شعبه، بل أيضًا مجالاً للشهادة عن الله في صفاته وأعماله.  وكم نجد تطبيقًا رائعًا لذلك في يوم بداية تكوين الكنيسة على الأرض، يوم الخمسين، حيث امتلأ الجميع من الروح القدس، ففي ذات يوم تأسيس بيت الله الجديد على الأرض نجد شهادة رائعة يُقدمها الرسول بطرس كان نتيجتها أن انضم إلى الكنيسة؛ هذا البناء الجديد 3000 نفس (أع2).

·           إنها المرة الوحيدة التي تُذكر خيمة الشهادة باعتبارها المسكن، والذي يحتوي على ”القدس“، حيث المنارة والمائدة ومذبح البخور، و”قدس الأقداس“، حيث التابوت (عد9: 15).  وفي الواقع لا يمكن فصل الاثنين عن بعضهما، فلا وجود للخيمة بدون المسكن، ولا معنى للمسكن بدون الخيمة! إنهما وجهان لعملة واحدة، فنحن نرى في المسكن ترتيب الرب لبيته في الداخل، ونرى في الخيمة آثار هذا الترتيب في الخارج، فلا عجب ونحن نقرأ لأول مرَّة عن خيمة الشهادة في كلمة الله، أنها ليست فقط تُذكر باعتبارها المسكن، بل نجد أن كلمة المسكن تُذكر في هذه المناسبة 7 مرَّات! وهذا يؤكِّد هذه الحقيقة الهامة، أن ما عليه المسكن من الداخل هو ما سيراه العالم من الخارج في الخيمة.

وبالعودة إلى سفر الأعمال 2 نقول إن مشهد بيت الله من الداخل والمعبَّر عنه هنا بالمسكن، حيث كان التلاميذ مجتمعين، «صار بغتة من السماء صوتٌ كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت ... وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرَّت على كل واحدٍ منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس» (ع2-4).  إن هذا المشهد الرائع لم يُدركه أو يرَه أحد من الخارج، لكنهم أدركوا ما كان عليه الرسول بطرس من قوَّة وتأثير وهو يتكلَّم إليهم، حتى أنهم «نُخِسوا في قلوبهم»، كما نقرأ أنهم «قبلوا كلامه بفرح واعتمدوا، وانضمَّ في ذلك اليوم ثلاثة آلاف نفس» (أع2: 37-41).     

·           إنها تُذكر بالارتباط بوضع السحابة المُميَّز فوقها، ففي الصباح كانت السحابة تُظلِّل الخيمة، وفي المساء كانت السحابة على شكل نار. وكأن قصد الله من البداية أن يؤكِّد على هذه الحقيقة الهامة، أن ما يضمن أن تُحقق خيمة الشهادة غرض وجودها على الأرض، هو مدى ارتباطها بالشكينة؛ أي سحابة المجد.  فلا قوة للشهادة بالانفصال عن السحابة، وإن كنا نرى في السحابة رمزًا للروح القدس، نستطيع أن نقول إن ما يضمن تأثير شهادة الكنيسة على الأرض هو في ما تتأيد به من قوة الروح القدس، وإذ نعود إلى سفر الأعمال، ونحن نشهد بداية تكوين الكنيسة على الأرض نجد أن سر قوة الشهادة التي ظهرت في عظة الرسول بطرس الأولى أنه كان ممتلئًا من الروح القدس.

·           أنها تُذكر بالكيفية التي كانت الخيمة ترتحل بها، ففي الأعداد 17-23 نقرأ عن الأسلوب الرائع لكيفية تجاوب الخيمة مع حركة السحابة، فالخيمة تظل ثابتة في مكانها والعيون شاخصة نحو السحابة ترقب حركتها، سواء مكثت أيامًا كثيرة أو قليلة، وعندما تتحرك السحابة فعلى الخيمة أن تتحرك، وكم يلفت انتباهنا أن عبارة «حسب قول الرب» تكررت في هذه المناسبة 7 مرَّات.  فعندما يكون التركيز على ما يقوله الرب، عندئذ ينتفي كل استحسان بشري! فلا مجال للتباطؤ طالما السحابة تحركت ولو كانت المدة قصيرة جدًّا، ”يوم وليلة“ (ع21)، وأيضًا لا مجال للاستعجال طالما السحابة ماكثة في مكانها ولو طالت المدة جدًّا، ”سنة“ (ع22).  نعم قد يكون مربكًا للطبيعة البشرية وللجسد الذي فينا، فطبيعتنا تميل للاستعجال والاندفاع، وتضجر من السكون وعدم الحركة، ولكن ما يجعل خيمة الشهادة تؤدي دورها كما قصد الرب، هو أن تتحرك كما يريدها هو! وإن كان هذا ينطبق على خيمة الشهادة في القديم، فهو بالأحرى ينطبق على كنيسة الله بيت الله الآن، فما يجعل شهادتنا قوية ومؤثرة هو مدى تجاوبنا مع إرشاد الروح القدس لنا.  عندئذ ينطبق علينا القول «لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله» (رو8: 14).

2.     خيمة الشهادة وعصا هارون التي أفرخت (عد16-18)، تحديات من الداخل والمسؤولية تجاهها:

ونحن نتكلم عن التحديات التي قد تواجه خيمة الشهادة، كنا نتوقع أن تكون التحديات من الخارج طالما الغرض من خيمة الشهادة هو الشهادة للذين في الخارج، لكننا نجد التحديات من الداخل، ولكنها بطبيعة الحال سيكون لها تأثير ضار على الغاية التي من أجلها أوجد الرب خيمة الشهادة.  ولقد كان التحدي هنا تذمر وأنين بين جماعة الرب، ولكن كم كان له تأثير وأبعاد كبيرة، ولنلقِ نظرة على طابع هذا التذمر:

·        كان التذمر من المؤثرين في الجماعة، فأول من أتى ذكره كقائد لهذا التذمر كان ”قورح“ من بني قهات من سبط لاوي، ثم انضم إليه 250 من رؤساء الجماعة.

·        كان التذمر معدي، لقد بدأ بثلاثة رجال: ”قورح وداثان وأبيرام“، إلا أنه سرعان ما اتسع لينضم إليهم ”250 من رؤساء الجماعة“، وانتهى الأمر بتذمر ”كل الجماعة“ (عد16: 1، 2، 41).

·         كان التذمر ضد الرب نفسه، لقد كان التذمر في ظاهرة ضد موسى وهارون، ولكنه في واقع الحال كان ضد ترتيب الرب، في أن يكون موسى قائدًا، والكهنوت من بيت هارون (عد16: 3).  وعندما يصل الأمر إلى ذلك فلا نتعجب أن نرى التذمر يمتد، فيحكموا على النوايا التي هي من اختصاص الرب نفسه، فنجدهم يشككون في صدق نوايا موسى (عد16: 13)، بل يصل بهم الأمر أنهم يشككون في صدق وعد الرب لهم في أن يدخلهم الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً (عد16: 18).

ألا يذكرنا هذا بتذمر اليونانيين في أعمال 6، والذي كان يمكن أن يؤثِّر على شهادة الرسل؟ غير أنهم تداركوا الأمر سريعًا، ووضعوا حدًا له، في أن أقاموا شمامسة لخدمة الموائد، ليتفرغوا هم للصلاة وخدمة الكلمة.

ولقد أسكت الرب تذمر قورح ومن معه بصورة حاسمة وقاطعة، عندما رأى الجميع كيف أن عصا هارون أفرخت وأزهرت وأنضجت لوزًا.  وبذلك حُسم الأمر تمامًا أمام جميع الشعب، غير أن الرب كما كان سريعًا في إبطال التذمر، كان حاسمًا في قضائه على من تسبب في هذا التذمر، وأفسد جو الوحدة والتآلف بين شعب الرب، إذ نجد تدخلاً عجيبًا من الرب بصورة غير مسبوقة، إذ فتحت الأرض فاها وابتلعتهم، وبصورة قوية إذ خرجت نار من عند الرب (عد16: 30، 31، 35).

وكم هي حقيقة هامة علينا أن ندركها وهي حرص الرب الشديد على كل ما قد يؤثِّر على الشهادة، وهذا ما نجده أيضًا واضحًا ونحن نشهد حالة الكنيسة في بداية تكوينها، وكيف حاول حنانيا وامرأته سفيرة أن يشوِّها هذا الكيان الجديد، بأن يُدخلا روح التباهي والتفاخر عن طريق الخداع والكذب، وهكذا نجد تدخلاً سريعًا وحاسمًا، إذ وقع عليهما القضاء بالموت (أع5).

بعد ذلك مباشرة نقرأ قول الرب لهارون: «أنت وبنوك وبيت أبيك معك تحملون ذنب المقدس، وأنت وبنوك معك تحملون ذنب كهنوتكم، وأيضًا إخوتك سبط لاوي ... وأنت وبنوك قدَّام خيمة الشهادة» (عد18: 1-3).  إن امتياز وجود لاوي وبيت هارون الكهنة قدام خيمة الشهادة، يضعهم أمام مسؤولية كبيرة لتستمر الخيمة في تحقيق غرضها على الأرض.  فإن كان على لاوي أن يحمل ذنب المقدس، أي أن يكون المسؤول عن أي أخطاء عامة من الشعب، فهارون وبنيه الكهنة عليهم أن يحملوا ذنب الكهنوت، أي ما قد يصدر من أخطاء في اقترابهم للرب وعبادتهم له.  ألا يذكرنا هذا بكلمات الرسول بولس لتيموثاوس وهو يضعه أمام مسؤولية، كيف يجب أن يتصرَّف في بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي؛ عمود الحق وقاعدته (1تي3: 15). 

3.     خيمة الشهادة ونهضة يوآش (2أخ24: 6)، الإخفاق وتصحيح الوضع

بعد أن تعرفنا على خيمة الشهادة كما يريدها الرب أن تكون، وتعرفنا على تحديات تواجه الشهادة أثناء رحلة تغربها في البرية، والمسؤولية تجاه ذلك، نأتي إلى مرحلة جديدة لخيمة الشهادة، إذ انتهت رحلة البرية، وامتلك الشعب ميراثه، واستقر بيت الرب في أورشليم، وقد صار بناءً رائعًا فخمًا، كنا نتوقع أن نرى شهادة قوية تشع من هذا البناء العظيم، ونسمع صدى كلمات المرنم «في هيكله الكل قائلٌ: مجدٌ» (مز29: 9).  غير أننا نفاجأ أن الأمور لم تسر هكذا، وإن الشهادة لم تستمر في قوتها ولمعانها، بل تعرضت لكثير من الفشل والضعف، حتى نصل إلى زمن مُلك يوآش، حيث نجد هيكل الرب وقد هُدم، وكل أقداس بيت الرب صارت للبعليم (2أخ24: 7)، وما عاد الشعب يهتم بتقديم عطاياه لتدعيم بيت الرب، وما عاد اللاويون يقومون بعملهم في بيت الرب، وهنا يأتي تساؤل يوآش الهام ليهوياداع رئيس الكهنة آنذاك: «لماذا لم تطلب من اللاويين أن يأتوا من يهوذا وأورشليم بجزية موسى عبد الرب وجماعة إسرائيل لخيمة الشهادة؟» (2أخ24: 6).

وهنا نلاحظ بعض الأمور الهامة:

·           الحالة التي وصل إليها بيت الرب: أ يمكن أن ”مقدس الرب“، مكان سكناه تبارك اسمه؛ ”خيمة الشهادة“، مجال الشهادة عن الرب في صفاته وأعماله، يصل الحال به أن يُهدم ويصير خرابًا؟! أ يمكن أن أقداس بيت الرب يُستهان بها، حتى أنها تُستخدم لآلهة غريبة. أ يمكن أن يصل الحال إلى هذه الصورة المتدنية؟ الإجابة بكل أسف نعم!! وهذا هو تاريخ الإنسان، والذي هو سلسة من الفشل على مر التدابير!

·           قوة تأثير الفرد الواحد: نتعجب أن هذه النهضة العظيمة، وسط شعب الرب، والحماس المبهر الذي صار للاويين، بل وكل الشعب، كان نتيجة تحرك الملك يوآش وتثقله ببيت الرب. رغم كونه قد مَلَك وهو فتى، غض صغير، ابن سبع سنين! نعم، فكم من أمور مبهرة وتأثيرات عظيمة كانت بدايتها فرد واحد.  نعم إن الشهادة على الأرض كما هي في فكر الرب شهادة جماعية، وهذا حق، وإن الأمانة على الأرض كما يريدها الرب من شعبه هي أمانة فردية، وهذا أيضًا حق، فكل واحد على حده مسؤول أمام الله أن يعيش في تقواه ومخافة اسمه.  ولكن دعونا نضيف حقًّا ثالثًا أنه يمكن عن طريق فرد واحد بمحبته للرب ولشعب الرب أن يكون سبب بركة لكل الجماعة، وأن يحمس إخوته ويشجعهم ليحقِّقوا غرض الرب من وجودهم في أن يكونوا شهودًا أمناء للرب! وهكذا كان عزرا ونحميا في زمانهما، بل وكثيرون غيرهم.

·           مسؤولية الكهنة واللاوين: عرفنا كيف عالج الرب التحديات التي ظهرت وسط شعبه، وكيف أوضح مسؤولية الكهنة واللاويين عند ظهور أي سلبيات أو تقصير وسط الشعب، وواضح هنا أن ما وصل إليه حالة بيت الرب كان تقصيرًا من الكهنة واللاويين، من أجل ذلك عندما أراد يوآش أن يصحِّح الوضع بدأ من يهوياداع رئيس الكهنة ومن اللاويين، وعندما أخذوا وضعهم الصحيح، تحرك كل الشعب واستجاب لهم.

·           تجاوب رائع وعظيم: ما أجمل النتائج التي نراها لهذه النهضة المباركة، والتي بدأت بتحرك فرد واحد؛ يوآش، فعندما طلب الكهنة واللاويين من الشعب، بأن يأتوا بجزية موسى، والمخصصة لبيت الرب، «فرح كل الرؤساء، وكل الشعب، وأدخلوا وألقوا في الصندوق حتى امتلأ»، ورغم كثرة الأعمال، إلا أن ما جمعوه من فضة لم يغطِ فقط الاحتياج، بل فاض، حتى أنهم عملوا ببقية الفضة آنية لبيت الرب، كما نجد أن العبادة داخل البيت قامت مرَّة أخرى، بل واستمرت، «إذ كانوا يصعدون محرقات في بيت الرب دائمًا» (راجع 2أخ24: 10-14).

وكم نجد في كل هذا دروسًا هامة، نتحذَّر من بعضها ونتشجع من البعض الآخر.  ودعونا في المقام الأول ندرك أن لله قصدًا في أن يكون له شهادة على الأرض، وأننا بسبب قصورنا وضعفنا قد نخفق في تحقيق قصد الله، لكن وإن أخفقنا فدعونا ننظر من أين سقطنا ونتوب، ونصحح أنفسنا لنعود مرة أخرى كشهود أمناء للرب، حيث يرى فينا من تعب نفسه ويشبع، الذي له كل المجد.  


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com