عدد رقم 3 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مريم أم يسوع (3)  
                                                     
شركة حبية...وأفراح مقدسة
 
نواصل بنعمة الرب تأملاتنا في هذه الشخصية المُميزة في التاريخ المقدس، «مريم أم يسوع».  بعد أن تأملنا في العددين السابقين في النبوات التي سبقت عليها، والمشيئة الإلهية التي تحققت من خلالها، وتأملنا في المفاجأة التي أذهلتها باختيار الله لها لتكون العذراء التي يأتي منها المسيح حسب الجسد، وكيف استقبلت ذلك باتضاع مُميَّز.  ونواصل في هذا العدد تأملاتنا فيما تلا ذلك من أحداث وتحديدًا زيارتها التاريخية لنسيبتها أليصابات، حيث نقرأ: «فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟  فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ.  فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ.  صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ.  أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ.  أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ.  عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ. فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا» (لو1: 39-56).
--
شركة حبية
في الواقع إن العلاقة بين مريم وأليصابات تتجاوز علاقة "النسب" الجسدية التي جمعتهما.  فإنهما معًا وبصدق يمثلان نموذجًا للأمناء في أزمنة الفشل والخراب الروحي.  والواقع فإن الحالة الروحية والأدبية لشعب الله قبيل مجيء الرب الأول إلى العالم كانت متردية للغاية، مثلما هي الحالة اليوم تمامًا قبيل مجيئه الثاني الوشيك. ولكن لأن الله لا يترك نفسه بلا شاهد (أع 14: 17).  وفي سفر ملاخي كانت حالة الشعب الذين رجعوا من السبي إلى أورشليم منحطة للغاية، وحتى الكهنة احتقروا اسم الرب وأقوالهم اشتدت عليه، وفقدوا الشعور بمحبته وقداسته، ووسط هذا الفشل العام تظهر بقية أمينة يقال عنها: «حينئذ كلم متقوا الرب كل واحد قريبه وكل واحد صاحبه، والرب أصغى وسمع وكُتب أمامه سفر تذكرة للذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه» (ملا3: 16).  وقداستمرت هذه البقية حتى مجيء المسيح بالجسد.  فإن هناك قائمة معلنة في كلمة الله، وبالأخص في لوقا1، 2 ضمت 7 شخصيات أمينة لله في مشهد التردي والضعف.  وهم: يوسف ومريم، زكريا وأليصابات، يوحنا المعمدان، وسمعان البار وحنة النبية بنت فنوئيل.  فيالها من شركة حبية جمعت هاتين الأختين تجاوزت علاقات القربى لما هو أعمق: علاقة المركز الصحيح (شعب الله) والحالة الروحية الصحيحة (التقوى والأمانة).  لقد جمعهما إيمان مشترك ربطهما بالله قدوس إسرائيل.  كما أنهما آمنتا بأن يكون لهما ولد بطريقة معجزية كل على قياس حالتها: أليصابات بعد تقدم عمرها والمطوبة مريم دون زرع بشر من الأساس بولادة عذراوية فريدة.  ونرى في هذا تشجيعًا وتعليمًا أحبائي الشباب، التشجيع هو أنه في كل عصر وجيل يمكننا أن نجد من الأحباء من نسعد برفقتهم والشركة الحبية معهم على أساس روحي متين وبتوافق فكري تقوي يحب الرب، وبالأخص عندما تتشابه الظروف والأحداث.  أما التعليم فهو أهمية وضرورة اعتبار دائرة الشركة التي يجب أن نتحرك فيها عبادة وخدمة وكل شيء، وكيف يجب أن تكون دائرة تقوية وصحيحة نتبع فيها الرب يسوع مع الذين يدعونه من قلب نقي.  إن كلاً منهما كانت بركة للأخرى طوال هذه الفترة ولا شك والتي امتدت لثلاثة أشهر كاملة.
لم تحتمل مريم أن تحتفظ بفرحتها لنفسها فأسرعت إلى أليصابات، التي يقينًا شاركتها هي الأخرى بفرحتها وهي حبلى بيوحنا المعمدان.  وقد قيل حقًا إن الشركة الأخوية تضاعف الأفراح إذ نتقاسمها، وتفرق الأحزان إذ نتشاركها «فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ» (رو12: 15).
***
أفراح مقدسة
يقينًا إن واحدًا من أكثر أسباب الفرح لدى المرأة هو أن تعلم بأنها حبلى، وأنها بصدد أن تكون واسطة لإتيان إنسان جديد إلى العالم يفرح به الأهل والأصدقاء ويكون إضافة حقيقية لجيله ومجتمعه، وهي بركة عظيمة وبالأخص بمقاييس العهد القديم آنذاك.  «أُمَّ أَوْلاَدٍ فَرْحَانَةً» (مز113: 9).  يقول الكتاب إن المرأة عندما تحين ساعتها لتلد وتشتد عليها آلام المخاض، ما يجعلها تحتمل هو السعادة المرتقبة بالوليد الجديد.  وعندما تتم الولادة بسلام تنسى كل آلامها وأحزانها تمامًا! (يو16: 31).  وإن كان هذا يصدق بالتأكيد على أليصابات، ومن بعدها المطوبة مريم بحسب الترتيب التاريخي لولادتهما، إلا أن هناك بعدًا روحيًا عميقًا وعظيمًا يضاعف الأفراح ويجعلها بحق أفراحًا مقدسة.
فالأولى – أليصابات – كانت حبلى من زكريا بيوحنا المعمدان، آخر أنبياء العهد القديم بعد فترة صمتت فيها السماء عن الإعلان وغاب فيها الأنبياء لمدة أكثر من أربعمائة سنة.  وليكون المعمدان سفير الملك، بل وأعظم المولودين من بين النساء بحسب كلام الرب نفسه! (مت11:11).
والثانية – المطوبة مريم موضوع تأملنا – فكانت حبلى من الروح القدس بأعظم من عرفه التاريخ قاطبة: يسوع مخلص العالم!
حقًا إننا لا نتزوج لمجرد الزواج.  ولا ننجب لمجرد حبنا في الأولاد ليحملوا أسماءنا ويكملوا مسيرتنا من بعدنا، ولكننا نفعل هذا وذاك في المقام الأول لتعظيم وتمجيد الله، والشهادة لاسمه الغالي الكريم.  وهذا ما يجعل أفراحهما مقدسة ليسعدنا دائمًا التأمل فيها بفرح وشكر عظيم.  ترى إلى أي مدى يفكر أحبائي الشبان والشابات في هذه الأغراض السامية والصحيحة عند الارتباط أو عند ولادة الأولاد؟ وإلى أي مدى تفرح الأمهات (والآباء بالطبع) بأولادهم على أساس روحي مثلما نرى هنا؟ بل وإلي أي مدى نجتهد في تربيتهم لينشأوا للرب بكل معنى الكلمة ويتركوا في جيلهم شهادة إيجابية مؤثرة لا يمحوها الزمن؟
وما أجمل موسيقى المحبة والتقدير والفرح في كلمات أليصابات لمريم عندما امتلأت تلك بالروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت أجمل الكلمات (لو1: 41-45).  وما أجمل تسبحة مريم ردًا على كلمات أليصابات، تلك التسبحة التي فيها تعظم ربها وإلهها، وتبتهج به كمخلصها (لو1: 46-55).  لقد فاض قلبها بالكلام الصالح عن الله وتغنت عن عظمته وخلاصه، وأنه ينظر إلى المتضعين، ويصنع عظائم واسمه قدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه، وأنه أمين من جهة مواعيده.  هذا يرينا معدن هذه الشخصية الرائعة التي استقرت عليها عين القدير بكل الرضى.  يا ليت كل لقاءاتنا المشتركة: أخوات أو إخوة تكون بمثل هذه الصورة الروحية المنعشة نتيجة امتلائنا بالروح القدس.
أحبائي:
هل لنا بشركة كهذه مع القديسين أساسها المسيح والشهادة لاسمه؟  إنها أعظم لحظات الفرح الروحي العميق التي لنا كواحة ظليلة في البرية القاحلة، وهي عربون حقيقي لأفراحنا معًا بالحبيب برفقة جميع القديسين والأفاضل في المجد عن قريب وقريب جدًا.
 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com