عدد رقم 5 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
العمل الزمني كمجال لربح النفوس  

إنجيل مرقس الإصحاح الخامس يسرد الروح القدس واحدة من أروع قصص الخلاص.  قصة خلاص مجنون كورة الجدرين, هذا الشخص الذي كان يسكن القبور, وكان دائمًا، ليلاً ونهارًا، يصيح ويُجرٍِّح نفسه بالحجارة.  ولم يقدر واحد أن يربطه ولا بسلاسل, فكان يؤذي نفسه والآخرين أيضًا.  ولكن حدثت المعجزة وتقابل مع الرب يسوع فأنقذه من سُلطان الظلمة, ورَدَّ إليه عقله، وأصبح: لابسًا وعاقلاً, وجالسًا عند قدمي يسوع.

هذا تقريبًا نفس ما حدث معي, فقد كنت أعيش حياة فارغة بلا معنى, هي الموت بعينه.  لا أُفكِّر سوى في نفسي ورغباتي, ولا أعمل سوى ما يحسن في عيني في انفصال تام عن الله.  وكلما كنت ألهث في طريق إسعاد نفسي لإرضائها، كنت أكتشف أني أكثر تعاسة, وأكثر جوعًا للسعادة والفرح.

لكن وصل إليَّ السيد الحبيب، وفي نعمته خلّصني وملأ فراغ قلبي بشخصه الحبيب.  ومن أول يوم سمعت صوته الحلو يقول لي: ”إذهب إلى بيتك, وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع بك الرب ورحمك“.  وبسبب طبيعة عملي كصيدلي, كنت أقضي حوالي 9 ساعات يوميًا في عملي, ولأن قلبي كان يضطرم بالفرح والحماس, كنت أُريد أن أوصِّل الأخبار السارة لكل الناس. 

كان أول وأقرب أشخاص أتعامل معهم هم العاملين معي في الصيدلية, فبدأت أتكلم معهم عن الرب يسوع.  وفي هذا الوقت كنت كل ما أعرفه أن الرب يسوع يُحب الخطاة مهما كانت حالتهم, ويُخلِّص من يأتي إليه، خلاصًا حقيقيًا, ويضمن له السماء أبديًا, ويُحرره من الخطية ومن سلطان إبليس زمنيًا.  وبدأت أتكلم مع المساعدين الذين يعملون معي في الصيدلية, وكان عددهم حوالي 6 أفراد, وكان رد فعلهم جميعًا هو التعجب الشديد.  وكنت أرى في عيونهم تساؤل ”ماذا حدث له؟!  لقد كان آخر ما يُفكر فيه هو الكلام عن الرب, أو أي شيء يخصه“.  فكان منهم من قابل كلامي بسخرية, ومنهم من قاوم هذا الكلام بشدة على أساس أنه كلام غريب عن كل ما نسمعه في الكنيسة التقليدية التي كنا ننتمي إليها جميعًا.

لكن الرب الحبيب - في نعمته - أراد أن يُفرح قلبي بحصاد لم أتعب فيه.  فكانت من بين العاملين فتاة في حوالي العشرين من عمرها, وكانت أكثرهم سخرية وتهكّمًا على ما أقوله، وبالذات على موضوع الضمان الأبدي وعدم هلاك المؤمن.  ولكن بعد فترة، وعندما وجدَتْني مُستمرًا في الكلام عن محبة الرب يسوع للخطاة, بدأت تقترب مني للتساؤل عن هذا الحب, وعن شروطه، وهل هناك خطايا مُعيّنة تجعل الرب يسوع يرفض الخاطي.  فقرأت معها قصة المرأة الخاطئة في لوقا 7, وشرحت لها أن الناس الذين لهم صورة التقوى كالفريسي هم الذين يرفضون الخطاة, أما الرب الحبيب فلا توجد شروط لمحبته أو لقبوله، بل إنه جاء خصيصًا ليُخلص أشرَّ الخطاة. 

فبَدَأت من هذا الوقت تحكي لي قصتها التي يُمكن أن نُلخصها في أنها عاشت طوال حياتها القصيرة تبحث عن شخص يقبلها، ويحبها كما هيَّ.  كانت والدتها قد توفيت منذ طفولتها المبكرة, وتزوَّج والدها بأخرى, وأنجب لها إخوة غير أشقاء وانشغل بهم تمامًا عنها.  وكانت زوجة أبيها تُشعِرها دائمًا بأنها غريبة في المنزل، بل إنها غير مرغوب فيها.  لذلك أخذت تبحث عن الحب والتقدير، عند أشخاص آخرين، وبالطبع لم تجد سوى الاستغلال والطمع حتى اقتربت من الضياع.  لكن الراعي الصالح وجد خروفه الضال في الوقت المُناسب، ولمس قلبها فتغيّرت حياتها تمامًا.  وفي خلال أشهر قليلة كانت قد قطعت كل علاقة لها بالماضي، وأصبحت إنسانة جديدة تمامًا؛ تقرأ الكتاب المقدس بانتظام, بل وتحفظ مقاطعًا كاملة, وليس مُجرد آيات، عن ظهر قلب, وتتكلم عن الرب مع صديقاتها, وأهل بيتها وكل من تتقابل معه.  أكرمها الرب بزوج عرف الرب عن طريقها, وتختبر كل يوم أن سلامها وسعادتها هي في الشركة مع الرب وفي حضوره في بيتها.  وكم أستمتع بزيارة هذا المنزل الذي أسّسه الرب يسوع، ونفرح جميعًا بدراسة كلمة الله والاستمتاع بفرص الصلاة معًا.

لم يكن العاملون معي فقط هم الذين استخدمني الرب لتوصيل البشارة المفرحة لهم, لكن كان هناك صيادلة يأتون إليََّ ليتدربوا في الصيدلية.  وهؤلاء كنت أعتبر نفسي مسؤولاً لا عن تدريبهم فقط على العمل الزمني, بل عن تقديم رسالة الإنجيل الواضحة البسيطة لهم. 

وفي أحد الأيام توسِّط أحد العاملين معي من أجل أن يأتي بأحد طلاب كلية الصيدلة ليتدرب في الصيدلية.  وفي اليوم المحدد أتى هذا الشاب ليبدأ التدريب معي، وكانت مُفاجأة مُزعجة لي, فقد وجدت نفسي أمام شخص ذو منظر شاذ بكل معنى الكلمة.  كان شعره يتدلى خلفه ويُغطي ياقة قميصه، وكان قميصه مفتوحًا يُظهر قِلادة غليظة تتدلى من عنقه، وكانت هناك واحدة أخرى تُحيط بمعصمه.  كان منظره مُستفزًًا لي ولجميع العاملين معي، بل وحتى عُملاء الصيدلية كانوا يتعجبون من وجود شخص بهذا المظهر في الصيدلية.  لذلك كان حُكمي المتسرع إني ينبغي أن أجد أي سبب للإعتذار له، حتى يترك الصيدلية بأسرع وقت.  وبالطبع، في جهل وغباء شديدين، حكمت أني ينبغي ألا أتحدث معه عن الرب، لأنني اعتقدت أنه آخر من يُمكن أن يستجيب لي.  وفي اليوم الذي قرّرت فيه أن أعتذر له، وجدته صامتًا حزينًا لا يُريد حتى أن يقوم بأي عمل في الصيدلية.  فبدأت لأول مرة أتحدث معه بمودة، وفوجئت بِكَمِّ التعاسة والبؤس الذي يعيش فيه حتى أنه قال لي إنه يفكِّر في الانتحار؛ لأنه يشعر أنه لا يستحق الحياة، بل ولا يستحق الأسرة التي يعيش فيها.  ففي الحال بدأت أتحدث معه عن محبة الله، وقبوله له، وعن دم المسيح الذي يُطهِّر من كل خطية مهما كانت حالة الخاطي الذي يذهب إليه، وعن التغيير الذي أحدثه الرب في حياتي وشخصيتي.  في البداية كان ردّ فعله عجيبًا؛ فقد فاجأني بالقول: ”هل أنت متأكد أنك لا تعيش في الأوهام؟“.  وعندما رأى أنني أتكلم بمنتهى اليقين بدأ يتناقش، بل وبدأنا نقرأ معًا أجزاء من كلمة الله ونتحاور فيها. 

ويومًا بعد يوم أخذت تظهر عليه علامات الحياة الجديدة.  وبدون أن أتكلم معه كلمة واحدة عن مظهره، أخذ يفاجئني كل يوم بتغيير عجيب.  جاء يوم وقد قَصَّ شعره تمامًا، فلما سألته عن السبب قال: ”إن الكتاب يقول في رسالة كورنثوس الأولى 11: 14 «أَمْ لَيْسَتِ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟»“.  وفي يوم آخر وجدته وقد خلع كل ما كان يرتديه من ذهب، وقال لي: ”إن كان الرسول بولس يوصي الأخوات ألا تكون زينتهن الزينة الخارجية, فبالأولى الإخوة“.  وهكذا كان الرب كل يوم يعمل في قلبه، يُشكِّل في شخصيته بطريقة عجيبة.  وهو الآن، بعد سنوات قليلة في الإيمان، ما زال يتقدّم روحيًا، وبدأ يخبر ”كم صنع به الرب ورحمه“ في بيته وفي عمله الذي رتّبه له الرب.

والآن، وبعد سنوات من معرفتي للرب، فقد أكرمني الرب بأن كل أسرتي تقريبًا أصبحوا من المؤمنين الحقيقيين, وكذلك خمسة من العاملين معي لمس الرب قلوبهم فصاروا شهادة في وسط عائلاتهم.

ولا يفوتني بالطبع أن أشهد عن البركة الفائضة التي أغدقها الرب الحبيب عليَّ.  فإن النجاح الذي أتمتع به في عملي اليوم، والذي يشهد عنه كل العاملين معي, بل وحتى مندوبي الشركات الذين يتعاملون معي؛ لم أُصادفه عندما كنت أعيش بدون الرب أعمل بكل طاقتي من أجل النجاح والتفوق في عملي.  بل وأصبح من أحب الأوقات وأكثرها متعة إلى نفسي هو وقت العمل الذي من خلاله أشهد للرب وأستمتع برؤية عمله في النفوس.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com