عدد رقم 5 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نصائح شيطانية  

عزيزي علقم:
يمكنني القول إن اقتراحاتك البلهاء التي تضمّنتها رسالتك الأخيرة لي، تشعرني بالخطر، بل وتجعلني أرى أنه قد حان الوقت جدًا لكي أكتب لك بالتفصيل عن هذا الموضوع المؤلم لنا؛ ألا وهو موضوع الصلاة.
وربما تذكر تعليقك على نصيحتي التي قدمتها لك بخصوص صلاة مريضك من أجل أمه، إذ قلت عنها بالنص إنها:”أثبتت فشلها“!  لقد تعجبت من جرأتك هذه!  إذ لا يليق أبدًا أن تكون هذه هي اللغة التي يكتب بها شخص إلى عمه، ولا يليق أن تكون هذه هي اللغة التي يستعملها مجرِّب صغير مثلك في مخاطبة نائب رئيس القسم الذي يعمل به.  والأخطر إنها تكشف عن رغبة عندك تزعجني بشدة، ألا وهي أن تتنصل من تحمل مسؤولياتك في عملك.  لذلك أرى أنك تحتاج بشدة أن تتعلم كيف أنه من المحتَّم عليك أن تدفع ثمن أخطائك وتقصيراتك، لا أن تُرجع أسباب فشلك إلى الآخرين.
وبخصوص هذا الموضوع المؤلم لنا، ألا وهو موضوع الصلاة، فإن أفضل شيء هو أن تمنع مريضك من أي نية جادة للصلاة في أي مجال، ما دام هذا ممكنًا.  وعندما يكون المريض ليس بشخص صغير السن، وقد انتقل حديثًا لمعسكر العدو، كما في حالة مريضك، فإن أفضل الوسائل لتحقيق هذا هو أن تشجِّعه دائمًا على أن يتذكر، أو تجعله يعتقد أنه يتذكر، طريقة صلاته وهو بعد طفل، حيث كانت صلاته عبارة عن ترديد عبارات محفوظة كالببغاوات.  وكردّ فعل عنيف ضد هذا النوع من الصلوات المحفوظة، سيرغب بشدة في نموذج آخر للصلاة يتناسب مع وضعه الجديد كشخص بالغ، يكون فيه تلقائيًا وصلاته غير طقسية بل ارتجالية وغير مرتَّبة.  وهذا الاقتناع عند شخص حديث ومبتديء في معسكر العدو، سيجعله يعتقد أن عليه أن يبذل الجهد ليخلق في نفسه ”مزاج تأملي“، أي حالة من التأمل والروحانية التي لا دور فيها على الإطلاق للتركيز الحقيقي على استخدام العقل والإرادة.  وقد قال واحد من شعرائهم وهو كوليردج: ”أنه لا يصلي بتحريك الشفاه وانحناء الركب؛ لكن فقط بأن يمزج روحه بالحب ويغرق في حالة الابتهال“.  هذا هو بالضبط نوع الصلاة الذي نريده.  وحيث أنه يحمل وجهًا من الشبه، ولو سطحيًا، مع صلاة الصمت الهادئة التي يمارسها هؤلاء الذين قطعوا شوطًا بعيدًا في خدمة العدو، فإن مرضانا الكسالى سيُخدعوا بهذا النوع لفترة معقولة جدًا. 
وبالإضافة إلى هذا يمكن إقناعهم بأن الوضع الجسماني في الصلاة ليس له أي تأثير على صلاتهم، هذا لأنهم دائمًا ينسون، ما يجب أن تتذكّره أنت دائمًا، أنهم ليسوا كائنات روحية فقط، لكنهم أيضًا كائنات نفسجسدية.  وبالتالي يجهلون أن ما تفعله أجسامهم له تأثير على نفوسهم.  وإنه من المثير للسخرية أن هؤلاء الموتى دائمًا ما يصوّروننا على أننا نضع أفكارًا معيّنة في أذهانهم، مع أن الواقع هو أن أعظم عمل نؤديه هو أن نمنع وصول أفكار معينة إلى أذهانهم.
أما إذا فشلت هذه الخطة في منعه عن الصلاة الحقيقية، فعليك أن تلجأ إلى الإضلال الخفي لنيّاته، فأنت تعلم أنه بمجرد ما يلتقي الواحد منهم بالعدو نفسه تمَّت هزيمتنا في الحال.  لذلك هناك عدة طرق لمنعهم من هذا، أبسطها أن تحول نظرهم من التركيز عليه إلى التركيز على أنفسهم.  اجعلهم يصبّون تركيزهم على أذهانهم، بهدف أن يخلقوا في أنفسهم مشاعر وأحاسيس بإرادتهم الذاتية.  فمثلاً عندما ينوون أن يطلبوا منه المحبة للآخرين؛ اجعلهم، بدلاً من الطلب منه، يجتهدوا في تصنيع وخلق مشاعر المحبة بأنفسهم في أنفسهم، دون أن يلاحظوا أنهم هم الذين يفعلونها لأنفسهم.  وعندما ينوون أن يطلبوا لأجل الشجاعة، اجعلهم يجاهدون لكي يشعروا بأنهم فعلاً شجعان.  وعندما يقولون إنهم يصلّون من أجل الغفران، اجعلهم يحاولون أن يشعروا بأنهم قد غُفِرَ لهم.  علِّمهم أن يقيسوا قيمة كل صلاة بنجاحهم في إنتاج الإحساس المطلوب، ولا تدعهم أبدًا يفكِّرون أن النجاح والفشل في إنتاج هذه الإحاسيس يعتمد على عوامل أخرى كثيرة، كحالتهم الصحية إذا كانوا مرهقين أم مستريحين في وقت الصلاة على سبيل المثال.
وبالطبع لن يقف العدو مكتوف الأيدي، فحيثما توجد صلاة هناك خطر تدخله الفوري لحسابهم.  ومن الأمور التي تثير غيظنا وتؤلمنا، أنه غير مميِّز لعظمة مركزه ولا لنا كأرواح خالصة، وبمجرد ما يرى أحد هذا الكائنات الحيوانية راكع على ركبتيه يسرع بطريقة غريبة تشعرنا بالخزي والعار، ويسكب في هذا الراكع أعظم شيء، ألا وهو الاستنارة، والتي تقود المصلّي إلى معرفة حقيقة نفسه. 
لكن مع هذا، وحتى إن نجح العدو في أن يحطِّم محاولاتك هذه في التوجيه الخاطئ لنيّات هذا المصلي، يبقى هناك سلاح أكثر خداعًا!
تذكر أن هؤلاء البشر لا يبدأون علاقتهم به بهذا الاستقبال المباشر لحضوره، والذي من أخطر آثاره كشف وتعرية النفس!  هذا الحضور الذي - للأسف الشديد - لا نستطيع نحن أن نهرب منه أو نتجنبه!  إنهم لم يروا قَطّ هذا البهاء المرعب الذي له، ولا هذا الضياء الخارق والطاعن لنا، والذي يمثِّل الخلفية الدائمة لعذابنا وآلامنا كل حياتنا. 
فإذا فحصت ذهن مريضك وهو يصلّي لن تجد شيئًا من ذلك، وإذا فحصت الغرض الذي يتجه إليه بصلاته ستجده يتجه إلى شخص كوَّنه هو في ذهنه، عبارة عن خليط من عناصر شاذة وسخيفة تمامًا.  فستجد بعض العناصر مأخوذة من بعض صور العدو التي ظهر فيها في تلك الفترة المشئومة، والتي تُعرف بفترة التجسد، وقد تجد بعضها صور غامضة مرّات تصوره قاسيًا ومرات ترسمه طفلاً!  وقد تجد بعض الصور المرتبطة بالأقنومين الآخرين.  وأحيانا قد تجده يجسِّد بعضًا من مشاعره الخاصة عن الاحترام مع بعض الأحاسيس الجسمية المصاحبة لها، ويرى فيها شخصية الغرض الذي يحترمه ويجله!!  وأنا أعرف بعض الحالات التي وصل فيها الشخص إلى أن ما يدعوه إلهه؛ هو شيء ما يحدق فيه في الكورنر الشمالي من سقف حجرة نومه!!  أو شيء ما موجود داخل ذهنه، أو في صورة المصلوب المعلّقة على الحائط أمامه. 
لكن على أي حال، ومهما كانت طبيعة العناصر التي يتكون منها هذا الخليط الذي يعتبره هو أنه الغرض الذي يتجه إليه في صلاته، احتفظ به دائمًا مصلّيًا لهذا الغرض.  أي احتفظ به مصلّيًا للشيء الذي صنعه هو، بدلاً من الصلاة للشخص الذي صنعه (أي للخالق الذي صنع المصلي)!  بل ويمكنك أن تشجِّعه على أن يعلِّق أهمية كبيرة على مسألة تصحيح وتطوير صورة هذا الخليط الذي صنعه، مع اجتهادك أن تحتفظ بهذا الخليط دائمًا أمام عينيه طوال فترة صلاته.  هذا وعليك أن تعلم أنه إذا استطاع مرة واحدة أن يميِّز، وتمكَّن من أن يوجِّه صلاته بوعي قائلاً له: ”إني أصلي لا لما أعتقد أنك تكونه، بل لما أنت تعلم أنك تكونه“، سيكون موقفنا في هذه اللحظة سيء لأبعد حد.  بل نكون قد خسرنا المعركة تمامًا.  إنه بمجرد ما يطوح بعيدًا بكل صوره وأفكاره هذه، أو إذا ظل يحتفظ بها؛ يحتفظ بها لكن مع وعي وإدراك كامل لطبيعتها الذاتية، أي أنها إنتاجه هو الذاتي، سيحدث ما لا يمكن حسبانه. 
إنه بمجرد ما يتعلم كيف يسلِّم نفسه تمامًا للحضور الإلهي غير المرئي، لكن الواقعي جدًا، والخارج عنه، أي الذي ليس مجرد شعور نابع منه؛ هذا الحضور الإلهي الحال معه في الغرفة، والذي لا يمكن أن يعرفه بقدر ما هو معروف منه ومكشوف لديه، عندئذ سيحدث ما لا يمكن حسبانه. 
ولكي ما تتجنب حدوث هذا الموقف، أي التعرية الحقيقية للنفس في الصلاة وكشفها في نور محضر الله، عليك أن تلجأ لاستعمال هذه الحقيقة أن البشر أنفسهم لا يحبونها كما يعتقدون أنهم يحبونها!  هم لا يدركون أن قيمة هذا الشيء تفوق جدًا هذا الذي يفاصلون للحصول عليه.
عمك المحب
الملتوي
(ترجمة: ماهر صموئيل)

* هذا المقال مترجم من كتاب The Screwtape Letters  للكاتب والمفكر المسيحي المشهور  س. إس. لويس يعرض فيه هذا المفكر العظيم حيل الشيطان في حربه مع البشر، مؤمنين وخطاة، في صورة خطابات يرسلها شيطان قديم لشيطان صغير يعلمه فيها الشيطنة.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com