عدد رقم 5 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المرأة العاملة وماذا يقول الكتاب؟  

«ماذا يقول الكتاب؟».. عبارة رائعة، تهم كل امرأة مؤمنة، في وقت كثرت فيه الأقوال؛ حيث يؤيِّد البعض - رجالاً ونساءً - وجوب عمل المرأة، والبعض الآخر يعارض، ولكن إذا كان يهمنا بالحقيقة رأي الرب، الذي هو دستور حياتنا، فلنعد إلى سؤالنا: ماذا يقول الكتاب؟

في البداية أحب أن أوضِّح أن موضوعنا هذا لا يناقش وجوب أيهما، لأن وجوبه من عدمه يتحدَّد بظروف كل عائلة على حدة، وإنما فقط نحن نتساءل ما إذا كان في المكتوب ما يؤيِّد أو ما يعارض مشاركة المرأة الرجل في العمل.

من بداية الخليقة نستطيع أن نفهم فكر الله من جهة المرأة «وقال الرب الإله: ليس جيدًا أن يكون آدم وحده؛ فأصنع له معينًا نظيره» (تك2: 18).  إنها ليست ”رفيقًا نظيره“، ولكنها «معينًا».  بالنسبة لكل المخلوقات - طيورًا أو زحَّافات - كان لكل مخلوق ذكر، مخلوقًا مثيلاً من الأنثى، ولكن الله خلق لآدم - ليس مثيلاً فقط - ولكن معينًا أيضًا.

إنها كلمة واسعة المدى، المرأة معين لزوجها: نفسيًا، عاطفيًا، فكريًا،...

إنها عضدٌ له في كل ظروفه.  عندما تضيق مسالكه، تتسع له السبل برفقتها، وعندما تتلبَّد سماؤه بالغيوم، تنقشع له السحب بابتسامتها.  كلمات قليلة مملَّحة بملح، ومعاونة صغيرة مغلَّفة بالمحبة، كفيلة أن تمنح الرجل قوة وصلابة ومثابرة كثيرة.

ولكن هل هذه المعاونة تتلخص في كلمات وابتسامات فقط ولا تتعداها إذا لزم الأمر؟

بالطبع لا!

هل معاونة
المرأة لرجلها
تتلخص في كلمات وابتسامات فقط
ولا تتعداها
إذا لزم الأمر؟

فالمشاعر الحقيقية تتبرهن بالعمل، بالتعب، بالتضحية..  ذلك التعب وتلك التضحية التي يستحقها المرء في سبيل سعادة المحبوب.

حدَّثنا الكتاب عن المرأة الفاضلة.. هي امرأة عاملة، ولكنه يقدِّمها لنا بأنها «فاضلة»، ونادرة، «وثمنها يفوق اللآلئ».  لماذا؟  لأن مبدأها في الحياة يتلخص في هذا الشعار الجميل: «تصنع له (أي لزوجها) خيرًا لا شرًا كل أيام حياتها» (أم31: 12).

مبدؤها، وهدفها، وغايتها التي تسعى إليها هي صنع الخير لزوجها (ع23)، وأولادها وفتياتها (ع15، 28)، ولكل بيتها (ع15، 27)، وللفقير المسكين (ع20).  ولكي تصل إلى هذه الغاية النبيلة هي مستعدة للتضحية.  هل يعيقها الليل؟  وهل تقعدها راحتها؟  كلا.  بل تقوم لتعطي أكلاً لأهل بيتها، وفريضة لفتياتها، بثمر يديها تغرس كرمًا.  أي أنها تعبت وربحت، ومن تعب يديها أخذت حقلاً وغرسته كرمًا، لقد خرجت من بيتها لتغرس الكرم، وخرجت أيضًا من بيتها لعرض مناطق على الكنعاني، وفي النهاية حصلت على مكافأتها وربحت تجارتها «أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها أعمالها في الأبواب» (ع30).

ليُذكِّرنا خروج المرأة الفاضلة للعمل والبيع والشراء بامرأة أخرى كانت تبيع الأرجوان في مدينة «فيلبي».  لقد خرجت من مدينتها «ثياتيرا» التي تبعد أكثر من خمسين ميل عن مدينة «فيلبي» لتبيع الأرجوان، وكانت امرأة فاضلة بالحق، استغلت إمكانياتها المادية التي حصلت عليها باجتهادها، في استضافة الرُّسُل وإكرامهم.

ولكن يقفز إلى أذهاننا سؤال في غاية الأهمية:

إلى أي حد أصرف من الوقت ومن الجهد في العمل؟

الإجابة على هذا السؤال تدعونا لأن نتخيَّل رسمًا بيانيًا لمنحنى.. تستطيعي أن تقدِّمي وتعملي وتبذلي إلى الحد الذي فيه يظل المنحنى مستمرًا في الارتفاع، أما إذا بدأ، أو ظهر أنه سيبدأ في الهبوط؛ فعليك أن تراجعي مقدار ما تبذليه من جهد وما تصرفينه من وقت.

وقد تسألي: وكيف أعرف أنه سيبدأ في الهبوط؟

عليك أن تُرتِّبي أولويَّاتك وتحسبي المكسب والخسارة.

هل الجهد الذي أبذله والوقت الذي أصرفه حقَّق ربحًا حقيقيًا لأهل بيتي؟

وأقصد كلمة ”حقيقيًا“ ليس الربح المادي فقط، والذي قد يتيح للأبناء فرصة مأكل ومشرب وتعليم أفضل، وإنما أقصد به مجمل ما يستعيده أهل بيتي ومجمل ما يفقدونه: روحيًا وزمنيًا ونفسيًا وأدبيًا، وهكذا أحسب الربح والخسارة.

والحقيقة أنه لكل أسرة ظروفها الخاصة التي تجعل المرأة الحكيمة الثاقبة البصيرة تستطيع أن تقدِّر تقديرًا دقيقًا مقدار مكسبها أو خسارتها، واضعة الأمور الروحية والنفسية في أولويات حساباتها.  بحيث لا يكون هناك تقصيرٌ في تلبية الاحتياجات النفسية والأدبية والرعاية الروحية والمعيشية لزوجها ولأولادها.

وإذ نتابع منحنى المكسب والخسارة، فإننا لا يمكن أن نتجاهل أن مشاركة المرأة في كسب العيش ورفع مستوى المعيشة سيكون له آثارًا إيجابية ملموسة على مستوى تعليم الأولاد وعلى نفسيَّاتهم، حيث لا يشعرون بالقلّة وصغر النفس بين زملائهم، بما يتيح لهم المشاركة في الرحلات المدرسية والمؤتمرات الروحية، ما يصل بهم إلى شخصيات اجتماعية سوية خالية من العقد النفسية المدمرة، كما يتيح لهم فرص النمو الجسدي الصحيح.

جانب عظيم الأهمية تحبه المرأة المؤمنة من خروجها للعمل؛ ألا وهو الشهادة للآخرين، هي في الحقيقة فرصة ذهبية لكل امرأة مؤمنة تعمل

جانب آخر عظيم الأهمية تحبه المرأة المؤمنة من خروجها للعمل؛ ألا وهو الشهادة للآخرين، هي في الحقيقة فرصة ذهبية لكل امرأة مؤمنة تعمل، هي فرصة لا تعوَّض لإظهار صفات المسيح في تصرُّفاتها من وداعة ولُطف وتضحية وخدمة بلا مقابل، هي مجال رائع للحديث عن الرب وعن فدائه وعن الخلاص المجاني..  كل هذه الفرص النادرة تجدها المرأة العاملة في متناول يدها وبسهولة ويُسر بالغين.  أضف إلى هذا ما تجنيه المرأة العاملة من خبرة في الحياة، واتساع أُفق وقدرة على اتخاذ القرار، وما تكتسبه من حكمة ناتجة عن معاملات كثيرة مع شخصيات كثيرة ومتنوعة.

كل هذا له تأثير إيجابي على أولادها وعلى تنشئتهم تنشئة سليمة وصحيحة مستخدمة كل ما حصَّلته من خبرة وحكمة اكتسبتها من عملها لخير بيتها وأولادها.

غير أنه لا بد أن يواجهها في هذه المسألة سؤال هام وهو:

ألا يسبب العمل إرهاقًا بدنيًا للمرأة يؤثِّر سلبًا على أعصابها وبالتالي -سلبًا أيضًا - على زوجها وأولادها؟

وإجابة على هذا السؤال فإن أفضل طريقة لحل المشكلتين السابقتين هو تنظيم الوقت.

قد تستيقظ الأم مبكِّرة ويمر بخاطرها كل مسؤوليات اليوم فتشعر بالارتباك الذي يؤثر حتمًا على أعصابها.  ولكن بخبرة الكثيرات من السيدات العاملات، فإن تنظيم الوقت وجدولته جدولة دقيقة، يحل هذه المشاكل في سهولة ويُسر بالجدولة الزمنية الدقيقة التي تتيح لكِ ترتيب الأولويات بحيث تستطيعين الاستغناء عن بعض الأمور غير الهامة وتأجيلها ليوم آخر أقل ازدحامًا من هذا اليوم.

عندما تضعين هذا الجدول الزمني الدقيق تستطيعين - بأعصاب هادئة - أن تتمتعي بوقت الخلوة دون اضطراب، ثم تباشري أعمالك كلها بنفس هادئة مطمئنة، لأن كل المسؤوليات صغيرها - زمنيًا - أو كبيرها لها وقتها المناسب لها، حتى ولو اضطررت إلى إغلاق وسائل الاتصال بعض الوقت لكي يستمر جدولك في مواعيده المحددة.

وأخيرًا - عزيزتي القارئة - أتمنى لك حياة عاملة شاهدة لمجد الرب، كما أتمنى لك أسرة سعيدة هانئة بحكمتك وتضحيتك ومحبتك.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com