عدد رقم 2 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المطوبة مريم (8)  

                               

مشاركة إيجابية.. ونصيحة غالية

نواصل أحبائي تأملاتنا في حياة تلك المرأة الفاضلة التي انطبقت عليها كلمات الحكيم بالوحي «بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلاً، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا» (أم31: 29)، وأعني بها المطوبة مريم "أم يسوع".  ونتوقف في هذا العدد عند مشهد جميل مرتبط بأولى آيات السيد له المجد بعد خروجه للخدمة الجهارية، وهي معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل الذي شرفه الرب يسوع بحضوره برفقة تلاميذه، والمطوبة مريم حسبما نقرأ في إنجيل يوحنا والأصحاح الثاني: «وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ.  وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ.  قَالَ لَهَا يَسُوعُ: مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟  لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ.  قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ. وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً.  قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً.   فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ. فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا، دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!  هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ» (يو2: 1-11).  ويمكننا أن نتتبع فكرتين ظهرتا في حياتها هنا وهما:

أولاً: مشاركة إيجابية

لقد دعي يسوع وتلاميذه إلى ذلك العرس ونحن لا نعلم هل كان أحد العروسين - أو كليهما – يرتبط بقرابة جسدية مع المطوبة مريم التي حضرت العرس كذلك أم لا، لكن المؤكد أنها شاركت، وهي روح طيبة ولا شك، «فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ» (رو12: 15).  فالأفراح تتضاعف بالمشاركة تمامًا مثلما تتوزع الأحزان بالمشاطرة، وهذه إحدى بركات العائلة؛ ليس فقط العائلة الجسدية الزمنية، بل بالأولي كثيرًا العائلة الروحية الأبدية، عائلة الله نفسه.

على أن مشاركتها الإيجابية لم تنحصر في مجرد حضورها بالجسد، مثلما يفعل الكثيرون، ولعلهم يمثلون "غالبية المعازيم" كما هي العادة، لمجرد مجاملة اجتماعية أو تأدية واجب، التقصير في أدائه يعتبر عيبًا عند أهل الشرق منذ القديم وحتى اليوم.  لكنها عندما تعرض العُرس لمشكلة إذ فرغت الخمر، والتي هي حسب تقاليد هذا المجتمع في ذلك الزمان تمثل "الشربات" في الأفراح، وهي مشكلة محرجة لأصحاب العُرس والأهل بالأساس قطعًا، تحملت مسئوليتها، وشاركت بإيجابية في محاولة إيجاد مخرج من هذا المأزق ولتمر الأزمة بسلام ولا تصبح مشكلة تكدر صفو الأفراح.  فماذا فعلت؟  لجأت إلى الرب له المجد مباشرة قائلة له في كلمات موجزة: «ليس لهم خمر» (ع3).  ويا له من تصرف نعتبره هو التصرف الايجابي الحكيم الوحيد الذي على كل منا أن يعمله عندما تظهر في الأفق مشكلة، نشعر بحساسية روحية أنها قد تسبب أزمة في عائلة الله وستكدر الصفو وتعطل الأفراح، وهو اللجوء المباشر والسريع والاتكال الكامل علي الرب يسوع.  في ثقة كاملة بعدم كفاءتنا لحل أبسط أزمة كأعقد أزمة، وفي يقين تام بكفاءة السيد وحكمته وتدخله، الذي ليس فقط يعيد الأمور إلى نصابها وبسرعة، بل وإلى أفضل مما كانت عليه.  لقد أعلمته بالأمر وطرحت المشكلة أمامه، وتركت له حرية التصرف.  وهذا ما يجب أن نفعله، «لتُعلم طلباتكم لدى الله» (في4: 6)، ونثق أنه سيتدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.  وهذا ما فعله الرب في هذا الموقف عندما شهد الحاضرون بأن العريس قد أبقى الخمر الجيدة للآخر!  فيا ليتنا نكون إيجابيين حقًا ولكن بنفس طريقتها الحكيمة!

ثانيًا: نصيحة غالية

رد الرب على المطوبة أمه قائلاً «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ (يا سيدة يا فاضلة – بحسب المعنى الأصلي)، لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ» (ع4).  والرب في خدمته لم يسمح لأحد أن يتدخل في مساره وقراراته.  فهو له المجد له توقيت محدد من قِبل الآب حسب مشيئته يسر ليس فقط بأن يفعل الصواب، الصواب الذي يريده الآب، بطريقة السماء، ولكن في التوقيت الإلهي المضبوط دون إسراع أو إبطاء، ويا له من درس لجميعنا.  وإزاء رد الرب له المجد، لم تدخل معه في نقاش أو جدال، ليس فقط لأن الموقف لا يتحمل ذلك، ولكن لأنها فهمت منه ورأت فيه منذ صباه أنه ينبغي أن يكون فيما لأبيه (لو2) ووثقت أنه دائمًا يكون على صواب، وهو أكثر حكمة من كل تقديراتنا مهما بدت صحيحة أو منطقية: اجتماعيًا أو حتى روحيًا!  لذلك قالت للخدام جملة نعتبرها قولاً ذهبيًا سطره الوحي بأحرف من نور بواسطة رسول المحبة المرتبط بهذه العائلة "يوحنا البشير"، تمثل نصيحة غالية لكل خادم للمسيح لكي يتبعها :«مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» (ع5) يا للعجب! يا للبساطة، ويا للثقة، ويا للاتكال.. يا للقوة، ويا للإيجاز في آن واحد!!  صدقت أيتها المطوبة بين النساء وفي جميع الأجيال: مهما قال لنا علينا أن نفعله سواء فهمنا أبعاده وقتها أم لا؛ سواء أدركنا الحكمة كلها من وراء ما قال أو بعضها.  كم نستريح ونهدأ، كم نفلح وننجح، كم تنفك عقد وتُحل أزمات، كم نريح ونستريح، كم نربح ونفوز عندما نفعل كل ما قاله لنا، ومهما قال لنا! 

وهذا ما حدث حرفيًا عندما طلب الرب من الخُدام طلبًا بدا غريبًا: أن يملأوا الأجران ماء عاديًا، بدا وكأنه أمر لا علاقة له مطلقًا بنفاد الخمر، إلا أنه له المجد سرعان ما حوله إلى خمر وهو الخالق الذي اختصر عمليات تحضير عصير الكرمة واختمارها لتتم في لحظة واحدة وينقذ العُرس وتستمر الأفراح بل وتعلو نغماتها مع هذه الخمر الجيدة التي أُبقيت للآخر.  وما على الخُدام سوى أن يقدموا الماء (كلمة الله) والرب وحده هو القادر أن يستخدمها لسعادة وبركة وفرح شعبه، وهذا هو المدلول الروحي للخمر.

وجدير بكل عروسين يتهيآن لبداية تكوين بيت جديد أن يحرصا منذ اللحظة الأولى أن يدعوا الرب يسوع إلى عرسهما، بل وإلى حياتهما وإلى بيتهما، ومعه يتواجد القديسون الذين في الأرض والأفاضل، الذين بإيجابياتهم وحكمتهم، بروحانيتهم وخبرتهم بالسيد حتمًا سيساعدوننا على تخطي صعاب من المتوقع أن تواجهنا في حياتنا وفي بيوتنا وتعطل أفراحنا.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com