عدد رقم 2 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ليلة الهروب (الرفض)  


(مت2: 13-23)

   أنه لأمر خطير جدًا أن الناس لا يقبلون المسيح مع أنهم في أشد الحاجة إليه.  هذه هي الحالة دائمًا في كل زمان ومكان.  وشهادة المجوس لهيرودس قد أثبتت صدق هذه الحقيقة منذ بداية تاريخ تجسد ابن الله، حيث كان مرفوضًا، ولهذا نقرأ القول في الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا: «كان في العالم، وكُوِّن العالم به ولم يعرفه العالم.  إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله» (يو1: 10، 11).  لقد أعطى الروح القدس شهادة عن المسيح مُقدمًا إياه للناس، فماذا كانت النتيجة؟ «لما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه».  والكتاب يقول: «هذه هي الدينونة أن النور جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة» (يو3: 19).  إن رفض المسيح المخلص هو علة هلاك أي إنسان، فمهما كانت حالته، له رجاء إذا آمن بالمسيح ورجع بالتوبة إلى الله.

   كان يجب أن هؤلاء الناس يفرحون عند سماعهم هذه الأخبار.  وهذا ما قاله الملاك للرعاة في ليلة ميلاده: «ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب» (لو2: 10).  وعندما سأل المجوس السؤال: «أين هو؟» أما كان ينبغي أن توجد عندهم رغبة ليعرفوا أين هو، ومن هو؟  لكن يا للأسف! لم يكونوا مستعدين لقبوله، بل كان لديهم الاستعداد لأن يقولوا: «لا نريد أن هذا يملك علينا» (لو19: 14).  المسيح المرفوض يعني أنه غير مرغوب فيه.  وهذه الحقيقة المحزنة ظهرت منذ ميلاده، على الرغم من حاجة البشرية إليه.  فلا هيرودس ولا الكتبة ولا الشعب في ذلك الحين كانوا يريدونه.  دعني أسألك أيها القارئ العزيز: هل تعرف طريقة لتعكير صفو حفلة عالمية يشترك فيها مسيحيون بالإسم؟  اذهب في وسطهم وتكلم عن المسيح.  ستكتشف أنه غير مرغوب فيه، سيقولون لك: إنك لا تحسن اختيار الوقت أو المكان الذي تقول فيه هذه الكلمات.  إن العالم لن يتوفر له وقت أو مكان لأجل المسيح، وإذا لم يتوفر للخاطي وقت للمسيح فهذا معناه أنه ليس لديه مكان للمسيح.

   إذا كنت لم تقبل المسيح بعد، دعني أقول لك: إنك يومًا ستحتاج أشد الحاجة إليه ولكنك لن تناله، ستتلهف على الاقتراب منه كالمخلص، ولكنك لن تحصل على الخلاص، إذ يكون الوقت قد مضى، وأُغلق الباب.  ودعني أسألك: هل الأخبار عن المسيح تزعجك الآن؟ إذًا فأنت مثل هيرودس.  يا ليتك تضطرب بخصوص نفسك الخالدة، ثم تسأل من كل قلبك: ماذا أفعل لكي أخلص؟ (أع16)، وفي هذه الحالة يجدر بك أن تصغي إلى الكتاب المقدس.  لقد أصغى هيرودس إلى الكتاب ليس لكي يخلص، بل في انزعاجه جمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم: أين يولد المسيح؟ فقالوا له: «في بيت لحم اليهودية».  فعندما تريد معلومات ثابتة صحيحة عليك بالرجوع إلى الكتاب المقدس فهو الحق.  وحتى هيرودس الفاجر كان عليه أن يستقي معلوماته منه.

   أيها الشاب العزيز: تمسك بالكتاب ولا تسمح للمسيحيين بالإسم، حتى وإن كانوا أساتذة في اللاهوت، أن يحرموك أو يشككوك في الكتاب المقدس، أو حتى في حرف واحد منه.  وكل ما يبدو صعبًا سيكون أكثر جمالاً عند فهمه الفهم الصحيح.  وهناك فرق عظيم بين ما يقوله الله وما يقوله الناس حتى لو كانوا فلاسفة.

   هيرودس، ككل الخطاة، عندما حصل على المعلومات استغلها استغلالاً سيئًا.  «حينئذ دعا هيرودس المجوس سرًا وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر، ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي.  ومتى وجدتموه فأخبروني لكي آتي أنا أيضًا وأسجد له».  ولم يكن هيرودس يفكر في هذا، وإنما هي كلمات الخداع على شفتيه.  لقد وضع قلبه على القتل وليس على السجود.  فقد أرسل وقتل جميع الأطفال في بيت لحم وكل تخومها من ابن سنتين فما دون.  هكذا بلغت الكراهية والرفض للمسيح عندما سمع أنه وُلد.  أما المجوس، فبعد أن رأوا الطفل يسوع، لم يرجعوا إلى هيرودس بل أُوحي إليهم أن ينصرفوا إلى بلادهم من طريق آخر.  

   وفي ذات الليلة رأى يوسف حُلمًا وتلقى تحذيرًا من الله قائلاً: «قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى أرض مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه» (مت2: 13).  فقام وأخذ الصبي وأمه ليلاً وانصرف إلى مصر.  إنه مشهد ليلي حدثت فيه رحلة الهروب.  ولماذا مصر؟  ليتم الكتاب القائل: «من مصر دعوت ابني» (هو11: 1).  لقد سار المسيح الطريق الذي عبر فيه شعب إسرائيل من مصر إلى كنعان وفشل.  وقد بدأ هو، تبارك اسمه، ذلك الطريق من مصر عائدًا إلى أرض إسرائيل بعد أن مات هيرودس.  وبعد ذلك نراه في الأردن الذي عبره الشعب قديمًا، ثم نجده في البرية أربعين يومًا يُجرَّب من إبليس، مُظهرًا منتهى الطاعة والكمال، بعكس ما أظهره إسرائيل من عناد وتذمر وفساد لمدة أربعين سنة في البرية.  لقد مجد الله، وكانت مسرة الرب بيده تنجح في كل مراحل حياته.

   أما ما فعله هيرودس من قتل الأطفال فكان تحقيقًا للنبوة «راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين» (إر31: 15).  ونحن نتذكر أن راحيل ماتت ودُفنت في طريق أفراتة التي هي بيت لحم (تك35: 19).  وقبرها كان في تخم بنيامين (1صم10: 2)، وكانت بيت لحم تتبع سبط يهوذا الملاصق لبنيامين.

   وبعد أن مات هيرودس «إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلاً: قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين يطلبون نفس الصبي. ولكن لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية عوضًا عن هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك.  وإذ أُوحي إليه في حلم ... أتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة.  لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيُدعى ناصريًا».  وهذا التعبير لا نجده حرفيًا في العهد القديم، وإنما الكلمة تعني "غصن" وهذا يتكرر كثيرًا عن المسيح في النبوات.  كانت الناصرة في الجليل هي المدينة المحتقرة التي تربى فيها شخص الرب يسوع المسيح.  ولقد تساءل نثنائيل قائلاً: «أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟» (يو1: 46).  نعم لقد خرج منها هذا الغصن المثمر، ولكنه للأسف كان مرفوضًا وغير مرغوب فيه.  ومع أنه عمل بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيره، لكنهم رأوا، وأبغضوه كما أبغضوا الآب الذي أرسله (يو15: 24).  وفي مجمع الناصرة، في أول عظة له، حاولوا أن يقتلوه بأن أخذوه إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم موضوعة عليه وأرادوا أن يطرحوه إلى أسفل.  أما هو فاجتاز في وسطهم ومضى (لو4: 29، 30).

   إنه لا يزال المخلص المرفوض.  ولكن أيها الصديق العزيز: ما هو موقفك منه؟ هل قبلته مخلصًا شخصيًا لك؟ وهل هو الرب والسيد الوحيد على حياتك؟  إنه على استعداد أن يقبل أشر الخطاة ويغفر لهم خطاياهم إذا قبلوه ورجعوا بالتوبة الحقيقية والإيمان القلبي له، متغاضيًا عن أزمنة الجهل.  أما الذي يُصر على رفض ابن الله فاليوم قادم الذي فيه سيدين كل من رفضوه بالعدل، وما أرهب الوقوف في موقف المُدان.  فهل تتصالح معه الآن؟

        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com