عدد رقم 2 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المسيح شفيعنا  


«إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار» (1يو2: 1)

   إن الكلمة ”باراكليتوس“ المترجمة هنا ”شفيع“ استخدمت فقط في يو14، يو16، وهنا في 1يو2: 1.  في يو 14، 16 تشير إلى الروح القدس ومترجمة ”معزي“.  والحاشية في ترجمة داربي تقول إن الكلمة تعني شخصًا يحمل على عاتقه قضية شخص آخر ويعينه.  وقد ترجمت في 1يو2: 1 بكلمة ”شفيع أو محامي“.  إن الرب يسوع الآن يباشر هذه الخدمة في السماء لأجلنا.  وهو لا يباشرها أمام الله، لأنه من جهة الله فإن قضيتنا قد حُسمت تمامًا في الصليب الذي ضمن لنا علاقة أبدية مع الله، لكنه يباشرها أمام الآب.  «شفيع عند الآب»، وفي هذا دليل على بقاء مركزنا كأولاد.  هنا نجد خدمة الرب يسوع لنا بالنظر إلى الخطايا التي نقع فيها كل يوم كمؤمنين.  إنه شفيعنا عند الآب عندما نخطئ.  وهو لا يصير شفيعنا فقط عندما نتوب ونعترف بخطايانا، كلا.  إنه في اللحظة التي فيها نخطئ، هو شفيعنا في السماء، إذ هو يمثلنا أمام الآب في كل كماله وبره، ويضمن ثبات مركزنا هناك. 

   ومن هو هذا الشفيع؟ إنه «يسوع المسيح البار»، الذي يصل إلى مقياس بر الآب تمامًا، وفي نفس الوقت هو بري، وأنا فيه (1كو1: 30).  لكن ليس ذلك فقط، فقد أكمل عملاً تام الكمال حتى أنه ليس فقط كفارة لخطايانا، بل كفارة لكل العالم أيضًا.  وهكذا سواء من جهة شخصه أو من جهة عمله هو مقبول تمامًا أمام الآب.  وهذا القبول لا ينقص شيئًا وهو يمارس خدمته كشفيعي عندما أخطئ.  لأنه «كما هو هكذا نحن أيضًا في هذا العالم» (1يو4: 17).  لكن الغفران الأبوي نناله فقط بعد الاعتراف.  لذلك فإن الجزء الثاني من خدمة الرب يسوع كشفيعنا هو أنه يقودنا إلى الاعتراف بخطايانا والتوبة عنها.

   غسل الأرجل:

   في تلك الليلة التي أُسلم الرب فيها، بدأ هذه الخدمة بطريقة رمزية بعمل رمزي.  كان راغبًا في وضع ورسم عشاء الرب، علامة الشركة معه؛ شركة المخلص الذي مات مع كل أعضاء جسده: شركة دم المسيح وشركة جسد المسيح (1كو10: 16، 17).  لكن كيف يمكن أن توجد شركة بين تلاميذ قد تدنسوا عمليًا، وسيد قد مات لكي يبطل الخطية!  هذا لا يُنتج سوى الدينونة للشخص الذي قد تدنس (1كو11: 26 – 32).

   وهكذا مع كمال سموه الشخصي، ولكن بسبب محبته التي هي إلى المنتهى، أخذ السيد مكان عبد وغسل أرجل تلاميذه.  وقد استخدم الله عدم فهم بطرس (لأنه لم يفهم أن ما يفعله الرب دائمًا حسن، وأننا يجب أن نخضع على الدوام لما يفعله حتى لو لم نفهم ما هو صانع) لكي يوضح لنا معنى غسل الأرجل، وكان التلاميذ طاهرين لأنهم قد اغتسلوا تمامًا مرة واحدة، وهذا معنى قول الرب «الذي قد اغتسل (غسل الميلاد الثاني)، ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كله» (يو13: 10).  لكن إذا أرادوا أن يكون لهم نصيب معه، أي يستمتعوا بالشركة العملية معه، فيجب عليهم أن يتطهروا من النجاسات التي يتعرضون لها في سيرهم اليومي بواسطة ماء الكلمة (يو13: 8 – 11). 

   إنكار بطرس:

   تصف لنا الأناجيل كيف يباشر الرب عمليًا هذه الخدمة من نحونا.  ونجد هذا في قصة بطرس.  كان بطرس قد فقد شركته العملية مع الرب، وإن كان هو لم يعرف هذا.  عندما قال الرب لتلاميذه في ليلة آلامه: «كلكم تشكون فيَّ (أو تعثرون فيَّ) في هذه الليلة» (مت26: 31).  أجاب بطرس «وإن شك (أو عثر) فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا».  لقد صار واضحًا أن بطرس توقع شيئًا من ذاته.  نعم كان مقتنعًا أن محبته وأمانته للرب أعظم من أي شخص آخر.  وما كان ممكنًا لبطرس أن يقول هذا لو كان بالحقيقة متمتعًا بالشركة مع الرب.  حيث توجد الشركة فلا مكان للجسد أو للافتخار والثقة في الذات.  وقد استخدم الرب كلمات بطرس هذه لتحذيره، وأيضًا لكي يجعله يعرف أنه هو الرب الذي يحيط علمًا بكل شيء.  وكان لا بد أن يتذكر بطرس هذا عندما أنكر الرب.  وحينئذ كان يستطيع أن يتشجع بالتفكير أنه، رغم أن الرب قد عرف هذا، فهو لم يتبرأ منه ولا تحول عنه.  إنه لن يفعل ذلك أبدًا، فهو يعرف جبلتنا ويذكر أننا تراب نحن، ونستطيع أن نقول: «لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا» (مز103: 10)، وذلك ليس على حساب البر بل على أساس البر، لأن المسيح البار هو شفيعنا الذي يمثلنا ويضمن مركزنا، وهو كفارة لخطايانا، ولهذا فإننا نحظى بكل الرضى.  

   يا له من صلاح! ويا لها من نعمة! ويا لها من عناية! فقبل أن يخطئ بطرس كان الرب يصلي لأجله، ليس لكي يمنع الشيطان من تجربته، كلا.  لقد احتاج بطرس إلى هذه السقطة لكي يصل إلى معرفة  نفسه.  لذلك لم يطلب الرب أن يُعفَى بطرس من التجربة، لكن بالحري لكي لا يفنى إيمانه.  وحتى لا يستسلم بطرس لليأس بعد سقوطه، أعطاه الرب الآن، وقبل سقوطه، تكليفًا لما بعد رجوعه ورد نفسه لخدمة إخوته، إذ قال: «وأنت متى رجعت ثبت إخوتك» (لو22: 32).

   لكن هكذا كان بطرس مشغولاً بذاته، حتى ضميره لم يتأثر.  لا شك أنه قد تألم من تلك الكلمات التي وجهها الرب يسوع إليه شخصيًا في جثسيماني: «أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة» (مت26: 40)، ومع ذلك لم تقُده تلك الكلمات إلى الحكم على ذاته، ولا حتى حادثة هروبه وتركه الرب بمفرده يواجه أعداءه (مت26: 56)، وحتى عندما أنكر الرب، إذ ابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف الرجل.  هذا بطرس الذي قال: «أنت المسيح ابن الله الحي» (مت16: 16).  في كل هذا لم يرجع بطرس.  آه، ما أشد بؤس وتعاسة القلب البشري!  لكن يا للمحبة العجيبة، في تلك اللحظة، بينما كان الخدام يضربون الرب، ويلطمونه على وجهه الكريم ويبصقون عليه (مت26: 67)، «التفت الرب ونظر إلى بطرس» (لو22: 61).  إنه بسبب هذه النظرة، في تلك اللحظة، مع كلمات الرب التي أعادها صياح الديك إلى ذاكرته، انفتحت عينا بطرس فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرًا.

   رد النفس:

   لكن حتى مع هذا لم تكن خدمة الرب قد انتهت.  فبعد قيامته من الأموات كان أول شيء فعله الرب أنه أرسل رسالة فيها ذكر بطرس صراحة وعن قصد، «اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل» (مر16: 7).  وبعد هذا كانت له مقابلة خاصة معه (لو24: 34).  وأخيرًا بعد ذلك نجد تلك المقابلة التي كانت بالنسبة لبطرس مؤلمة جدًا، ومباركة جدًا في نفس الوقت.  تلك التي تمت على بحيرة طبرية (يو21). 

   أليس من الممكن أن نقول إن هذا الإذلال العلني لبطرس، الذي نقرأ عنه في يو 21 لم يعد لازمًا؟ ألا تظن أنه أمر غير محبب؟ لقد رجع بطرس إلى نفسه، أليس كذلك؟ وقد بكى بكاء مرًا، ألم يفعل ذلك؟ لكن الرب تبارك اسمه، الذي مع معرفته الكاملة للقلب البشري، له أيضًا المحبة الكاملة لخاصته، وهو يظهر ذلك بحكمة فائقة، عرف ما هو أفضل بالنسبة لبطرس.  وعندما وصل بطرس لدرجة الحكم على الذات، أي ليس يدين فقط فعله، لكنه يدين نفسه أيضًا، عندما قال: «يا رب: أنت تعلم كل شيء، أنت تعرف أني أحبك»، حينئذ أمكن للرب أن يرده تمامًا وأن يرسله ليرعى غنمه، وأن يطعم حملانه وغنمه.  هذه هي خدمة الرب كشفيعنا عند الآب.

   أين كنا نذهب إذا لم يكن هو كالشفيع لنا؟ إن كل فكرة خاطئة، وكل كلمة عاطلة، وكل عمل بالاستقلال عنه يقطع شركتنا.  ولا يمكن استعادة هذه الشركة إلا بالاعتراف بالخطية والحكم على الذات.

   إن هذا الشفيع يطلب لأجلي قبل أن أخطئ لكي لا يفنى إيماني.  إنه يتكلم إليَّ من خلال كلمته لكي يقودني للحكم على ذاتي قبل أن أرتكب فعلاً خاطئًا واحدًا.  إنه ينظر إليَّ في اللحظة المناسبة، ويستخدم كتبًا أقرأها أو ظروفًا أجتاز فيها.  نعم وقد يستخدم ديكًا إذا لزم الأمر، ليذكرني بكلمات سيدي الذي أحبني.  إنه يقودني إلى إدانة ذاتي والاعتراف بخطيتي والحزن المقدس الذي ينشئ توبة، حتى يمكنني أن أستعيد الشركة مع الآب ومع الابن.  إن الرب يسوع هو شفيعنا عند الآب، وهو لا يستريح إلا عندما يرد نفوسنا تمامًا، لكي يكون لنا نصيب معه في الشركة، أما نصيبنا فيه فلا يتعطل إطلاقًا، فهذا هو مقامنا الثابت.  ليتنا نسهر على حالة قلوبنا حتى لا تتعطل شركتنا معه ويكون فرحنا كاملاً.

        

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com