عدد رقم 2 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الإنجيل الأخلاقي (3)  


     فهمنا من المقال السابق أن هناك فريقين من المعلمين الذين ينادون بالإنجيل الأخلاقي، فريق رأى فيه وسيلة جذب سهلة لبعض الفئات نظرًا لكونه يبرز التميز الأخلاقي في تعاليم المسيح، وإن كان هذا ليس في حد ذاته خطأً، لكن الخطأ هو تصوير أن هذا هو الإنجيل، فإذا لم تأخذ مشكلة الخطية والحل الإلهي لها الصدارة فيما نقدمه للعالم، فإننا لم نقدم الإنجيل الحقيقي بعد الذي يتلخص في يسوع المسيح وإياه مصلوبًا(1كو2: 2).  أما الفريق الآخر فقد رأى أنه بتحسين أخلاقيات النظام العالمي سيؤمن الناس بالمسيح المخلص، وهكذا سيصبح العالم خاضعًا لمبادئ المسيح.  والخطأ في هذا هو عدم توخي الدقة في فهم الكلمة النبوية التي أعلنت أن النظام العالمي لن يتغير للأفضل على جميع المستويات بما في ذلك المستوى الأخلاقي، ولن يأتي اليوم الذي نرى فيه العالم، نتيجة الكرازة بالإنجيل، يعطي المسيح عرش السيادة عليه، لكن المسيح سيأخذ ملكه من الله (مز2: 7، 8؛ عب10: 12، 13) فيُجري القضاء على الأشرار أولاً ثم يملك على الأرض في العالم العتيد، وليس العالم الحاضر الشرير.

  على أنني – وكما ذكرت سابقًا – أرى أن هناك فريقًا ثالثًا، وهو الأكثر خطورة من الفريقين السابقين بكل المقاييس، وسأحاول أن أوضح البنيان الفكري لما يتبناه هذا الفريق بإيجاز كما يلي:

أولاً: إن الله مطلق المحبة والصلاح نحو الإنسان ولذا أكرمه بإرادة حرة بها يختار أن يقبل الدخول في العلاقة مع الله.

ثانيًا: كل ما يريده الله هو أن يدخل في علاقة مع الإنسان حتى تنطبع فيه محبته وصلاحه.

ثالثًا: إن هذه العلاقة من شأنها أن تُبعد الإنسان عن الخطية لأنها تُسبب له عواقب وخيمة.

رابعًا: الإنسان الذي يحب الإنسانية ويسعى دائمًا لفعل الخير هو يقينًا في علاقة حقيقية مع الله.

خامسًا: الله ليس إله ديانات أوعقائد أو شعوب بعينها، فإنه من غير المقبول أن نصور الله على أنه لا يقبل الإنسان إلا إذا كانت له عقيدة محددة أو إيمان مُعيَّن.   

   حسبما أفهم أن هذا هو المكون الأساسي لهذا البنيان الفكري، لكن دعونا نستعرض الآن ما يمكن أن يؤدي إليه – أو ما قد أدَّى إليه بالفعل – هذا الفكر:

  إن تصوير علاقة الله بالإنسان على أنها هي الهدف النهائي لكل شيء، وأن الإنسان يملك الإرادة الحرة في قبولها أو رفضها، يجعلني أتخيل أن الله كمن يرسل طلب صداقة للإنسان على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.  لقد اضطر البعض أن يخفي تعليم الاختيار أو يلوي معناه لأن ذلك الحق يعلمنا أن الإنسان لا يملك تلك الإرادة الحرة بعد السقوط إذ صار عبدًا للخطية، كما أن هذا الإنجيل (الأخلاقي) لا يتفهم مسألة أن الخطية لها جانب نحو الله، إذ أهانه الإنسان بفعلها بل وسلب حقوقه، ولا يرى المسيح وسيطًا وحيدًا بين الله والناس من خلال الإيمان به كمخلص، وقد يرى في المستقبل إن لم يكن قد رأى بالفعل، أن العذاب الأبدي في جهنم لا يمكن ان يكون حقيقة، لأن لو كان ذلك كذلك فسيكون الله في نظره شخصية معقدة نفسيًّا يجبر الإنسان قهرًا على أن يكون في علاقة معه ويهدده بالعقاب الأبدي إذا لم يقبل، وبطبيعة الحال لن يقبل فكرة أن يكون لله شعب أرضي اختاره وميَّزه وأمره بإبادة شعوب مُعينة في العهد القديم ليمتلك ميراثه الأرضي، وسيحكم الله العالم بالبر من خلاله في المستقبل، ولذا فقد اصطدم هذا الإنجيل كثيرًا بواحدة من أهم الحقائق الإيمانية وهي وحي الكتاب المقدس.

  أرجو أن تلاحظ معي عزيزي القارئ أن هذا الإنجيل لا يعتمد على أخطاء فكرية صريحة بقدر ما يعتمد على أنصاف الحقائق، وهذا هو مكمن الخطر، إننا بكل يقين نحتاج لتوبة حقيقية عن كل توجه خاطئ امتلك قلوبنا، لقد توهمنا أننا نعرف المكتوب جيدًا، والمتبقي لنا هو أن نحيا بما عرفناه ونكرز للناس به.  لم ننتبه أن الدوافع المقدسة لا تكفي وحدها لسد جميع الثغرات التي منها تدخل الثعالب الصغيرة، فكانت النتيجة أننا رمينا سلاحنا من أيدينا ونحن في ميدان المعركة، إنه من الطبيعي أن ننهزم شر هزيمة، وهذا هو حالنا الآن الذي لا بد من الاعتراف به.

     وسأحاول بنعمة الرب في المقال القادم أن أوضح المداخل التي دخلت منها الحية لترسخ أفكارها في أذهان الكثيرين مع بيان الفهم الكتابي الصحيح بشأن كل نقطة من النقاط المذكورة سابقًا.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com