عدد رقم 2 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لمسات الحنان والاقتدار  

   صنع الرب أعجب الآيات بأطيب اللمسات، ظهرت فيها القدرة الإلهية، وتدفق منها اللطف والحنان.  لم يكتفِ بكلمات النعمة التي تفوه بها، بل كانت له أيضًا لمسات رقيقة بيده الكريمة؛ أظهر بها مجده وقدرة يديه، كما أظهر بها رحمته ورقة قلبه.  حسنًا وصفته العروس حين قالت: « يَدَاهُ حَلْقَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، مُرَصَّعَتَانِ بِالزَّبَرْجَدِ» (نش5: 11).

    وقبل أن نتأمل في هذه المشاهد المجيدة، دعونا نتأمل قليلاً في دواعي ومعاني هذه الحاسة الهامة (اللمس).  بمجيء المسيح اقترب الله جدًا من الناس لأنه عمانوئيل الذي تفسيره " الله معنا".  عاش بين الناس؛ سار في شوارعهم ودخل بيوتهم وأكل معهم وعلَّمهم وعمل بينهم آيات وعجائب وقوات كثيرة.  ليس ذلك فقط لكنه لمسهم أيضًا، وأعطاهم فرصة أن يلمسوه.  فيالعظمة النعمة التي جعلت الله الظاهر في الجسد يقترب من الإنسان إلى هذا الحد!  قال الرسول يوحنا: «اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، ولَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ» (1يو1:1).

 

تأثير اللمسات الحانية

   اللمس عمومًا له تأثيره الكبير على الصغار والكبار، سواء في ظروف أليمة أو مناسبات سعيدة.  يمكننا أن نعبر عن مشاعرنا بعضنا البعض بالكلمات أو المراسلات والمكاتبات، لكن تبقى المقابلة الشخصية أقوى طرق المشاركة الوجدانية.  مثلاً: إن كان أحد أحبائك يمر بتجربة صعبة وواسيته بكلمات رقيقة سواء بالإتصال به أو الكتابة له، يقينًا ستكون مشاركتك له أكثر تأثيرًا إن قابلته وأمسكت بيده أو عانقته؟  فهذا ينقل نبض المشاعر بشكل أبلغ من أي كلام.

 

   أثناء الحرب العالمية الثانية لاحظ المسؤولون في أحد المستشفيات التي تأوي وتعالج أطفالاً يتامى في تلك الفترة العصيبة أن نسبة الوفيات في أحد عنابر المستشفى أقل بشكل واضح من بقية العنابر.  ذكر المسؤولون أن النظام الغذائي والعلاجي كان ثابتًا في كل المستشفى، لكنهم لاحظوا امرأة عجوز كانت تأتي لهذا العنبر تحتضن الأطفال وتقبَّلهم وتمسك بأيديهم.  واللمسات الرقيقة  كان لها تأثير كبير على أولئك الذين يعانون من الخوف والتوتر أو الاكتئاب النفسي.  فكم يكون إذًا تأثير لمسات الرب الحاني والقدير!   فاضت النعمة من قلبه وتدفقت في كلماته وفي لمساته.  وضع يديه على الأطفال وباركهم واحتضنهم بكل لطف وعطف، كما مد يد الإحسان للسقماء والبؤساء بل وأيضًا للمعتدين والعنفاء، وفي كل لمساته تجسد الحنان الإلهي.

 

1.    لمسة تطهر من النجاسة وترفع من الهوان 

«ولَمّا نَزَلَ مِنَ الجَبَلِ تبِعَتهُ جُموعٌ كثيرَةٌ. وإذا أبرَصُ قد جاءَ وسَجَدَ لهُ قائلاً: «يا سيِّدُ، إنْ أرَدتَ تقدِرْ أنْ تُطَهِّرَني».  فمَدَّ يَسوعُ يَدَهُ ولَمَسَهُ قائلاً: «أُريدُ، فاطهُرْ!».  ولِلوقتِ طَهُرَ بَرَصُهُ» ( مت 8: 1-4).  ما أعجب السيد وهو القدوس ينحني ليلمس المنجسين.  هذا الأبرص كان محرومًا من اللمس لأنه نجس، ومن يلمسه يتنجس.  وكان من الممكن أن يشفيه بكلمة، لكنه شفى نفسه المحرومة قبل أن يشفي جسده الأبرص.  كلنا نولد بُرص بالطبيعة، لأن البَرص يتكلم عن الخطية في نجاستها، وكل من يلوذ بالرب سيجد عنده الشفاء والحنان.  

2.    لمسة تشفي من الضعف وتشدد الكيان

«ولَمّا جاءَ يَسوعُ إلَى بَيتِ بُطرُسَ، رأى حَماتَهُ مَطروحَةً ومَحمومَةً، فلَمَسَ يَدَها فترَكَتها الحُمَّى، فقامَتْ وخَدَمَتهُمْ» (مت 8: 14-17).  يمكن أن يكون المؤمن متيقن أنه نال لمسة التطهير التي تضمن له الخلاص الأبدي، لكن تعطلت خدمته للآخرين بسبب حمى الولع بالمكاسب المادية أو حمى التسلية والترفيه أو حمى حب الظهور والشهرة.. الخ.   إنه يحتاج إلى لمسة السيد التي قد تتمثل في حدث يسمح به الرب لندرك أن مشاكلة العالم تفوِّت علينا أعظم الفرص لإكرامه من خلال خدمة قطيعه الغالي فنستفيق ونشفى ونقوم ونخدم إخوتنا بمحبة وتواضع واجتهاد. 

أثق يا سيدي أن يـــــــديك    تشفي في الأعماق الداء
تجبر كسري وتنزع يأسي   تمنـــــــــــــــــــــحن للقلب رجاء

 

3.    لمسة تفتح الآذان وتفك عقد اللسان

«... وجاءوا إليهِ بأصَمَّ أعقَدَ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَضَعَ يَدَهُ علَيهِ.  فأخَذَهُ مِنْ بَينِ الجَمعِ علَى ناحيَةٍ، ووضَعَ أصابِعَهُ في أُذُنَيهِ وتَفَلَ ولَمَسَ لسانَهُ، ورَفَعَ نَظَرَهُ نَحوَ السماءِ، وأنَّ وقالَ لهُ: «إفَّثا».  أيِ انفَتِحْ. ولِلوقتِ انفَتَحَتْ أُذناهُ، وانحَلَّ رِباطُ لسانِهِ، وتَكلَّمَ مُستَقيمًا» ( مر7: 31 -35).
هل تشعر عزيزي القارئ أنك لم تعد تسمع صوت الرب في حياتك بسبب الضجيج الذي حولك أو بسبب فتور علاقتك بالرب؟  هل تشعر أنك تجد صعوبة في أن تفتح فمك بالشكر والتسبيح للرب أو الشهادة عنه أمام الآخرين؟ إن كانت هذه هي حالتك، تجاوب مع الرب الذي يأخذك من بين مسببات الضجيج ومشغوليات الحياة؛ ليختلي بك.  عندما تنفرد مع الرب ستعطيه الفرصة أن يمس أذنيك ولسانك من جديد فتعود تسمع صوته في مخدعك وتتكلم مستقيمًا ( تكف عن الأحاديث الباطلة).  وضع الرب أصابعه في أذنيه ليسدها عن الأصوات الغريبة التي تشوش مسمعه ؛ أصوات وضجيج الأمور الدنيوية اللآهية.

 

4.    لمسة تشفي المشاعر وتضع حدًا للأحزان

«... فلَمّا اقتَرَبَ إلَى بابِ المدينةِ، إذا مَيتٌ مَحمولٌ، ابنٌ وحيدٌ لأُمِّهِ، وهي أرمَلَةٌ ... فلَمّا رآها الرَّبُّ تحَنَّنَ علَيها، وقالَ لها: «لا تبكي». ثُمَّ تقَدَّمَ ولَمَسَ النَّعشَ، فوَقَفَ الحامِلونَ. فقالَ: «أيُّها الشّابُّ، لكَ أقولُ: قُمْ!». فجَلَسَ المَيتُ وابتَدأَ يتَكلَّمُ، فدَفَعَهُ إلَى أُمِّهِ» (لو7 :11-16).

مشيئة الرب في حياتنا ألا نستسلم لأحزان وتجارب الحياة ونتركها تسلب تعزياتنا وتحني قلوبنا بل نفتح قلوبنا للتعزية.  تقدم الرب له المجد ولمس النعش قبل أن يقيم الميت، وكأنه  يريد أن يضع حدًا لموكب الأحزان حتى في قلب التجربة، قبل أن تأتي اللحظة السعيدة عندما يقيم الميت.  لمس النعش المحمول ( الشيء الذي كلما تركزت عليه الأنظار، سالت الدموع وازدادت حرقة القلوب).  الرب مستعد أن يلمس كل نبع للحزن في حياتك ويشفي القلب الكئيب ويضع حدًا للدمع السكيب. 

أتوق للمستك الشافية    أتوق لبسمتك الهانية
أتوق لنظرتك الحانية  تريح بها روحي العانية

 

5.    لمسة تعالج أخطاءنا وتقابل الإساءة بالإحسان

  «...فلَمّا رأى الّذينَ حَوْلهُ ما يكونُ، قالوا: «يا رَبُّ، أنَضرِبُ بالسَّيفِ؟».  وضَرَبَ واحِدٌ مِنهُمْ عَبدَ رَئيسِ الكهنةِ فقَطَعَ أُذنَهُ اليُمنَى.  فأجابَ يَسوعُ وقالَ: «دَعوا إلَى هذا!». ولَمَسَ أُذنَهُ وأبرأها» (لو 22: 49- 51).  أخطأ بطرس عندما فعل ذلك.  أسرع الرب بعلاج خطأ تلميذه، وأظهر الإحسان واللطف مع ملخس.  ربما في  وقت ضعف ولحظات غضب أخطأ واحد من المؤمنين وجرح شخصًا آخر بسيف النميمة الفاضحة أو الألفاظ الخارجة.  ربما جرح مشاعر فرد من العائلة أو زميل أو رئيس أو مرؤوس في عمله.  ما أقساها على نفوس الآخرين عندما تأتي الإساءة من المؤمنين المتوقع أن يكونوا ودعاء ولطفاء مثل سيدهم، وخاضعين حتى للسادة العنفاء.  إن كنت قد أسأت يومًا إلى أناس، في أوقات ضعفك، ولم تتيسر لك فرصة الاعتذار وطلب الصفح.  لا تنحني تحت ثقل الشعور بالذنب بل الجأ إلى الرب معترفًا بخطئك واطلب منه أن يمد يد اللطف والإحسان ويشفي مشاعر من أسأت إليهم سواء من بين إخوتك المؤمنين أو حتى الذين هم من خارج.

ربي يسوع

ما أطيب لمساتك الحانية والمقتدرة.

ما أجمل يديك وما أجودهما، دعنا بالحب نقبِّلهما.


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com