عدد رقم 5 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الله الذي يغلب الشر بالخير  

 (يشوع10 مع أفسس6)

    في الأصحاح العاشر من سفر يشوع تتجلّى قدرة الله على تحويل كل محاولات ومحاربات العدو، مهما كانت قوته وحيله، لخدمة مقاصده.  فهو دائمًا يستطيع أن يُخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة.

   هل بسبب كوْن الإنسان ضعيفًا وجاهلاً وفاشلاً، والعدو قويًا وماكرًا وخبيثًا، تفشل مقاصد الله من جهة الإنسان في المسيح؟ حاشا.  بالعكس، ما يفعله الشيطان بسماح من الله، مستغلاً أو مستخدمًا ضعف البشر وفساد الطبيعة الإنسانية، يحوّله الله في مقاصده إلى ما فيه مجده هو، وأيضًا ما فيه بركة الإنسان.  «أنتم قصدتم لي شرًا ولكن الله قصد به خيرًا» (تك50).  أي أن الله قصد بالشر خيرًا.  أمرٌ عجيبٌ في أعيننا، فالرب يستطيع أن يتمجّد في قمْع الشر وفي منع حدوثه، لكنه يتمجد أكثر كثيرًا في سماحه للشر بالدخول إلى مسرح الوجود، ثم إذ به يستخدم ذات الشر ليحقق مقاصده الإلهية للخير.  والمفروض أن أولاد الله ينهجون نفس المنهج.  في آخر رومية 12 يقول الرسول: «لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير».  

   أما في الأصحاح التاسع من سفر يشوع نجد العدو وقد نهج نفس منهج الحية، لأن العدو يعمل بمنهجين، بمنهج الحية أو بمنهج الأسد الزائر، وخطورته كالحية أشد وأردأ من خطورته كالأسد.  فماذا عمل العدو؟  كان هناك جماعة يسكنون في وسط إسرائيل هم الجبعونيون فاحتالوا على يشوع وشعب الله إذ ادّعوا أنهم يقيمون في مكان بعيد جدًا، وطلبوا من يشوع وشيوخ الشعب أن يحلفوا لهم بالرب الذي سمعوا عنه أن لا يضروهم.  وأخرجوا خبزهم الجاف الذي ادّعوا أنهم أخذوه سخنًا من بلادهم، وملابسهم وأحذيتهم المهلهلة من طول السفر... وبكل أسف أخذ يشوع وشيوخ إسرائيل من فم الرجال ومن زادهم، ولم يسألوا من فم الرب.  وبعد أن عقدوا معهم معاهدة صلح، اكتشفوا أنهم ساكنون في وسطهم، ثم بعد ذلك جعلهم يشوع محتطبي حطب ومُستقي ماءً للجماعة ولمذبح الرب.  هنا ظهر دور الإنسان في الفشل، ثم توالت الأحداث مرتبة من قِبل الرب وبسماحٍ منه.  اجتمع خمسة ملوك برئاسة أدوني صادق ملك أورشليم لكي يحاربوا جبعون لأنهم اصطلحوا مع إسرائيل.  وهنا استغاث الجبعونيون بإسرائيل لنجدتهم بمقتضى العهد الذي بينهم. واشتعلت الحرب وتدخل الله لنصرة إسرائيل على أولئك الملوك الخمسة واسترداد أرض الجبعونيين.  والمقصود هنا أن نفهم كيف يتدخل الله ليُحوّل حيلة العدو التي اقتنصت شعبه، لخيرهم وانتصارهم وبركتهم.

فقط أريد أن أعلّق على اسم واحد من أسماء هؤلاء الملوك الخمسة كمجرّد مثال يوضح لنا فكرة من أفكار الشيطان.  كما ذكرنا أن الشيطان جاء إلى يشوع والشيوخ كالحية في أمر الجبعونيين، أما في هذه الحرب فقد جاء كالأسد.

  ما معنى اسم أدوني صادق؟ أدوني تعني "سيد"، وصادق تعني "بر"، وأورشليم تعني "أساس السلام".  أمر عجيب! ملك أو رئيس أو أمير البر ويملك على أساس السلام.  كل هذه الروعة، ومع ذلك هو في حقيقته عدوّ.  كيف يكون ذلك؟  ذلك لأن الشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور، فلا عجب إن كان رسله يغيّرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح أي أنهم يقلدون رسل المسيح.  ونحن لا ننسى أبدًا أن ينّيس ويمبريس – كما ذُُُُكِر في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس – قاوما موسى أو قاوما الحق الإلهي مستخدمين وسيلة التقليد.. ألقى موسى عصاه فصارت حية، وألقوا هم عِصيّهم فصارت حيات.  وعند هذه النقطة يقع الكثيرون في مصيدة الشيطان عندما يُقلّد أعمال الله.  وهذا ما نراه في هذا المثال الذي أمامنا: عدو يطلق على نفسه اسم سيد البر المالك على أساس السلام، وهو بعيد كل البعد عن هذه الصفات.  هذه هي صفة العدو «الكذّاب وأبو الكذّاب».  لكن الجميل أن نلمح في هذا الأصحاح ذكر للجلجال ما لا يقل عن خمس مرات.  والدرس الروحي والأدبي من الجلجال هو الاتضاع والحكم على الجسد وإدانته.  نعم – لقد استفاد الشعبُ جيدًا من درس عاي.  لم يعد يخرج إلا من الجلجال وأيضًا كان يعود إلى الجلجال، لذلك كانت النصرة أكيدة وواضحة.  ونعرف من القصة أن الذين ماتوا بسبب الحجارة العظيمة من البَرَد التي ألقاها الرب عليهم من السماء كانوا أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل.

    إخوتي الأحباء نحن في حرب، والحرب تحتاج إلى رجال لابسين سلاح الله الكامل (أف6).  لكن فوق الكل ليكن لنا الاتكال الكامل والاستناد المتين على الله الذي لنا والذي معنا والذي بدونه نحن لا شيء، ولا نقدر أن نعمل شيئًا.  وجود الله معنا يعطينا الشجاعة الأدبية لنقف صامدين في وجه الحرب.

   عزيزي المؤمن إياك أن تتقدم خطوة واحدة وأنت غير متيقّن أن الله معك فيها.  لا تخرج ولا تتحرك من مكانك إلا إذا تأكّدت أن الله معك.  وطالما كان الله معك في طريقك، وطالما هو الذي أعطى الأمر، تقدّم بشجاعة ولا تخف، وسيقول لك كما قال ليشوع  «لا تخف لأني بيدك قد أسلمتهم».  لا حظ أنه لم يقل سأسْلمهم بل أسلمتهم.  أمر يقيني ومؤكد حتى لو لم يكن قد حدث فعلاً بعد، تمامًا كما جاء في رومية ص 8.  الذين دعاهم بررهم والذين بررهم مجدّهم، رغم أنهم لم يصلوا بعد للمجد، لكنه أمر يقيني مؤكّد ومقرر.

   أريد فقط أن أعلق على موضوع دوام الشمس والقمر، ليس لتأكيد توافق الكتاب مع العلم، فإني أؤمن أنه إذا توافق العلم مع الكتاب فهذا لمصلحة العلم وليس العكس.

   يقول الكتاب في عدد 12 «حينئذ كلم يشوع الرب....».  لاحظوا أن يشوع لم يكلّم الشمس لكنه كلّم خالق الشمس «... وقال أمام عيون بني إسرائيل: يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي أيّلون».  الأمر الجميل واللافت هنا أنه من المناسب أن يريد يشوع أن تدوم الشمس على جبعون حتى يدوم النهار ويتمم انتصاره، لكن لماذا يريد دوام القمر؟ هو في الواقع يقرر دوام القمر على وادي أيّلون كنتيجة أكيدة لدوام الشمس على جبعون ، وهنا نرى كيف سبق الوحي العلم، لأن الذي يتحرك ومطلوب منه الوقوف هو الأرض في دورانها حول نفسها، وليس الشمس أو القمر، وطالما دامت الشمس على جبعون فلا بد أن يدوم القمر على وادي أيّلون...عجيب الكتاب وعجيب إله الكتاب!

   وينتهي هذا الفصل باستدعاء يشوع لشيوخ الشعب ليضعوا أرجلهم على أعناق الملوك...«لا تخافوا ولا ترتعبوا ... تشددوا وتشجعوا لأنه هكذا يفعل الرب بجميع أعدائكم الذين يحاربونكم».  والرسول في آخر رسالة رومية يقول: «وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا».

   إذًا لنطمئن .. قد يكسب العدو إحدى الجولات، لكنه يقينًا سيخسر الحرب في النهاية، لأن الرب في مشيئته رتّب ودبّر كيف يحقق مقاصده حتى وإن كان الإنسان ضعيفًا ومسكينًا وفاشلاً في حد ذاته

   نعم لنا أعداء .. لكن لنتشدد ونتشجَّع لأن الرب قصد أن العدوّ ينهزم وأن يتمجّد هو في نصرتنا...آمين.

                                                                                      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com