عدد رقم 5 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
البقية في الأيام الأخيرة (5)  

             

مكايد العدو

بين دهاء الإغراء وشراسة العداء

نتابع ما قد بدأناه في هذه السلسلة من تأملات في البقية، حيث توقفنا المرة الماضية عند البقية في أيام زربابل وعزرا (عز1- 3) حيث رأينا التنبيه الروحي، والأولوية الصحيحة.

وفي هذا العدد سنتوقف أمام مكايد العدو المقاوم لله ولعمله، ولشعبه، بين مكر الحية ودهائها بالإغراء، وبين زمجرة الأسد وشراسته في المقاومة والعداء.  « وَلَمَّا سَمِعَ أَعْدَاءُ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ أَنَّ بَنِي السَّبْيِ يَبْنُونَ هَيْكَلاً لِلرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، تَقَدَّمُوا إِلَى زَرُبَّابَلَ وَرُؤُوسِ الآبَاءِ وَقَالُوا لَهُمْ: نَبْنِي مَعَكُمْ لأَنَّنَا نَظِيرَكُمْ نَطْلُبُ إِلهَكُمْ، وَلَهُ قَدْ ذَبَحْنَا مِنْ أَيَّامِ أَسَرْحَدُّونَ مَلِكِ أَشُّورَ الَّذِي أَصْعَدَنَا إِلَى هُنَا فَقَالَ لَهُمْ زَرُبَّابِلُ وَيَشُوعُ وَبَقِيَّةُ رُؤُوسِ آبَاءِ إِسْرَائِيلَ: لَيْسَ لَكُمْ وَلَنَا أَنْ نَبْنِيَ بَيْتًا لإِلهِنَا، وَلكِنَّنَا نَحْنُ وَحْدَنَا نَبْنِي لِلرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَنَا الْمَلِكُ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ وَكَانَ شَعْبُ الأَرْضِ يُرْخُونَ أَيْدِيَ شَعْبِ يَهُوذَا وَيُذْعِرُونَهُمْ عَنِ الْبِنَاءِ وَاسْتَأْجَرُوا ضِدَّهُمْ مُشِيرِينَ لِيُبْطِلُوا مَشُورَتَهُمْ كُلَّ أَيَّامِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ وَحَتَّى مُلْكِ دَارِيُوسَ مَلِكِ فَارِسَ وَفِي مُلْكِ أَحَشْوِيرُوشَ، فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِهِ، كَتَبُوا شَكْوَى عَلَى سُكَّانِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ» (عز4: 1- 6).

§- دهاء الإغراء:

كان أول رد فعل لأعداء يهوذا وبنيامين أنهم تقدموا إلى زربابل ورؤوس الآباء وقالوا لهم « نَبْنِي مَعَكُمْ لأَنَّنَا نَظِيرَكُمْ نَطْلُبُ إِلهَكُمْ ..... الخ».  لكن زربابل ويشوع وبقية رؤساء الشعب أجابوا بحسم « لَيْسَ لَكُمْ وَلَنَا أَنْ نَبْنِيَ بَيْتًا لإِلهِنَا .... إلخ».

الواقع أن الشيطان أول ما ظهر للإنسان في الجنة ظهر بمكر الحية وخداعها، فهو يأتي في صورة الصديق الذي يقدم النصيحة (المسمومة طبعًا) ويعرض خدماته (غير المشكورة بالتأكيد).

لقد استشعر هؤلاء الأعداء النية المخلصة والقوية لهذه البقية الأمينة الراجعة في بناء بيت الرب.  وربما بذكائهم استشعروا أيضًا أن يد الرب إلههم معهم.  فماذا عساهم فاعلون؟  ليس أفضل من التظاهر بالمساعدة، والاختلاط بهم بحجة أنهم عبدوا الرب من قبل، وهم سلالات مختلفة بالفعل حيث عبدت مزيجًا من الرب والوثنية كما نعرف من التاريخ، وبهذا يمكنهم لاحقًا السيطرة على هذه البقية عند استكمال مشروعهم. 

على أن حسم زربابل ويشوع والرؤساء كان عظيمًا وقاطعًا « لَيْسَ لَكُمْ وَلَنَا» .. وهذا حق.  فشعب الله شعب منفصل دينيًا وأدبيًا ..  إنه شعب يسكن وحده ومع الشعوب لا يُحسب.  ولا ينبغي له أن يُحسب لا من وجهة دينية ولا سياسية ولا اجتماعية ولا من أي نوع.

إن صداقة العالم مُلذة للجسد وممتعة للذات وتنال مدح البشر وتصفيق الجماهير وإعجابهم.  لكنها على النقيض التام من مبادئ الله القدوس.  حسنًا فعل عزرا ورجاله.  وحسنًا نفعل نحن اليوم نظيرهم إذ نحترس من اللفيف الذي يدخل وسطنا ليُدمرالشهادة من الداخل ويسيطر على الأتقياء الذين يبغون مجد الرب ويطلبونه من قلب نقي. 

§- شراسة العداء

أما وقد رُفض عرض الصداقة والوحدة والمساعدة، وفشل القناع الخادع لهؤلاء الأعداء في خداع البقية المتسلحة بمبادئ الله وأساسيات كلمته، فلم يتبق لهم سوى كشف القناع المزيف وإظهار حقيقة العداء بشراسة لتبَني إيقاف بناء بيت الرب بكل وسيلة ممكنة.  فنقرأ « وَكَانَ شَعْبُ الأَرْضِ يُرْخُونَ أَيْدِيَ شَعْبِ يَهُوذَا وَيُذْعِرُونَهُمْ عَنِ الْبِنَاءِ وَاسْتَأْجَرُوا ضِدَّهُمْ مُشِيرِينَ لِيُبْطِلُوا مَشُورَتَهُمْ كُلَّ أَيَّامِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ وَحَتَّى مُلْكِ دَارِيُوسَ مَلِكِ فَارِسَ وَفِي مُلْكِ أَحَشْوِيرُوشَ، فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِهِ، كَتَبُوا شَكْوَى عَلَى سُكَّانِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ» (عز4: 4- 6).  لاحظ:

Œ في أول مرحلة يرخون أيدي الشعب ويذعرونهم « إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ» (1بط5: 8).

‡ ثم في مرحلة ثانية استأجروا ضدهم مشيرين .. العدو يُهيج الناس الآخرين بكل وسيلة متاحة. 

Œ وفي مرحلة ثالثة كتبوا شكوى ضدهم .. والشيطان دائمًا هو « الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا» (رؤ 12: 10).

وهذا العداء رغم أنه أثّر مرحليًا في توقف البناء.  إلا أنه بالتدقيق في الأمر نكتشف أنه عداء سمح به الرب ليشكف تغيير حالة البقية أدبيًا وروحيًا، إذ أن الموضوع كان هو توقيف أولئك الرجال فلا تُبنى هذه المدينة (أي أورشليم) (ع21) وليس وقف بناء بيت الرب مثلما حدث (ع24) الأمر الذي يكشفه النبيان المعاصران للبقية الراجعة (حجي وزكريا).  فيقول في نبوة حجي مثلاً إن هذا الشعب قال إن الوقت لم يحن لبناء بيت الرب!!  لقد تبدلت الأولويات، وسبقت بيوتهم بيت الله في الأهمية ويا للخسارة!

أعزائي الشباب :المسيحية الإسمية اليوم تُسرع نحو وحدة غير مقدسة مع عقائد مختلفة تمهيدًا لبابل ما بعد الإختطاف (رؤ17، 18).  وعلينا أن نتمسك بما عندنا لئلا يأخذ أحد إكليلنا.  ولا تخدعنا مظاهر تعجب الجماهير أساسها التفريط في دقة اتباعنا لكلمة الله.  هذا من الجانب الأول.  أما على الجانب الآخر فلنحذر أن ترتخي أيدينا وتتبدل أولويات كنسية الله في حياتنا بحجة الفشل من الداخل أو كثرة المقاومة من الخارج.  فهذا وذاك يكشف ضعفنا الروحي الذي هو حقًا سبب تراجعنا وليس الآخرون لا من الداخل ولا من الخارج! 

وأخيرًا

نلاحظ أحبائي أن مكايد العدو التي رأيناها هنا، هي بعينها محتوى عدائه على مر القرون الطويلة.  فهو دأبه منذ الإنسان الأول في الجنة، مرورًا بشعب الله، بل وحتى مع ابن الله الذي جاءه أولاً في البرية كالحية وانتصر له المجد عليه بالمكتوب، ثم جاءه أخيرًا في البستان كأسد وانتصر عليه بالصلاة.

ووصولاً إلى مَكايده مع القديسين بطول عصر الكنيسة الممتدة اليوم لحوالي ألفي عام.  مضافًا إليها ظهوره في صورة ملاك نور. 

أما عن هذا العالم الشرير.  فهو ليس لديه لقديسي الله سوى الإغراء .. أو العداء .. نتذكر إبراهيم الذي انتصر على عداء الملوك المضادين للوط ابن اخيه ومن معه.  ثم انتصر لاحقًا على إغراءاتهم بأن يأخذ الأملاك.  (تك14) والإيمان ينتصر على كلا الأمرين.  ففي أول (تك 15) الأصحاح الذي نقرأ فيه لأول مرة في الكتاب المقدس عن الإيمان، نقرأ قول الرب الخالد لأبرام «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ (أو أنا أجرك ال) كَثِير جِدًّا» (تك15: 1).  وحسنًا قال أحد الأفاضل:

إن كان الله ترسك .. فالعالم كله لن يقوى عليك

وإن كان الله أجرك .. فالعالم كله لن يغريك

 «وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا» (1يو5: 4). 

 

                                                    يتبع

      

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com