عدد رقم 2 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لا تخشَ كوارث الزمن  

    الملك صدقيا  هو آخر ملوك يهوذا وقت السبي البابلي.  رغم أن معنى اسمه " بر يهوه " لكنه لم يصنع برًا  للرب بل عمل الشر في عينيه.  لم يكن تقيًا يخاف الرب كأبيه يوشيا، ولم يكن مفتريًا كأخيه يهوياقيم.  يوشيا الخائف الرب عندما قُرئ أمامه سفر الشريعة انكسر قلبه ومزق ثيابه واتضع أمام الرب، أما يهوياقيم لم يمزق ثيابه بل مزق السفر بمبراة الكاتب، ولم يحترق قلبه بل أحرق السفر بنار المدفأة.  لم يكن  صدقيا أفضل من أخيه يهوياقيم لكنه لم يصدق رسائل الرب المنذرة له على فم إرميا، بسبب مخاوفه الكثيرة.  كان ضعيف الشخصية؛ ينقاد بسهولة للأمور الطيبة كما ينزلق بسهولة في المؤامرات الشريرة.  كان سريع التأثر وكثير التوتر، تارة يرضخ لليهود الأشداء وتارة يسمع لرأي إرميا، مستعد دائمًا أن يسمع لأي جانب له قوة مؤثرة.  إن أردنا أن نلقبه بلقب يتناسب مع شخصيته فهو "الملك الوسواس".  كان دائمًا محاطًا بالهواجس والشك والتردد والخوف من كل نوع.

خاف صدقيا من الكلدانيين

   عدم طاعة الملك صدقيا لكلام الرب أن يستسلم لملك بابل، يرجع لخوفه الشديد من تلك الأمة المرهبة التي فاقت في قسوتها وحشية ذئاب سيبيريا وضراوة أسود أفريقيا.  كلما نما إليه خبرٌ عنهم تسلل الرعب إلى نفسه وارتعدت فرائصه، وكلما تصور سقوطه بين أيديهم ازداد فزعًا وارتجف قلبه،  لذلك لم يرد صدقيا أن يخضع لصوت الرب على فم إرميا وتأثر برأي رؤساء يهوذا .

خاف صدقيا من رؤساء الشعب

   عندما ثار الرؤساء على إرميا ثورتهم الظالمة الذين اتهموه بأنه يضعف عزيمة الشعب حتى لا يناضلوا ضد البابليين، فسلمه الملك لإرادتهم فأخذوه وطرحوه في الجب وغاص إرميا في الوحل.  لم يستحِ هذا الملك المغلوب على أمره أن يقول لهم: «هَا هُوَ بِيَدِكُمْ، لأَنَّ الْمَلِكَ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْكُمْ فِي شَيْءٍ».( إر38 : 5).  خاف الملك من الرؤساء لأنهم كانوا أشداء وهيبتهم  أقوى من هيبته وإرادتهم تغلب إرادته.  مع أنه يهاب إرميا ويريد أن يسمعه لكنه لم يخضع لصوت الرب بسبب الخوف وعدم الإيمان.  حتى بعد خروج إرميا من دار السجن، استدعاه صدقيا سرًا ليسأله وطلب منه أن لا يفشي إرميا سره  للرؤساء أو يكشف لهم عن مخاوف الملك، فلا يبدو أمامهم ضعيفًا أو خائفًا.

خاف صدقيا من الذين سقطوا في يد الغزاة

    عبَّر الملك عن هواجسه لإرميا، وأفصح  له عن خوف آخر فقال: «إِنِّي أَخَافُ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ قَدْ سَقَطُوا لِلْكَلْدَانِيِّينَ لِئَلاَّ يَدْفَعُونِي لِيَدِهِمْ فَيَزْدَرُوا بِي».  يا لكبرياء قلب الإنسان وغروره الباطل، أيخشى الملك أن تهتز صورته أمام رجال يهوذا؟ أمام اليهود الذين سقطوا في يد الكلدانيين، فخاف أن يزدروا به قائلين: ها هو الملك لم يستطع أن يصمد وقد صار عبدًا لنبوخذ نصر مثل باقي المسبيين.  قال له إرميا: إن سمعت للرب  سَيحسَن إليك أما إن أبيت فالذي يهزأ بك ليس الرجال بل حريم القصر الذين سيهزأن من جُبنك ويسخرن من ضعفك وسذاجتك « ..َإِنْ كُنْتَ تَأْبَى الْخُرُوجَ، فَهذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرَانِي الرَّبُّ إِيَّاهَا: هَا كُلُّ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي بَقِينَ فِي بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا، يُخْرَجْنَ إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ وَهُنَّ يَقُلْنَ: قَدْ خَدَعَكَ وَقَدِرَ عَلَيْكَ مُسَالِمُوكَ.  غَاصَتْ فِي الْحَمْأَةِ رِجْلاَكَ وَارْتَدَّتَا إِلَى الْوَرَاءِ» (إر38: 21، 22).

نجح "عبد ملك" ورسب الملك!

   خاف "عبد ملك" الكوشي، لكن ساقته مخاوفه أن يرتمي على الرب ويقف في صف رجل الله، المتهم زورًا الغائص في طين الجب.  مشاعر هذا الخادم الأجنبي (من أصل غير يهودي) كانت رقيقة جدًا تجاه إرميا، لم يشفق فقط عليه بل مد يد العون، ولم يكتف فقط بسحب إرميا من البئر بل وضع ملابس بالية تحت إبطيه تحت الحبال، كي لا تؤذي الحبال جسده.  أكرم رجل الله فأكرمه الله، خاف الله فحرره من خوف الناس فتمتع "عبد ملك" برسالة شخصية من الرب له، رسالة مطمئنة ومعطرة بالمواعيد الإلهية.  « فصارت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا إِذْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي دَارِ السِّجْنِ قَائِلَةً: «اذْهَبْ وَكَلِّمْ عَبْدَ مَلِكَ الْكُوشِيِّ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ كَلاَمِي عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ لِلشَّرِّ لاَ لِلْخَيْرِ، فَيَحْدُث أَمَامَكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. وَلكِنَّنِي أُنْقِذُكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَلاَ تُسْلَمُ لِيَدِ النَّاسِ الَّذِينَ أَنْتَ خَائِفٌ مِنْهُمْ. بَلْ إِنَّمَا أُنَجِّيكَ نَجَاةً، فَلاَ تَسْقُطُ بِالسَّيْفِ، بَلْ تَكُونُ لَكَ نَفْسُكَ غَنِيمَةً، لأَنَّكَ قَدْ تَوَكَّلْتَ عَلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ» (إر39 : 15- 18).

ضمان الأمان في طاعة كلمة الرب

   خاف صدقيا من الرؤساء بسبب شدتهم، وخاف من اليهود المسبيين بسبب ازدرائهم، وخاف من الكلدانيين بسبب قسوتهم، وحصد المرار بسبب خوفه الذي أسره قبل أن يأسره ملك بابل.  بعد حوالي عام ونصف من حصار نبوخذ نصر لأورشليم، سقطت المدينة في أيدي الكلدانيين، وهجم كل رؤساء بابل ففر صدقيا هاربًا وعندما أدركوه قتلوا كل بنيه على مرأى منه ثم أعموا عينيه وقيدوه بسلاسل من نحاس وأتوا به إلى بابل (إر 39: 6، 7).  أما  كان ممكنًا أن ينجو من كل هذا لو أطاع صوت الرب؟ هذا هو مصير من يزدري بكلمة الرب ويكون ضحية للخوف المريع من البلايا والنوائب فيسقط أسيرًا للهواجس والشكوك.  قال الحكيم « أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ» (أم1: 33).  خاف الملك صدقيا من كل الناس وخاف على كل شيء؛ خاف على صحته فضاعت، وخاف على ثروته فسُلبت، وخاف على بنيه فقتلوا أمام عينيه، وخاف على مركزه وهيبته فحصد الهوان.  للأسف لم يخف الرب ولم يتضع أمامه كما فعل أبيه التقي يوشيا فخسر الكل.  وحقًا قال الكتاب: « فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ ثِقَةٌ شَدِيدَةٌ، وَيَكُونُ لِبَنِيهِ مَلْجَأٌ» (أم14: 26).

الإيمان الحقيقي يبدد المخاوف

   الخوف في حد ذاته لا يهلك الإنسان، لأن كثيرين يأتون إلى المخلص بسبب خوفهم من الدينونة، لكنهم يأتون بثقة في الرب القادر أن يعطي الخلاص العظيم ويهب الأمان المنشود.  لكن الطامة الكبرى عندما يمتزج الخوف بعدم الإيمان.  فالطريق للجحيم مرصوف بالشكوك والخوف الرهيب.  تُفتتح قائمة رواد الجحيم بالخائفين وغير المؤمنين: « أَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي» (رؤ21: 8).

   عزيزي يا من تخاف الشر وتخشى الأهوال الحاضرة أو الآتية، تعال إلى الرب، ضع ثقتك في المخلص الوحيد الذي يضمن الخلاص الأبدي ويضمن لك النجاة من كل ضيق.  لا تخف بل ثبت قلبك بالمكتوب: »  يَا ابْنِي، لاَ تَبْرَحْ هذِهِ مِنْ عَيْنَيْك ... حِينَئِذٍ تَسْلُكُ فِي طَرِيقِكَ آمِنًالاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفٍ بَاغِتٍ، وَلاَ مِنْ خَرَابِ الأَشْرَارِ إِذَا جَاءَ.  لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ مُعْتَمَدَكَ، وَيَصُونُ رِجْلَكَ مِنْ أَنْ تُؤْخَذ«. (أم3: 21- 26).  فالذين قبلوا الرب يسوع المسيح مخلصًا وربًا لهم، عليهم أن يحملوا ترس الإيمان ليطفئوا سهام الخوف الملتهبة التي يصوبها  العدو الشرير في اليوم الشرير.        

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com