عدد رقم 2 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كسر الخبز (2)  

تحدثنا في المرة السابقة عن: لماذا نكسر الخبز؟ ومن الذي يكسر الخبز؟ والآن سنتناول الفكرة الثالثة:

3- متى نكسر الخبز؟

   عندما أوصى الرب تلاميذه أن يصنعوا هذا التذكار كلما أكلوا من الخبز وشربوا من الكأس في فترة غيابه عنهم إلى أن يجيء، لم يُحدد بشكل قاطع متى يفعلون ذلك.  لكننا نستطيع أن نستنتج فكر الرب ورغبته من تصرف الرب نفسه معهم بعد القيامة.  لقد ذهب إليهم في العلية في عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع (يوم القيامة نفسه)، حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، «فجاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم.  ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يو20: 19، 20).  وهذا ما يحدث عندما نجتمع لنكسر الخبز حيث يرينا جراحاته.  أما توما، أحد الاثني عشر، فلم يكن معهم حين جاء يسوع.  فقال له التلاميذ الآخرون: قد رأينا الرب! فقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع إصبعي في أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه لا أومن.  «وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضًا داخلاً، وتوما معهم.  فجاء يسوع والأبواب مغلقة، ووقف في الوسط وقال: سلام لكم! ثم قال لتوما: هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا.  أجاب توما وقال ربي وإلهي» (يو20: 24 – 28).  لم يحضر الرب إلى التلاميذ ليبرهن لتوما حقيقة قيامته في اليوم التالي أي يوم الإثنين أو الثلاثاء أو ... أو السبت، بل بعد ثمانية أيام، أي في أول الأسبوع التالي (يوم الأحد)، وأظهر لهم ذاته وأراهم جراحاته.  كما أنه لم يحضر بعد خمسة عشر يومًا (في الأحد بعد التالي، بل بعد ثمانية أيام فقط أي في الأحد التالي مباشرة).  هذا يرينا أن قصد الرب هو أن تجتمع الكنيسة لتكسر الخبز في أول كل أسبوع.  وفي سفر أعمال الرسل نرى أن الرسول بولس ورفقاءه ذهبوا إلى ترواس ومكثوا سبعة أيام.  «وفي أول الأسبوع إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزًا، خاطبهم بولس وهو مزمع أن يمضي في الغد» (أع 20: 6، 7).  نفهم أن بولس زار ترواس يوم الإثنين، والمؤمنون لم يعملوا كسر خبز استثنائي بمناسبة حضور بولس، ومكث بولس سبعة أيام، وفي أول الأسبوع إذ كانوا مجتمعين ليكسروا خبزًا (الاجتماع الأسبوعي الطبيعي كعادتهم)، كان بولس معهم.

   وفي بيت عنيا نقرأ عن حفل التكريم الذي عُمل للرب، حيث صنعوا له هناك عشاء.  كان ذلك قبل الفصح بستة أيام (أي في يوم الأحد، حيث ذُبح الفصح مساء يوم الجمعة، في الوقت الذي كان فيه الرب يسوع مُعلقًا على الصليب).  هناك عبَّرت مريم عن محبتها للرب، رجل الأحزان، وهو يقترب من الصليب، بأن كسرت قاروة الطيب الناردين الخالص الكثير الثمن على قدميه، ومسحتهما بشعر رأسها.  لقد حفظت هذا الطيب ليوم تكفين الرب، لكنها وقد علمت أنه سيقوم من الأموات، وجسده الكريم لن يرى فسادًا، فقد سكبته وهو حي قبل الصليب.  إنه يمثل عصارة المحبة والتكريس وسجود القلب لهذا الشخص الغالي المزمع أن يذهب إلى الصليب.  وهناك أيضًا كانت مرثا تخدم بكل تواضع ومحبة، وكان لعازر أحد المتكئين معه (يو12: 1 – 8).  إنه صورة لاجتماع الكنيسة حول الرب لتحتفل به وتذكر حبه وآلامه وأحزانه، وتُقدم له الإكرام والسجود.

   إن أول الأسبوع يُسمَّى يوم الرب، وهو اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات، ونزل فيه الروح القدس على الأرض لأول مرة، وتكونت فيه الكنيسة، جسد المسيح، وهو اليوم الذي تجتمع فيه الكنيسة لتكسر الخبز حسب الوصية، وهو اليوم الذي أوصى فيه الرسول بجمع العطاء لأجل احتياجات القديسين (1كو16: 2).

   والخلاصة أنه لا يجوز أن يُعمل كسر الخبز وسط الأسبوع لأي مناسبة، كما لا يجوز أن يُعمل كل شهر أو حسبما اتُفق بل في كل أول أسبوع.  وفي تاريخ إسرائيل كان الفصح يرتبط بالفطير، وعيد الفطير سبعة أيام (خر12).  وهكذا معنا نحن في أول الأسبوع نعيد بفصحنا المسيح الذي ذُبح لأجلنا (1كو5: 7)، وسبعة أيام نأكل فطيرًا (أي نعيش حياة القداسة العملية)، ثم يأتي أول الأسبوع مرة أخرى.

 

4- أين نكسر الخبز؟

   أين صنع المسيح هذا العشاء وعشاء الفصح؟ لقد سأله التلاميذ: «أين تريد أن نُعد؟ فقال لهما إذا دخلتما المدينة يستقبلكما إنسان حامل جرة ماء.  اتبعاه إلى البيت حيث يدخل، وقولا لرب البيت: يقول لك المعلم: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي؟ فذاك يريكما عُلية كبيرة مفروشة.  هناك أعدا» (لو22: 9 -12).  الرب هو الذي حدد المكان، والإنسان حامل جرة الماء قادهم إليه.  إنه واحد من سبعة شخصيات مجهولة الاسم ترمز إلى الروح القدس، والماء يرمز إلى كلمة الله.  أي أن الروح القدس يقود المؤمنين بنور من الكلمة إلى المكان الصحيح الذي بحسب فكر الله.  اتبعاه إلى البيت حيث يدخل.  والبيت يمثل بيت الله الذي أصبح بيتًا كبيرًا.  ورب البيت يريكما علية، وهي تتكلم عن الانفصال عاليًا.  ليست خارج البيت، بل في نفس البيت، وإنما عُلية بعيدة عن التشويش الحادث في البيت.  هذه العلية كبيرة أي تتضم الجميع وتتسع لأكبر مؤمن وأصغر مؤمن في الاختبار الروحي.  وهي مفروشة أي مرتبة ومجهزة مُسبقًا طبقًا لما يريد رب البيت حسب تذوقه، وليس حسب استحسان الداخلين.  هذا هو المكان المناسب لنجتمع فيه ونكسر الخبز ونُقدم سجودنا وعبادتنا بحرية الروح.

   وقد رأينا في مرة سابقة أن بيت الله، بحسب المنظور الإلهي الذي كوَّنه الروح القدس، هو «كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته» (1 تي3: 15).  ورأينا أيضًا أن بيت الله الذي سُلِّم للإنسان، مع الوقت أصبح بيتًا كبيرًا، اختلطت فيه الأمور، وامتلأ بأواني الهوان مع أواني الكرامة.  إنه يُمثل دائرة المسيحية ككل.  وفهمنا أن الموقف الصحيح للشخص الأمين في الأيام الأخيرة التي نعيشها، هو الانفصال المقدس إلى الرب عن كل الشرور التي ملأت البيت الكبير، الشرور الأدبية والتعليمية والكنسية، حيث لا يأخذ المسيح مكانه كالرأس والرئيس، ولا يُحترَم الروح القدس كالقائد لاجتماع المؤمنين معًا حول الرب، الذي يُحرك أعضاء الجسد، قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء (1كو12: 11)، وليس لشخص واحد أو اثنين.  وحيث لا يمكن إصلاح البيت الكبير ككل، فهو يشمل طوائف وأنظمة عديدة لا تقبل التغيير، ولا تعترف بالخطأ، بل تُصر على ما هي عليه.  وحيث لا يمكننا أن نخرج من البيت الكبير لنعمل بيتًا صغيرًا بمفردنا، لأن البيت الكبير هو كل المسيحية، والخروج منه يعني ترك المسيحية.  وحيث لا يمكن التعايش مع شرور البيت الكبير حيث كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه، والانحراف يزداد يومًا بعد يوم عن الترتيب الذي وضعه الروح القدس لبيت الله، وهذا يعني أن الرب لن يسترح في بيته، ولن يتمجد في وسط قديسيه، ولن يمارس سلطانه في كنيسته كالابن على بيته، ولن يكون راضيًا على ما يُقدم له بحسب استحسان الناس، والواقع يقول أن الإنسان يبحث عن نفسه ومكانه وليس عن مجد المسيح في هذا الكيان، فلقد تحولت الكنيسة عن الهدف الذي من أجله كونها الروح القدس يوم الخمسين وهي أن تكون لمجد المسيح وفرح قلبه، وليس لاستعراض قدرات الإنسان ومهاراته.  من هذه الاعتبارات كلها لا يستطيع الأمين إزاء هذا المشهد المشوش أن يرتبط بأي جماعة ليكسر الخبز معهم، لأن هذا يعني شركة كاملة مع هذه الجماعة في كل ما تُمارسه وتُعلِّم به.  وعلى الأمين أن ينفصل إلى الرب عن كل الأنظمة البشرية التي كونها الناس، ويعود لمبدأ الجسد الواحد الذي كونه الروح القدس، حيث يأخذ المسيح مكانه كالرأس، وحيث تسود مبادئه، وحيث يُحترَم دور الروح القدس في قيادة الجماعة مستخدمًا من يشاء.  إنه يكسر الخبز مع الذين يدعون الرب من قلب نقي (2 تي2: 22)، الذين يحفظون كلمته، ويعترفون برئاسته وسلطانه الوحيد، ويقصدون مجده، ولا يريدون أن يروا إلا يسوع وحده.  (لمزيد من التفصيل أرجو العودة للمقالات التي نُشرت عن بيت الله في رسالة الشباب سنة 2013).     

   وحتى لو كانت هناك أخطاء في الممارسة والتطبيق للحق، ولو ساد الضعف على الجماعة، فطالما كان التعليم صحيحًا، والمبادئ التي تنادي بها الجماعة صحيحة، فهناك أمل أن الممارسات تأخذ الشكل الصحيح عندما ترتفع الحالة الروحية، وتتضع الجماعة أمام الرب وتعترف بأخطائها.  أما إذا كانت المبادئ خاطئة والتعليم يخالف كلمة الله، فلا أمل أن التطبيق والممارسة تكون صحيحة في أي يوم، مهما بدا الشكل جذابًا.  ومن الخطأ الفادح ترك الجماعة التي تجتمع إلى اسم المسيح على مبادئ صحيحة من كلمة الله بسبب ضعف الحالة الروحية أو أخطاء في الممارسة والتطبيق، او بسبب قلة المواهب الروحية.  ومن الخطأ أيضًا الارتباط بجماعة تحتضن شرورًا تعليمية ولا تعترف برئاسة الرب للاجتماع أو قيادة الروح القدس، بل تعتمد على التنظيم البشري، مهما كان الشكل مُبهرًا.

وللحديث بقية إذا شاء الرب

                                                                                     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com