عدد رقم 2 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
مسكن الشهادة  

نأتي إلى مرحلة جديدة للشهادة، حيث نقرأ عن ”مسكن الشهادة“، والذي يشمل القدس وقدس الأقداس. وهو المكان الذي لا يدخله سوى الكهنة فقط، حيث يمارسون خدمتهم في القدس والذي يحتوي على المنارة ومائدة خبز الوجوه ومذبح البخور. إذًا يمكننا أن نقول أن المسكن هو المكان المُميز في خيمة الشهادة، إنه الدائرة الداخلية الخاصة للخيمة، فإن كانت خيمة الشهادة بأكملها نرى فيها بيت الله من الخارج، وهذا ما سنتكلم عنه بنعمة الرب في المرات القادمة، ففي مسكن الشهادة نرى بيت الله من الداخل، حيث نرى ترتيب الرب لمسكنه كما يريده أن يكون، أو يمكننا القول إنه في ضوء العهد الجديد نرى في خيمة الشهادة كنيسة الله في علاقتها بالعالم، وفي مسكن الشهادة نرى كنيسة الله في وضعها الداخلي، وهذا هو موضوع رسالتي كورنثوس، حيث نرى في الرسالة الأولى كنيسة الله من الداخل، وفي الرسالة الثانية كنيسة الله في علاقتها بالخارج.  وكم هو ملذ ونحن نتأمل في مسكن الشهادة، وما وَرَد عنه أن نتفكَّر في «بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ» (1تي3: 15).  ومعروف أن العمود في كلمة الله يكلمنا عن الشهادة (راجع تكوين31: 44، 45).

لقد ذُكر تعبير ”مسكن الشهادة“ 5 مرات، وفي هذه المرات الخمس نرى أربعة أفكار:

·        اختيار الرب لمن يصنع مسكن الشهادة.

·        المعادن التي سيُصنع منها.

·        خدمة اللاويين في مسكن الشهادة.

·        ارتباط مسكن الشهادة بالسحابة.

وفي خروج 38: 21-31 نجد الثلاث أفكار الأولى، أي أننا نرى من سيصنع مسكن الشهادة (بصلئيل وأهوليآب)، والمواد الذي سيُصنع منها (الذهب والفضة والنحاس)، ومن سيخدمون فيه (اللاويون):

أولاً: مسكن الشهادة والصناع

إننا نتكلم عن مسكن الشهادة في دائرته الخاصة، ولذا نجد حرص الرب على ذِكر كل ما يختص بمن سيصنعونه، إن هؤلاء الصناع يكلموننا عن عطايا الله لكنيسته (رو12: 6-8؛ 1كو12: 4-11؛ أف4: 11)، الذين يُفصِّلون لنا كلمة الحق الله بالاستقامة (2تي2: 15)، ويدبروننا في الرب (1تس5: 12)، ويكلموننا بكلمة الله ويسهرون لأجل نفوسنا (عب13: 17)، ولنتتبع من كلمة الله بعض مواصفات من اختارهم الرب لصنع مسكن الشهادة، لنرى في ذات الوقت مواصفات المواهب التي أعطاها الله لكنيسته:

1.     دعوة بالاسم: «دَعَوْتُ بَصَلْئِيلَ ... بِاسْمِهِ ... جَعَلْتُ مَعَهُ أُهُولِيآبَ» (خر31: 2، 6؛ 35: 30). من سيتعامل مع مقدسات الرب، عليه أولاً أن يستقبل دعوة الرب له بالاسم (رو12: 6؛ 1كو12: 11؛ أف4: 11).    

2.     دعوة من نسل رجل الإيمان ”كالب“. كما نعرف من 1أخبار 2: 20. والذي أظهر إيمانًا نادرًا أمام الجواسيس العشرة الذين شكَّكوا في إمكانية دخول الشعب أرض كنعان (عدد13: 21-33)، حيث وثق في صدق وعد الرب لهم، فقال قولته الشهيرة: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا، لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا»، فمن سيستخدمه الرب في بيته عليه أن يكون لديه رصيدًا من الإيمان - خاصة في هذه الأيام- الأمر الذي أشار إليه الرسول بولس (رو12: 3).

3.     دعوة ليست فردية بل مشارِكة: «وَهَا أَنَا قَدْ جَعَلْتُ مَعَهُ أُهُولِيآبَ ... وَفِي قَلْبِ كُلِّ حَكِيمِ الْقَلْبِ جَعَلْتُ حِكْمَةً، لِيَصْنَعُوا كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ» (خر31: 6)، فالعمل في مسكن الشهادة ليس فرديًّا بل هو عمل جماعي، فعلينا أن ندرك أن الشهادة على الدوام ترتبط بجماعة وليست بأفراد.  فكنيسة الله تحتاج إلى كل المواهب مهما تنوعت وتعدَّدت، إذ أنهم جميعًا يعملون معًا لبنيان جسد المسيح (أف4: 12، 13).

4.      دعوة بإعداد إلهي: أين هو الإنسان الذي يستطيع أن يتقن في آن واحد العمل في: ”الذهب والفضة والنحاس“، و ”الحجارة الكريمة“، و الأخشاب“ و “التطريز“، بل يعمل أمورًا لم يسبق أن فعلها أحد قبله ”يخترع مخترعات“؟ (خر31: 4).  الإجابة على ذلك في كلمات الرب «مَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ، لاِخْتِرَاعِ مُخْتَرَعَاتٍ ... لِيَعْمَلَ فِي كُلِّ صَنْعَةٍ» (خر31: 1-6).  وهذا ما نراه أيضًا في القدرات التي نراها في عطايا الرب لكنيسته، إذ قد تأيدوا بقوة خاصة من الروح القدس (رو12: 11).

5.     دعوة للتعليم: وهذا أمر جدير بالاهتمام.  لقد كان على بصلئيل وأهوليآب ليس فقط أن يتقنا العمل في كل هذه الأمور، بل أيضًا أن يُعلِّما آخرين أيضًا (خر35: 34).  ألا يذكرنا هذا بكلمات الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: «وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا» (2تي2: 2).

ثانيًا: مسكن الشهادة ومواد الصنع

نجد أن كل المعادن التي ذُكرت لصنع مسكن الشهادة كلها معادن نفيسة: ”ذهب، فضة، نحاس“، وكم نندهش أن نجد أوزان هذه المعادن محسوبة من الرب نفسه «الْمَحْسُوبُ لِلْمَسْكَنِ»، كما نجد أنها محسوبة بكل دقة فنقرأ في وزن كل معدن عدد ”الوزنات“، وأيضًا عدد ”الشواقل“، وأخيرًا نجد تفصيلاً كاملاً لتوزيع هذه المعادن في مسكن الشهادة (خر38: 21-29)! ولأننا هنا نرى مسكن الشهادة كما يريده الرب أن يكون، فلا نجد سوى المعادن النفيسة، لكن عندما نقرأ عن بناء الله كما يتكلم عنه الرسول بولس، يقول: «حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ»، وهنا نرى البناء كما هو في واقعه الحالي، لذلك نقرأ في مواد البناء بالإضافة إلى الذهب والفضة والحجارة الكريمة، ”خشب وعشب وقش“ (1كو3: 12)؟! ولذلك لا نتعجب إذ لا نجد الشهادة ساطعة ولامعة كما يريدها الرب، فحيث يوجد الإنسان هناك نجد الضعف والفشل!!

ثالثًا: مسكن الشهادة ومن يخدمون فيه

نقرأ عنهم بالتفصيل في سفر العدد 1: 50-54 «كِّلِ اللاوِيِّينَ عَلى مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ وَعَلى جَمِيعِ أَمْتِعَتِهِ وَعَلى كُلِّ مَا لهُ. هُمْ يَحْمِلُونَ المَسْكَنَ وَكُل أَمْتِعَتِهِ وَهُمْ يَخْدِمُونَهُ وَحَوْل المَسْكَنِ يَنْزِلُونَ». وهنا لا نقرأ عن أناس مُحددين أخذوا عطايا مُميزة للعمل في مسكن الشهادة كما سبق وذكرنا، بل نقرأ عن ”كل اللاويين“. إننا بصدد الحديث عن كل المؤمنين، فكما أن اللاويين هنا مسؤولون عن كل ما يختص بمسكن الشهادة، هكذا كل المؤمنين مسؤولين معًا عن حفظ الشهادة واستمراريتها.  فإن كان العمل في بناء الله يختص بعطايا الرب للكنيسة؛ الذين هم أصحاب المواهب الخاصة، فمسؤولية الخدمة في مسكن الشهادة تقع على عاتق كل المؤمنين، فعلى أعضاء الجسد الواحد أن يعملوا معًا لخير كل الجسد (راجع 1كورنثوس 12: 13-27).

رابعًا: مسكن الشهادة والسحابة

«وفي يوم إقامة المسكن، غطت السحابة المسكن، خيمة الشهادة.  وفي المساء كان على المسكن كمنظر نار إلى الصباح ... ومتى ارتفعت السحابة عن الخيمة كان بنو إسرائيل يرتحلون، وفي المكان حيث حلت السحابة هناك كان بنو إسرائيل ينزلون، حسب قول الرب كانوا يرتحلون، وحسب قول الرب كانوا ينزلون» (عد9: 15 – 18)، «وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي العِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنْ مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ.  فَارْتَحَل بَنُو إِسْرَائِيل فِي رِحْلاتِهِمْ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَاءَ فَحَلتِ السَّحَابَةُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ» (عد10: 11، 12).  كم هو رائع أن نرى مسكن الشهادة مرتبط بالسحابة فلا تتحرك من مكانها إلا بتحرك السحابة، ولا تتوقف إن لم تتوقف السحابة.  إنه مشهد جدير بالانتباه يُذكرنا بالجراد الذي «لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقًا فِرَقًا» (أم30: 27).  إن ما يميز الجراد هو حساسيته المرهفة للريح، ولذلك رغم عدم وجود قائد له، نجده يطير في الجو بكل انتظام وترتيب مهما كان العدد، وهكذا ينبغي أن تنقاد الجماعة طبقًا لتوجيه الروح القدس، وتكون لديها الحساسية الروحية والتمييز لما يريده الروح القدس، فتتحرك في اتجاه واحد كرجل واحد.  وهذا ما ميَّز مسكن الشهادة أنها تتحرك وفقًا للسحابة.  وعلى ذات القياس، وبشكل أكمل، ما يجب أن يميز كنيسة الله الآن هو انقيادها بالروح القدس.  إن ما يجعل الشهادة لبيت الله واضحة ومتميزة هو مدى انقيادها بالروح القدس، وإذ نعود إلى رسالة كورنثوس الأولى، والتي تُكلمنا كما ذكرنا عن بيت الله من الداخل، يذكر لنا الرسول كيف يتأثر العامي بحالة كنيسة الله فتصير خفايا قلبه ظاهرة، «وَهَكَذَا يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ، وَيَسْجُدُ لِلَّهِ مُنَادِيًا أَنَّ اللهَ بِالْحَقِيقَةِ فِيكُمْ»، وذلك بمدى ترتيبهم وانقيادهم بالروح القدس (1كو14: 23-25).  ويجب أن نعرف أن الروح القدس يقودنا كأفراد خارج الاجتماع طول اليوم في حياتنا اليومية العادية، وهو نفسه الذي يقودنا داخل الاجتماع.

يا لروعة مسكن الشهادة حسبما قصده الرب، ويا لروعة كنيسة الله كما قصدها الرب!  ليتنا نُحقِّق قصده فينا، عندئذ ينطبق علينا قول الرب: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت5: 16).

                                                                   

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com