عدد رقم 2 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
دروس وعبر من المذبحة الليبية  


   لقد اهتز ضمير العالم كله، ليلة الأحد الموافق 15 فبراير حيث تم الإعلان عن مقتل 21 مصريًا مسيحيًا بليبيا على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، ولقد تأثر الجميع بالطريقة الوحشية للقتل، ليس هذا فقط بل الافتخار بهذه الفعلة الشنيعة وإذاعتها، حيث تم رفع الفيديو الذي يتضمن ذبح هؤلاء الشباب على اليوتيوب!! واجتاحت العالم عامة والمصريين خاصة موجة عارمة من الغضب الشديد التي تطالب بالانتقام من هؤلاء الإرهابيين الذين تخطوا كل الحدود في إجرامهم.

   وبعيدًا عن الجو المشحون بالغضب دعونا نستخلص بعض الدروس والعبر من وراء هذه الأحداث، فليس شيء يحدث في حياتنا صدفة، ونحن لسنا متروكين للظروف، بل من وراء الأحداث لنا إله عظيم يمسك بزمام الأمور، ولا شيء يمر دون ملاحظته، وهو العلي المتسلط في مملكة الناس.

1-  لماذا حدث هذا؟ كعادتنا، في مثل هذه الأحداث تكثر التحليلات، وقد حدث وقت أن كان الرب بالجسد على الأرض، في أيام بيلاطس الحاكم أنه قتل بعضًا من الجليليين وخلط دماءهم بذبائحهم، وأتى من أخبر الرب بهذه الحادثة (لوقا 13)، فأجابهم الرب بأن هؤلاء لم يكونوا خطاة أكثر من الآخرين، بل هو درس للجميع لكي يسرعوا بالتوبة لئلا تفاجئهم أحداث مماثلة فيهلكون، ويا له من درس عظيم لكل من تأثر بهذه الأحداث: ماذا لو كنت أنت واحدًا من هؤلاء؟ إلى أين كنت ستمضي؟ إنني أدعوك من كل قلبي إلى التوبة الصادقة، لكي تهرب لحياتك وتستعد للقاء إلهك! هذا أول الدروس وأعظمها لك أنت شخصيًا.

2-  ثبات الأبطال: لقد انبهر الجميع من مشهد ثبات هؤلاء الأبطال! فلم يُغش عليهم أو يتوسلوا أو ينهاروا، لم ينكروا إيمانهم بالمسيح لكي يفوزوا بالحياة والنجاة، حيث عُرض عليهم هذا بوضوح، بل على العكس أظهروا تمسكهم بإلههم حتى آخر لحظة من حياتهم! وسمعت صلواتهم وعباراتهم التي نطق بها أغلبهم "يا رب يسوع المسيح"، ومنهم من ظهر وهو يصلي وكأنه في خلوة مع الرب في آخر لحظات له على الأرض.  لقد لمع مجد الرب أمامهم.  وهذا ما قاله الكتاب: "لأن روح المجد والله يحل عليكم" (1بط4: 14)، ويذكرنا هذا المشهد باسطفانوس الذي وهو في وقت الاستشهاد حيث كان يُرجم بالحجارة قيل عنه: "وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ ... فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. ... فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ" (أع7: 55-60).  لقد قالت إحدى الإخصائيات في علم النفس بتحليلها للمشهد: إنه يبدو كما لو أن هؤلاء الشباب كانوا يتطلعون إلى مشهد أعظم شغلهم واستولى على تفكيرهم، لقد صمدوا لأنه كان أمامهم كلمات الرب التي قالها: "ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت10:  28).

3-  رؤوس ستُطوق بالأكاليل: إن كان مشهد فصل الرؤوس عن الأجساد مشهدًا مُروِّعًا، لكن هذا لا ينسينا أن هذه الرؤوس ستتوج قريبًا بإكليل الحياة، فالكتاب يقول: "كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤ2: 10)، لقد قرأت وسمعت الكثير من العظات حول هذه العبارة، لكن ما رأيته في هؤلاء كان عظة بليغة فاقت في تأثيرها كل ما قرأت أو سمعت!

4-  وحشية الإنسان: عندما يترك الإنسان نفسه لإبليس الذي هو قتال للناس من البدء (يو8: 44) وهو الذي يذبح ويهلك (يو10: 10)، لا نستغرب أنه يفعل هذا الجُرم بل وأكثر!  من كان يتصور أن فتاة تحمل على طبق رأس يوحنا المقطوعة (مر6: 28)! من أين لها بهذه المشاعر! أليس هذا ما يقال عن هؤلاء المجرمين؟ إنها الخطية وما فعلته في الإنسان.  لماذا ذبح قايين أخاه هابيل؟ لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة.  ولأنه من أب هو إبليس.

5-  الاتجار بالدين: لاحظ بعض المحللين الساعة التي بيد أحد الجناة والتي قُدر ثمنها بربع مليون دولار.  فالأمر بالنسبة لهؤلاء ليس له علاقة باسم الله، بل له علاقة بالغنيمة والربح القبيح، من أيام بلعام الذي أحب أجرة الإثم (يهوذا 11)!

6-  سؤال الحيارى:"ليه يا رب"؟! البعض تساءل: لماذا لم يسرع الله إلى نجاتهم؟! لقد سُمع صوت استغاثتهم: " يا رب يسوع أنقذني".

وبداية نقول: إن الأرض مُسلمة ليد الشرير في الوقت الحاضر، والقضاء على العمل الرديء لا يُجرى سريعًا، والشيطان هو رئيس هذا العالم، لذلك تسود الفوضى، والأبرار يعانون ويحتملون أحزانًا بالظلم.  لكنه يومًا لا بد أن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة.  والله لا يمنع شر الإنسان أو الشيطان لكنه يتحكم فيه ليخدم مقاصده كاملة الإتقان.  وبالطبع هناك أمور مُحيرة لا نفهمها الآن في معاملات الله، فمن عرف فكر الرب أو من صار له مشيرًا.  وهذا ما نقرأه في سفر أيوب عن الله "لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا" (أي 33: 13)، فالله له مطلق السلطان ليفعل ما يشاء، وهو غير مُلزَم أن يعطي تفسيرًا لكل ما يفعله، لكنه في ذات الوقت هو محكوم بصلاحه من نحو خليقته، فهو لا يخطئ ولا يغدر ولا يحطم ولا يترك، بل "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" (رو8: 28)، حتى لو كان المشهد مشهد الموت، وعلينا ألا نجهد أنفسنا في التساؤل حول أطفال وزوجات أهالي هؤلاء الأبطال فالرب فيه الكفاية فهو "أَبُو الْيَتَامَى وَقَاضِي الأَرَامِلِ، اَللهُ فِي مَسْكِنِ قُدْسِهِ" (مز68: 5)، وأيضا مكتوب "اُتْرُكْ أَيْتَامَكَ أَنَا أُحْيِيهِمْ، وَأَرَامِلُكَ عَلَيَّ لِيَتَوَكَّلْنَ" (إر 49: 11).

ثم إن دماء هؤلاء الشهداء وصلواتهم وثباتهم لا بد أن تثمر في حياة الكثيرين، بل ربما في حياة هؤلاء الجناة، فالله لا يخسر الجولة أبدًا، ولا بد أن يحقق مجده من خلال كل الأحداث.  ألم يكن شاول راضيًا بقتل إسطفانوس وكان حارسًا لثياب راجميه؟! (أع 22: 20)، وأتي اليوم الذي فيه آمن بالمسيح وأصبح شاهدًا بل وشهيدًا لأجل المسيح! وكم من قصص تحكى عن إيمان أناس من داعش أنفسهم بالرب، لقد أظهرت هذه الممارسات بُطل وخواء الأنظمة الدينية التي يتشدقون بها، فأصبح الكثيرون يسألون عن سبب الرجاء الذي في هؤلاء الناس الذين لا يهمهم حتى القتل في سبيل التمسك بما عندهم! وسيكشف لنا المستقبل القريب عن التأثير المبارك لهذا الحادث في نفوس الكثيرين وجذبهم للمسيح.

7-  الآلام من أجل اسم المسيح:  بلا شك نحن عرضة لاضطهاد الأشرار لا لشيء سوى لأننا مسيحيون، كما حدث مع أبطالنا هنا، ونحن نتشرف بهذا، فلا نستغرب إن تألمنا من أجل اسمه،  "لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ" (في1: 29).  وهنا نتذكر كلمات المسيح: "سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً ِللهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي (يو16: 3،2).  هناك أبطال نجوا من حد السيف، وأبطال ماتوا قتلاً بالسيف، وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم (عب11).

8-  المسيح الديان: من ضمن ما تداوله الفيديو هو إعلان أحد الجناة أن المسيح سيأتي، ونحن لا نحتاج إلى تأكيد منهم أو من غيرهم أن المسيح سيأتي، حيث كلمة الله تخبرنا عن هذا وتؤكده، لكني أتمنى لو أنهم يفكرون ولو للحظة ماذا لو جاء المسيح كالديان والقاضي والحاكم والذي لا بد من مواجهة لهم معه، كيف سيقابلونه؟ أبأيدي مُلطخة بدماء برئية؟ أم بقلوب مطهرة بدمه الكريم؟ إن من يرفضه الآن لا بد أن يواجهه يوم الدين كالقاضي والديان الذي سيدين المسكونة بالعدل، وستكون النقمة بلا رحمة!

9-   ما الغرابة؟!: ما حدث كان بالنسبة للبعض مفاجأة مع أن فيه الكثير من المشابهة مع سيدنا الذي نتبع خطواته، فهو مَنْ قيل عنه عندما سيق إلى الصليب: "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش53: 7)، ونحن نتبعه ليتم ما قاله بولس الرسول: "قد حُسبنا مثل غنم للذبح" (رو8: 36).

10-                      لا بد من الحصاد: لقد جاء الحصاد من نفس نوع الزرع، وسيظل المبدأ الإلهي قائمًا على الجميع "الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا" (غل6: 7)، وعادة ما يكون الحصاد أكثر كثيرًا من الزرع! ولعل التاريخ القديم والمعاصر يرينا بوضوح هذه الحقيقة، فلنحذر.  فكم استقوى القوي على الضعيف، وارتكب جرائم قتل، وكان العقاب الإلهي شديدًا!


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com