عدد رقم 2 لسنة 2015
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المطوبة مريم أم يسوع (2)  

مفاجأة مذهلة...واتضاع مميز

نتابع في هذا العدد تأملاتنا في شخصية المطوبة مريم أم يسوع، والتي بدأناها في العدد السابق، في معرض التقاطنا لدروس أدبية وعملية هامة من شخصية مميزة للغاية اختارتها العناية الإلهية لتكون «أم يسوع»، أهم شخص في التاريخ وأكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم على وجه الإطلاق.

مفاجأة مذهلة

لقد كان مجيء المخلص؛ المسيا المنتظر؛ إلى العالم محط أنظار الكثيرين لاسيما في شعب الله القديم، فهو الذي جاءت عنه النبوة بمجرد سقوط الإنسان الأول في الخطية، باعتباره «نسل المرأة» الذي «يسحق رأس الحية» (تك3).  ثم من نبوة إشعياء أصحاح (7) نفهم أنها عذراء، تلك التي سيأتي المخلص منها حسب الجسد.

وعليه، فقد كانت العذارى في شعب إسرائيل على مر العصور يتمنين ويترجين أن يأتي المسيا المنتظر منهن.  ولذلك نقرأ عن المسيح في دانيال (11) أنه «شَهْوَةِ النِّسَاءِ» أي مشتهى قلب كل فتاة عذراء في ذلك الشعب قديمًا أن يأتي منها المخلص قبل أن تتزوج.

وبالنسبة إلى تلك العذراء البسيطة والفقيرة حسبما نفهم من الأناجيل «مريم»، والمخطوبة ليوسف النجار البسيط هو الآخر، لم يكن هذا الأمر يدور في خلدها مطلقًا أن تكون هي بالذات اختيار السماء لأن يأتي منها المسيح!

لذلك كانت زيارة الملاك جبرائيل إليها وقوله: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاء» مبعث اضطراب بالنسبة لها وحيرة عما تعنيه هذه التحية.  هذه الحيرة التي تلاشت عندما استكمل الملاك حديثه وبشارته لها بأنها قد وجدت نعمة عند الله، وأنها ستحبل وتلد ابنًا وتسميه «يسوع».  واستطرد الملاك ليحدثها كيف أن الروح القدس سيحل عليها وقوة العلي تظللها، فلذلك القدوس المولود منها يُدعى ابن الله (لو1: 26-38).

والواقع فإن رحلة حياتنا كمؤمنين في هذا العالم، ليست مليئة بالسلبيات وبالمفاجآت القاسية فحسب، كما يريد عدو الخير دائمًا لأذهاننا أن تركز عليه وتفكر فيه، بل هي في الواقع مليئة أكثر جدًا بالمفاجآت السماوية السارة والتي لا تخطر لنا على بال!  روحيًا، بل وحتى زمنيًا!

أحبائي...دعونا نتذكر مثلاً مفاجأة الله ليعقوب بأن ابنه المحبوب يوسف حي ومتسلط على كل أرض مصر!  أو قبلها مفاجأة الرب لإبراهيم بإعفائه نهائيًا من ذبح ابنه إسحق وإعداده كبشًا ممسكًا في الغابة بقرنيه عوضًا عنه.  أو بعدها مفاجأة الله لشعبه بإرسال داود ليخلصهم من جليات المُعيِّر بعد أربعين يومًا من الإذلال ... وغير ذلك ما لا يحصى سواء في التاريخ المقدس بعهديه، أو في تاريخ القديسين وتاريخنا الحاضر نحن أنفسنا إلى هذا اليوم.

نعم إن مفاجآت الله السارة لنا كثيرة جدًا وبالأخص إن كنا نتتبع المعاملات الإلهية معنا بإيجابية يومًا فيوم.

اتضاع متميز

 لكن اللافت للنظر هو الاتضاع الكبير الذي استقبلت به المطوبة «مريم» هذا الخبر السار للغاية وظهر في رد فعلها السريع الدال على حقيقة اتضاعها فعلاً، فقالت مريم: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِك».  ثم بعد أن أسرعت إلى أليصابات أقرت تلك بإيمان مريم وطوبتها عليه.  (لو1: 38-45).

فماذا كان رد فعل مريم على هذا كله؟  لقد سبحت بتلقائية شديدة وبفرح روحي عميق واحدة من أروع التسبيحات في الكتاب المقدس كله: «فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ.  أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ.  أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ.  عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا.  لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ.  فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا» (لو1: 46-56).

لاحظ عزيزي القارئ الكلمات المعبرة بوضوح عن اتضاعها الكبير: سواء في ردها على الملاك

·        «أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ» (ع38)

أو في كلمات تسبيحاتها الخالدة.

·        «نَظَرَ(الرب) إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ» (ع48)

·        «الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ» (ع49)

·        «وَرَحْمَتُهُ.....لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ» (ع50)

·        «رَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ» (ع52)

·        «أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ» (ع53)

أحبائي ... ترى ما هو رد فعلنا تجاه إحسانات ومفاجآت الرب السارة معنا والتي لا تُحصى؟  هل نعتبرها أمورًا عادية، أو ربما نشعر باستحقاقنا لها كمكافآت على إيماننا أو أمانتنا كما قد نظن؟  أم أننا نظير المطوبة مريم، في اتضاع حقيقي نعتبرها شيئًا عظيمًا لا نستحقه؟ ودائمًا الرب ينظر إلى المتضعين ويعطيهم نعمة.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com