عدد رقم 2 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
اتركوها! .. اتركوه! (يو12: 7؛ هو4: 17)  

   يا له من اختلاف شاسع بين «اتركوها» التي قيلت إزاء ما فعلته مريم أخت لعازر، وبين «اتركوه» تجاه أفرايم الموثق بالأصنام؛ بين «اتركوها» كمصادقة إلهية لها، وبين «اتركوه» حيث إعلان الله عدم رضاه عنه؛ بين ترس الحماية السماوية لها، وبين قرار حُكمه المُقدس بالقضاء عليه.

   «اتركوها» .. لقد كان عمل تكريس مريم (كسر القارورة وسكب الطيب) موجهًا إلى الرب نفسه، وهذا يتفق مع طبيعة السجود الواعي حبًا وتقديرًا لشخصه، ولكنه أثار استياء التلاميذ.  كان هذا بالنسبة لهم إتلافًا، ورأوا أن العبادة الراقية والشديدة الإخلاص هي من الأمور الزائدة والمبالغ فيها.

   لكن السيد المبارك رآها من زاوية أخرى.  فالذي دعوه هم إتلافًا اعتبره هو سجودًا قلبيًا.  وما رأوه خسارة للفقراء رآه هو إدراكًا لموته القريب وتقديرًا لآلامه.  وكانت كلماته: «إنها ليوم تكفيني قد حفظته» تعبيرًا عن مصادقته على عملها.  كان موته هو ما يشغلها، بينما كان ملكوته ومجده هو ما يشغل التلاميذ.  لقد نالت مدحه واستحسانه، أما هم فاستحقوا توبيخه.  لقد بسط جناحيه عليها وقال بكل حزم: «اتركوها»! وكان الأجدر أن يعملوا ما عملته.  فإذا لم يُقدِّر أحد تكريسها له، لكنه هو يُقدِّر، وهذا يكفيها.  ويا له من تكريم عندما قال: «حيثما يُكرَز بهذا الإنجيل في كل العالم، يُخبَر بما فعلته هذه تذكارًا لها».

   وعلى النقيض نقرأ في هوشع: «أفرايم مُوثَق بالأصنام» (هو4: 17).  هذا لا يعني مجرد العبادة الوثنية، وهي بلا شك أمر مقيت، ولكن العبارة تعني الاندماج والتوحد المخيف مع الأوثان.  ويبدو أنه لا أمل في الشفاء من هذه الحالة.  فالعبث بالشر على المدى الطويل لا يجعل الضمير متبلدًا فحسب، بل يجعل الشر لذة، وكل إحساس تجاه الله يصبح باهتًا، حتى أن الأصنام تؤكد سطوتها، وعندئذ يُنسى الله تدريجيًا، وعندئذ أيضًا يلزم أن يُترك الإنسان لطرق الله القضائية، ولا جدوى لتدخل الإنسان إذا وصل لهذه الحالة، فالقضاء لا بد أن يقع.  لهذا يقول: «اتركوه»!  لقد اختار طريقه، وعيَّن مسلكه، وعليه أن يحصد النتائج، ويندم على قراراته واختياراته وحماقاته.  فالذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا.  ومع ذلك فإن النعمة قادرة أن تحرر من الأوثان وسطوتها، فلا يُختَم السفر إلا ونسمع أفرايم يقول: «ما لي أيضًا وللأصنام»؟! والرب يجيب: «من قبلي يُوجد ثمرك» (هو14: 8).

   ومن الأفضل للإنسان آلاف المرات أن يُفرغ من إناء لإناء مثل أيوب، عن انحداره في التيار مثل أفرايم.  ومن الفضل له أن يشعر بثقل يد الله بالتأديب، فهي يد الآب المحب، عن تحول نظر الله عنه كلية وتركه تركًا قضائيًا.

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com