عدد رقم 2 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
البقية في الأيام الأخيرة(2)   من سلسلة: الأيام الأخيرة

مبادئ هامة

تناولنا في العدد الماضي، أولى حلقات سلسلتنا الجديدة بمعونة الرب حول "البقية في الأيام الأخيرة"، فرأينا معًا معنى "البقية"، وكيف أنها جزء يمثل أقلية أمينة من مجموع يرتبط ظاهريًا بالله ولكن في الواقع منفصل عنه.  كما أشرنا إلى معاني مختلفة لتعبير "الأيام الأخيرة" حسب كلمة الله.  وأشرنا إلى أن ما سنركز الحديث عليه هو الأيام الأخيرة التي نحياها في آخر العصر المسيحي وقد وصلنا إلى نهاية رحلة الكنيسة على الأرض.  مستقين دروسًا من البقية في أيام سابقة في عدد من المحطات في تاريخ شعب الله القديم.

ولكن قبل التوقف أمام هذه المحطات، دعونا في البداية نتفق معًا على المبادئ الكتابية الآتية:

1.    الأكثرية لا تعني الأفضلية:

لا من جهة صحة المعتقد، ولا من جهة صحة السلوك.  هذه حقيقة كتابية مؤكدة وبعشرات الأمثلة الواقعية.

   فالأكثرية بعد السقوط مالت إلى الوثنية في برج بابل؛ لا إلى الله: مُعتقَدًا وسلوكًا (تك11) فجاءت دعوة الرب إلى أبرام لكي ينفصل عن أور الكلدانيين،  المركز البابلي المتقدم في ذلك العصر الغابر (آخر تك 11مع تك 12).

   والأكثرية كانت للمصريين عابدي الأوثان في زمان موسى لا لشعب الله.  قبل خروجهم من أرض مصر (خر1-15).

   والأكثرية من شعب الله اقترنت بالخطية وزنت روحيًا وراء عجل هارون وقت وجود موسى مع الرب فوق الجبل.  وعندما دعا موسى لاحقًا للانفصال عن الشر انفصلت إليه بقية من الشعب هي الأقلية.

   والأكثرية أيام إيليا كانوا يعبدون البعل، والبقية كانوا سبعة آلاف لم يجثوا للبعل.

   والأكثرية من الشعب القديم في مجيء المسيح الأول كانت في أحط حالتها الروحية والأدبية .. إلا أن هناك بقية تمثلت في أمناء على الأقل هم المذكورين في افتتاحية بشارة لوقا، وكانوا سبعة أشخاص.

       وبطول تاريخ الكنيسة الممتد لنحو ألفي عام؛ توجد أقلية  أمينة وسط أكثرية مستهترة أو ربما مستبيحة.  (أنظر مثلا: البقية في ثياتيرا، وفي ساردس، وفي فيلادلفيا في العصور المبينة في رؤيا 2، 3).

يقولون: إن الكثرة تغلب الشجاعة.  لكن هذا قول لا يصدق عندما يكون الإيمان طرفًا في المعادلة. فلم يكن الثلاثمائة رجل كثرة في أيام جدعون، ولم يكن إيليا في مواجهة أنبياء البعل والسواري كثرة...إلخ.

لكن الحقيقة أن الكثرة لها شعبيتها الكبيرة، وصوتها عالٍ، وتأثيرها ساحق وبالأخص على السذج والبسطاء والسطحيين.  وهذا كله يمثل تحديًا حقيقيًا كبيرًا لأن البقية هي أقلية.  وإن وقعت قرعتها – نظيرنا – في الأيام الأخيرة حيث يوم «الأمور الصغيرة» (زك4: 10) والقوة اليسيرة (رؤ3: 8) فالتحدي يكون أكبر وأعظم! 

إنه من السهل ومن الطبيعي أيضًا أن تسير مع التيار.  أما أن تسير عكسه، وبالأخص عندما يأتي التيار معاكسًا قويًا والموج عاصفًا عاتيًا، فهنا التحدي وقوة الإيمان والإصرار على تمجيد الرب مثلما فعل أمناء في يومهم نظير دانيال ورفقاؤه الفتيان في قصة نبوخذنصر الكلداني.

2.    البقية لا تعني الاستضعاف:

على أنه من الجانب الآخر هناك فارق شاسع بين "ضعف" البقية كأقلية، وبين استضعافها واستكانتها واستسلامها.  لقد قيل يومًا عن عماليق أنه «َقَطَعَ مِنْ مُؤَخَّرِكَ كُلَّ الْمُسْتَضْعِفِينَ (وليس الضعفاء)» (تث25: 18).  أما الضعفاء الذين يشعرون بالمسكنة في ذواتهم مما يدفعهم للجوء إلى الرب فقد تمنطقوا بالبأس نظير حنة أم صموئيل (1صم2: 4).

إن الاستسلام ونشر الروح الانهزامية، والحديث عن نصف الحقيقة والتغافل عمدًا عن نصفها الآخر لا يصح. 

وكمثال لذلك:

 

* عندما نقول: ”أملنا الوحيد في الحالة الحاضرة: هو مجيء الرب“!

 هذا صحيح ولكنه نصف الحق.  ولو أخذنا العبارة ككل الحق فمعنى ذلك أن ننفض أيدينا من مسئوليتنا في كل شيء: عبادة وخدمة وشهادة....إلخ.  الصحيح أن نقول: ”أننا نعمل كل ما بوسعنا.  ونخدم عند رايتنا بكل ما أوتينا من عزم.  ونحن على يقين أن رجاءنا الأكيد هو مجيء الرب“! كالذين رموا المراسي الأربعة، وكانوا يطلبون أن يصير النهار (أع27).

* هناك فارق شاسع بين أن نقول: الشهادة للرب الآن صارت فردية!  وهو قول غريب إذ أن مصطلح "شهادة" مبدئيًا يفترض وجود اثنان أو ثلاثة على الأقل «تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ» (مت18: 16) فكيف تكون هناك شهادة فردية؟  إنها مقولة انهزامية دفعت كثيرين – لاسيما بيننا كشباب – لترك اجتماعات الكنيسة وهجر مبادئ بيت الله تحت شعار "لقد فشلنا"!

ومع الإقرار بكل اتضاع وحزن بفشلنا، وبفشل الإنسان عمومًا تحت المسؤولية دائمًا، إلا أن الصحيح هو أن هناك شهادة للرب حسبما نفهم من كلمة الله.  والصحيح أن نقول أن الأمانة للرب الآن صارت فردية وليس الشهادة!!

لا أقصد طبعًا مما سبق مجرد تصحيح عبارات أو كلمات.. ولكن تصحيح مفاهيم اختلطت وصار التخلي عن المركز الصحيح سهلاً عند الكثيرين بكل أسف، وغالبًا تحت مسميات روحية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

إن النظرة الروحية الصحيحة للبقية هي أنها وإن كانت أقلية، ويميزها الضعف، ويكثر بينها الفشل، إلا أن مركزها الصحيح يدفعنا للاجتهاد لنكون نحن أولاً في الحالة الروحية الصحيحة الملائمة لذلك المركز الصحيح وبالتالي نصبح قدوة إيجابية مؤثرة بالنسبة للآخرين.

 

                                        وللحديث بقية

 

                                                   

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com