عدد رقم 2 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
قصة حقيقية مؤثرة  


«الذي نجانا من موت مثل هذا وهو ينجي، الذي لنا رجاء فيه أنه سينجي أيضًا فيما بعد»

(2كو1: 10)

   ولد الأخ (ص. ف) في 30/ 10/ 1977 في قرية بصعيد مصر، وفي شبابه المبكر افتقدته النعمة وتعرف بالرب وصار مؤمنًا وشاهدًا للمسيح.

   تخرج من كلية الصيدلة في 2001، وتميز بروح الخدمة والعطاء والحب والتضحية للجميع.

  سافر للعمل بإحدى الدول العربية في 2004 وتعرف بالإخوة هناك وكان يواظب على اجتماع الصلاة الأسبوعي يوم السبت، ثم اجتماع درس الكتاب بانتظام إلى أن اشترك مع جماعة الإخوة على مائدة الرب في فبراير 2009

   أكرمه الرب بزوجة فاضلة مشهودًا لها من جميع القديسين في أبريل 2009 هي الأخت (م. ع)، وأعطاه الرب طفلين.

   بدأ حياته وعمله بسيطًا ومتضعًا، وكما حدث مع يوسف (تك39)، كان الرب معه فكان رجلاً ناجحًا، ومهما صنع كان الرب ينجحه بيده.  وحاشا للرب فإنه يكرم الذين يكرمونه (1صم2: 30).  تميز بقلب عطوف يشارك في كل الاحتياجات بكل سخاء، ويعرف أن ما عنده هو ملك للرب، وهو مجرد وكيل مُؤتمَن على ودائع السماء يتصرف فيها طبقًا لما يريده الرب.

   في شهر يونيو 2015 تعرض لمشكلة صحية في الأمعاء وصلت إلى انسداد معوي.  وكان لا بد من التدخل الجراحي السريع لإنقاذ حياته.  وتحددت العملية يوم الأحد 28 يونيو 2015 الساعة 11 مساء في إحدى المستشفيات الكبرى في البلد التي يعمل بها.  زحف الإخوة للمستشفى، فالأخ محبوب جدًا من الجميع، ورفعوا صلاة بنفس واحدة.  الأطباء قالوا إن العملية ستُجرَى بالمنظار وتستغرق ساعة واحدة.  لم يتوقع أحد أية مخاطر.  لكن الأخ الحبيب بعد صلاة وانسكاب أمام الرب قال للأطباء: ”أنا شاعر أنه ستحدث مشكلة كبيرة في العملية، ولكني أشعر بسلام“.  دخل إلى حجرة العمليات مستودعًا نفسه بين يدي القدير، وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الرب من أجله.  أجرى العملية كبير جراحي الجهاز الهضمي بالمستشفى، ومعه فريق جراحين من خمسة أطباء أحدهم طبيب مصري مسيحي.  أثناء العملية حدث خطأ طبي فادح غير مقصود، وهو قطع في الوريد الأجوف السفلي (I. V. C.) الذي يحمل الدم من النصف الأسفل للجسم إلى القلب، وهو أشبه بماسورة ضخمة انفجرت، وإذا بنزيف هائل يحدث ويهدد الحياة خلال لحظات.  توتر الموقف جدًا وارتبكت المستشفى بالكامل وطال الوقت أضعاف المتوقع.  الإخوة بالخارج لا يعرفون شيئًا.  كان هناك تعتيم على الموقف.  لاحظوا كميات كبيرة من أكياس الدم تدخل إلى حجرة العمليات وسألوا هل هذا الدم للصديق (ص. ف)؟! أجابوا بالنفي.  مرت ساعات، وظل الإخوة راكعين على البلاط أمام غرفة العمليات يصرخون إلى الرب ومعهم الزوجة الفاضلة.

   لم يكن بالمستشفى جراح الأوعية الدموية، وكان الوقت متأخرًا بعد منتصف الليل.  اتصلوا به أربع مرات يستدعونه على عجل لكن هاتفه كان مغلقًا.  ظلوا يحبسون الدم بالضغط على الوريد لوقف النزيف بأيديهم في العملية، في انتظار نجدة جراح الأوعية الدموية، فهو الأمل الوحيد.  ولما لم يرد على التليفون، وكان الوقت متأخرًا تضاءل الأمل وشعروا بإحباط شديد.  لكن الدكتور المصري المسيحي تمسك بالكلمة التي قالها أخونا قبل دخوله العمليات: ”أنا أعلم أنه ستحدث مشكلة كبيرة في العملية ولكني أشعر بسلام“.  بناء على هذه الكلمة لم يفقد الأمل وقرر أن يعاود الاتصال بطبيب الأوعية الدموية، وفي هذه المرة الخامسة رد على التليفون وعلم بالحالة والوقت الذي مضى، سألهم: هل لا زال على قيد الحياة، وإذا حضرت هل يوجد أمل؟ قالوا: تعال وربنا موجود.  في لمح البصر وتحت التحكم الإلهي، حضر الدكتور واندفع إلى غرفة العمليات، وواجه الموقف بمهارة، واستطاع أن يصلح الوريد المقطوع ويوقف النزيف.  وكان عدد أكياس الدم التي أخذها في العملية 22 كيس دم من فصيلة (O+) وهي فصيلة يندر توفرها بهذه الكميات.  والسؤال كيف توفرت هذه الكميات من هذه الفصيلة في بنك الدم في ذلك الوقت؟ وهذه قصة أخرى.  فقبل العملية بيومين حدث تفجير في مسجد شيعي بهذه المنطقة، وأصيب عدد كبير في هذا الحادث، ونُقل المصابون إلى ذات المستشفى.  وتسابق الأهالي للتبرع بالدم بأعداد كبيرة جدًا تعاطفًا مع الموقف.  وكان هذا أيضًا تحت إشراف السماء ليوفر هذه الكمية غير الطبيعية، لشخص عزيز على الرب وعلى كل القديسين، وهناك العشرات يرفعون التضرعات لأجله.  تسربت الأخبار للإخوة خارج غرفة العمليات، وكيف أن الموقف حرج للغاية، وكانت كالصاعقة عليهم جميعًا مما جعل دموعهم تنهمر بغزارة وتبلل الطرقات، وهذا زاد من صراخهم وتمسكهم بالرب.  الكل علم بخطورة الموقف إلا الزوجة التي في بساطة الطفل كانت تتعامل مع الموقف بهدوء وسلام ولم تكف عن الترنيم.  أخذها أحد الإخوة إلى المنزل على أن تعود في الصباح إلى المستشفى.  تجند الإخوة جميعًا لتقديم كل الخدمات المعاونة، بما في ذلك التبرع بالدم بكل نشاط القلب، وهذا كشف معدنهم المتميز.  استمرت العملية عشر ساعات بدلاً من الساعة الواحدة المتوقعة.

   خرج صديقنا حيًا من العمليات إلى غرفة العناية المركزة وظل فيها أربعة أيام.  لكن المشكلة لم تنتهِ، فقد تعرض لمضاعفات خطيرة بعد العملية حيث حدثت له عدة جلطات، منها جلطة في الساق اليمنى تبعتها جلطة بالرئة اليمنى، وتوالت الجلطات بشكل مخيف، وكان الخطر أن تتحرك هذه الجلطات إلى المخ أو القلب أو أي عضو حيوي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في لحظات.  وكانت حيرة الأطباء في أنه يحتاج إلى جرعات كبيرة من مُسيلات الدم لتذويب الجلطات، لكن هذا يحمل خطرًا كبيرًا على خياطة الوريد الأجوف السفلي المقطوع، والذي لم تستقر حالته بعد.  سمعهم أخونا (ص. ف) يتحاورون، وفهم المشكلة المزدوجة والخطر الداهم في الحالتين.  كان من الصعب أخذ القرار، فمن يتحمل المسؤولية؟ لكنه بكل هدوء وسلام وثقة في الله الذي بدأ بعمل صالح، قال لطبيبة أمراض الدم: ”أعطيني الهيبارين (المُسيل للدم) وأنا واثق أن الرب لن يُفشل ويُخزي جميع المؤمنين الذين يصلون لأجلي في كل العالم“.  قالت له: ”هذه لغة السماء وأنا لا أستطيع أن أعترض عليها“. 

   أخذ جرعات كبيرة من الهيبارين الذي أذاب الجلطات ولم تحدث مشكلة.  وكان يعاني من تورم شديد في الجسم بعد العملية، فأخذ بحذر حقنة لازكس (مدر للبول)، لتخفيف الورم وتسريب المياه المختزنة في الجسم، وكان المتوقع نزول 2 لتر من السوائل من جسمه في أحسن الحالات، لكنه فقد 7,8 لترًا خلال 6 ساعات.  وبينما كان يرقد في المستشفى وحالته لا تزال حرجة وغير مستقرة، تعرض طفله الصغير لوعكة صحية شديدة دخل على أثرها إلى نفس المستشفى، وكان يرقد في الطابق الأول وأخونا في الطابق الثاني، ثم تم نقل الطفل إلى مستشفى أخرى للسيطرة على حالته، والأم محصورة بين الاثنين.  لكن الله رحمه ورحم الأم والإخوة الذين كانوا يصلون بلا انقطاع لأجل الاثنين، وخرج الطفل سالمًا بعد ثلاثة أيام.  وتحسنت حالة الأخ الحبيب بسرعة، وخرج من المستشفى يوم 17/ 7/ 2015 ليعود بسلام إلى بيته وأسرته، وإلى أحبائه في الاجتماع، وإلى عمله بكل نشاط.

   بعدها بفترة وجيزة تكرر الموقف حرفيًا مع شخص آخر (وهو مواطن وليس مغتربًا) دخل العمليات لتُجرى له ذات الجراحة بواسطة نفس فريق الأطباء، وإنما هذه المرة كان معهم جراح الأوعية الدموية، وقُطع الوريد، وأصلحه الطبيب، وخرج المريض حيًا.  لكنه في العناية المركزة حدثت الجلطات وتحركت إلى الرئة وسببت الوفاة الفورية للمريض، ونشرت الصحف قصته بالتفصيل.  مما أثبت للجميع أن ما حدث للأخ (ص. ف) كان معجزة حقيقية صنعتها يد القدير، طبقًا لمشيئة إلهية وقصد إلهي في هذه الحالة بالذات، حيث شاء فصنع.   

   لكن النقلة التي حدثت في حياة الأخ وفي حياة زوجته بعد العملية كانت ولا تزال واضحة المعالم جدًا، فإن هذا العمر الإضافي هو من الرب ولأجل الرب، فهما يعيشان الآن حياة مكرسة يميزها العطاء والمحبة والخدمة التاعبة لجميع القديسين بتلقائية وبشكل رائع.

   وكان لهذا الاختبار مردود قوي لدي جميع الإخوة لتزداد ثقتهم في الرب أكثر، ويدركون بعمق أنه  يسمع التضرعات ويصنع المستحيلات، وأنه «يُحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة» (رو4: 17).

   أما بقية الأصدقاء من الطوائف المسيحية الأخرى فقد تمنوا أن ينتموا إلى هذا الاجتماع الذي ينتمي إليه صديقنا المحبوب لما رأوه من جو المحبة الصادقة والترابط العميق، والأعداد الكبيرة التي أحاطت به بمشاعر فياضة، مما أذهل رجال الأمن أنفسهم وهم يتساءلون: مَن هم كل هؤلاء؟ وهل جميعهم أقرباؤه؟ وكان من الصعب أن يدركوا إحساس الجسد الواحد والربط الروحية دون قرابة جسدية.  كذلك عندما رأوا الصلوات الحارة والتضرعات التي حركت السماء بشكل لم يروه من قبل، وكيف أن الرب لا يُفشِّل من ينتظرونه.  إنه إله الأمانة وعظيم الصنيع.

   هذا الاختبار كتب مضمونه الأخ (ص. ف) الذي رفض ذكر اسمه أو أية تفاصيل شخصية عنه، وتمت صياغته بإيجاز لأجل مجد الله وتشجيع القديسين.  ويلفت النظر ما يلي:

1-   عندما يسمح الرب بأي مرض أو ظرف طارئ لواحد من قديسيه، نتذكر قوله عن مرض لعازر: «هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله.  ليتمجد ابن الله به» (يو11: 4).  فالموت لا يحتاج إلى مرض.  لقد «علم (الرب) ما هو مزمع أن يفعل» (يو6: 6)، ولم يُفاجأ بشيء.  إنها فرصة لاستعراض مجد الله.  وهذا يتحقق من خلال الأزمات.  فدعونا لا ننزعج إذا سمح بالأزمات.

2-   من حق الرب أن يختار أشخاص يشاركوه في مشاريعه، ومن خلالهم يستطيع أن يتكلم بقوة للآخرين.  وعادة هؤلاء الأشخاص هم المحبوبون والنافعون والمؤثرون.  ولو أخذ الرب آراءنا سنتحفظ كثيرًا على هؤلاء الأشخاص ونقول للرب: ”من فضلك يارب .. إلا هؤلاء“.  أما الرب فيقول: ”بل هؤلاء“، فهم فقط الذين يصلحون لهذه المهمة.

3-   في حالات خاصة يعلن الرب أسراره وخططه لخائفيه، ويُهيئهم لما سيحدث ويعطيهم سلامًا.  والإيمان يمسك بالله ويثق في الانطباع الذي يتركه في أعماقه، ويبني قراراته على ذلك، حتى لو كان العيان مُفشِّلاً.

4-   الله يتحكم في المواقف تحكُّمًا سياديًا، ويسيطر على الأحداث والأشخاص، ولا يمكن أن يفلت الزمام من يده.  وهو يحتفظ لنفسه بحق التدخل في اللحظة المناسبة وبالطريقة المناسبة.  ونحن لا نستطيع أن نُعجل الله أو نُحدد له طريقة الاستجابة، وإنما فقط «لتُعلَم طلباتكم لدى الله، وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في4: 6، 7).

5-   في الأحوال العادية نحن نصلي، ولكن في الأزمات نصرخ وننسحق أمام الرب ونسكب قلوبنا قدامه.  وهناك فارق بين مَن يصلي باستغناء، وبين مَن يصارع مع الرب بأوفر لجاجة.

6-   في الأزمات يقترب المؤمنون من بعضهم أكثر بإحساس الجسد الواحد وتزداد المحبة وتذوب الاختلافات، فإذا تألم عضو فإن جميع الأعضاء تتألم معه (1كو12)، وهذا سيؤثر في العالم الذي لا يعرف سوى الأنانية والمحبة النفعية. 

7-   الذي يحكم استجابة الله ليس فقط حرارة صلواتنا ولجاجتنا ورغباتنا، وإنما القصد والمشيئة الإلهية.  وطريقة الاستجابة قد تختلف من شخص لآخر، ومع نفس الشخص من مرة لأخرى.  ويجب أن نثق في محبته وقدرته وحكمته، وأنه لا يُخطئ ولا يقسو ولا يُحطم ولا يُفشِّل.  إنه صالح وإلى الأبد رحمته.  وهو أعظم من الإنسان، وكل أموره لا يجاوب عنها (أي33: 13).  «ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء.  لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرًا» (رو11: 33، 34).  وهو يجعل كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه (رو8: 28).

8-   الصلاة لا تُغير فكر الله ومشيئته، لكننا من خلال الصلاة نعرف هذه المشيئة ونتغير ونختبر أنها صالحة ومرضية وكاملة.

9-   العمر محدد من الرب، إن كانت أيامه محدودة، وعدد أشهره عندك، وقد عينت أجله فلا يتجاوزه .. (أي14: 5).  لقد طُرح يونان في البحر لكي يموت (يون1)، لكن الرب أصدر أمرًا أن لا يموت.  وأخآب تنكر ودخل الحرب مختفيًا، لكن رجلاً غير متعمد نزع في قوسه، فأصابه بين أوصال الدرع ومات (1مل22).

10-                                       الأحداث الفارقة في حياتنا ستجعلنا أكثر صلابة، وأكثر لمعانًا وجمالاً في عيني الرب، وأكثر شبهًا به، وسنعيش بفكر سماوي مختلف عن الذين يفتكرون في الأرضيات.

                                                                                    

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com