عدد رقم 2 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لو كنت مكاني  

  أهلاً بكم أعزائي الشباب مع عددٍ جديد من بابكم "لو كنت مكاني"

في  هذا العدد سوف نتعرف على رسالة وصلت إلينا من صديق المجلة (رائد) الذي كتب قائلاً:

"أنا اسمى رائد، تخرجت حديثًا من إحدى الكليات النظرية وأشكر الرب الذي وفقني في عمل مناسب وأنا الآن أجتهد في عملي أن أكون شهادة حسنة لمجد المسيح.  كما أنني تعودت منذ  أن كنت في الإعدادية والثانوية على حضور الاجتماعات الروحية والمشاركة في خدمة مدارس الأحد وخدمة شباب إعدادي.

لكن الحقيقة أني الآن أعاني مع كثير من جيلي من الإحباط.  فلم تعد الاجتماعات الكنيسة كما كنا نراها سابقًا أو كما كنا نسمع عنها من أسلافنا.  فلقد غابت الحرارة الروحية وحل محلها برودة مميتة.  ولقد غاب الاحتضان والتشجيع  وحل محله الانتقاد والتطفيش.  ولقد صار واضحًا جدًا الفرق الشاسع بين ما نُعلِّم به وبين ما نحن عليه عمليًا.  لقد اكتفينا ببعض الشعارات البراقة عن الحق والتمسك بالحق مما يعطينا شعورًا بالأفضلية على باقي الجماعات المسيحية، ونحن في الحقيقة فقدنا جوهر الحق ألا وهو التقوى والمحبة العملية والخدمة الرعوية.

أفكر كثيرًا في الانعزال والبحث عن جماعة أخرى ربما لها مقدارًا بسيطًا من النور لكن يتوفر لديها الإخلاص والصدق.

أرجوكم أفيدوني

                                                                                          رائد

 

عزيزي وأخي المحبوب رائد.

امتلأت عيناي بالدموع وأنا أقرأ رسالتك المعبرة عن حالتك وعن حالة الكثيرين من بني جيلك يا حبيبي. فكيف لا تفيض عيناي دموعًا وأنا أرى شابًا ممزقًا من الداخل، لديه رغبة شديدة في الانتماء لهذا الكيان الوحيد الباقي الذي هو كنيسة الله، لكن ضعف الحالة يعثره، وبرودة المحبة تلفظه، وسطحية ممارسة الحق تحبطه؟

على أنني يا صديقي رائد أرى بعض النقاط الإيجابية، والأخرى التي تحتاج إلى إعادة تصحيح في رسالتك، والتي سأحاول بنعمة الرب المرور عليها واثقًا في رصيد المحبة الذي لي في قلبك وفي قلوبكم كشباب جميعًا، وسأكون بنعمة الرب منصفًا غير متحيزٍ مستندًا في كلامي على كلمة الله الصادقة فقط.

 

أولاً: الجذور العميقة:

إني رأيت في رسالتك يا صديقي رائد كمًّا من الجذور العميقة التي لك منذ شبابك المبكر في إعدادي وثانوي وحتى في الجامعة.  فلقد أشرت في رسالتك عن تلك المشاهد الحلوة من مشاهد التقوى وحرارة الروح والمحبة والرعاية، تلك المشاهد التي كنت تشاهدها في الاجتماعات منذ صغرك والتي استمعت إليها من إخوة أفاضل أكبر منك سنًا، مما يدل على نشأتك الجميلة الملازمة لمحضر الرب وحرص عائلتك منذ صغرك على تربيتك تربية روحية سليمة، وأيضًا يدل على علاقة رائعة محترمة كانت تربطك بالجيل الأكبر منك أيام الماضي الجميل.

كذلك أيضًا أرى فيك شابًا ناجحًا في عمله زمنيًا وباحثًا عن الاستفادة من كل فرصة أمامك للشهادة للرب أمام الجميع في عملك، كذلك مجهودك الرائع في خدمة الأجيال الأصغر سنًا في مدارس الأحد وفي النشئ الصغير.  فطوبى لك لأنك بهذه المشاعر الحلوة أنت في تلامس مع مشاعر الله وقلبه تجاه النفوس، وتأكد يا حبيبي أن الرب الأمين يلاحظ دوافعك ويقدر أمانتك وحاشاه أن لا يكرم الذين يكرمونه (1صم2: 30). لكني أكاد أن أشعر بهزات عنيفة في رسالتك:

 

ثانيًا: الهزات العنيفة:

 نعم يا صديقي أشعر بزلزال يهز كيانك وأنت ترى المسافة واسعة شاسعة بين المؤمنين والاجتماعات الكنسية كما كنت تسمع عنها أو تراها في الماضي وكما تراها الآن، بعد أن ذهبت البساطة والروحانية، وحلت محلها السطحية والبرودة الروحية والشعارات الجوفاء.  إنها حالة من الازدواجية والاختلاف بين ما نعيشه وما نقوله (رؤيا 3: 1)، وحالة من الرياء فيها نظهر بعكس ما نحن عليه في الحقيقة (مت23: 27)، وحالة من الفلس والفراغ الروحي تقودنا إلى فرض سيطرتنا على المخدومين مهملين الدور الرعوي اللازم لحماية القطيع وإطعامه (1بط5: 2).  إن حالة الازدواجية والرياء هذه  لهي مكروهة جدًا ليس من المؤمنين الأمناء فقط لكن من الرب شخصيًا.  ففي أيام خدمته وجه سهام ويلاته الستة ضد الفريسين والناموسيين بسبب ريائهم (لوقا 11).  وفي رسالته لملاك كنيسة لاودكية قال له إنه مزمع أن يتقيأه من فمه بسبب حالته الفاترة (رؤيا3: 16).  لكن صديقي العزيز علينا أن ندرك أنه وإن كان هناك حالة من التشويش والفوضى والفتور والسطحية، فعلى الجانب الآخر يوجد أمناء أتقياء يحبون الرب ويقدرون كلمته ومركزه وشعبه.  وهذا يقودني أن أحدثك عن بعض الثوابت الأصيلة.

 

ثالثًا: الثوابت الأصيلة:

أولى هذه الثوابت أن الكنيسة كمشروع هي التتميم لقصد الله الأزلي في استحضار أبناء مشابهين صورة الابن، وعابدين يقدمون سجودًا للآب بالروح والحق.  إنها المسكن الروحي الذي يسكن فيه الروح القدس، وفيه يستعرض أمجاد الابن، وهو مركز الشهادة عن الله أمام العالم. ولعل هذا ما جعل الكنيسة هدفًا مستمرًا لهجمات الشيطان عبر العصور، محاولاً النيل من الكنيسة لإفساد دورها على الأرض في تمجيد الله والشهادة لاسمه.  ولعلك تتذكر ما قاله المسيح في قيصرية فيلبس في أول أعلان له عن الكنيسة في العهد الجديد: "وأنا اقول لك أيضًا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18).  وما هو المقصود بأبواب الجحيم التي لن تقوى على الكنيسة؟ إن المدن قديمًا كانت تحاط بالأسوار الحصينة، وكان قادة الجند وشيوخ المدينة وقضاتها يجلسون في باب المدينة للقضاء وللمشورة.  وكأن الرب يسوع يصرح قائلاً إنني سأبني كنيستي على صخرة هذا الإعلان بأنني ابن الله الحي، وحتى لو قامت مؤامرات قادة جند الجحيم المتآمرون في الأبواب على الكنيسة لإهلاكها فلن تقوى عليها. إذًا فبكل تأكيد إبليس وجنوده يحيكون المؤامرات دائمًا ضد الكنيسة، وقد تأتي هذه المؤامرات في شكل  أسد هائج مستخدمًا موجات شرسة من الاضطهاد والضيق الشديد، "اصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1بط5: 8).  وإذ تفشل خطة الشيطان عندما يأتي كأسد نتيجة سهر المؤمنين وصلاتهم، فإنه يحاول جاهداً مستخدمًا أسلوبه الآخر الخبيث واللئيم ألا وهو أسلوب الحية.  "وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ" (2كو11: 3).  ويتمثل أسلوب الحية هذا أن يأتي متسللاً للداخل رويدًا رويدًا متمثلاً في انقسامات وتحزبات كما كان في كنيسة كورنثوس، أو متمثلاً في اختلاف الآراء كما كان في كنيسة فيلبي أو متمثلاً في حالة الرياء والادعاء كما كان في كنيسة ساردس، أو متمثلاً في حالة الفتور كما كان في كنيسة لاودكية، أو متمثلاً في الازدواجية والسطحية والبرودة الروحية كما أشرت أنت في رسالتك، أو متمثلاً في العين الناقدة اللائمة دائمًا كما هو متوقع لك إن استسلمت أنت لحالتك هذه.

 

رابعًا: نقاط العودة الجريئة

نعم يا صديقي رائد، أنا أقصد ما ختمت به النقطة السابقة بأن هناك خطورة من تحول حالتك هذه من حالة الشعور بالغيرة على حال جماعة الرب الضعيفة إلى حالة الشكاية والنقد وإلقاء اللوم، وبينهما شعرة لا يميزها إلا اللجوء للرب والالتصاق به.

حبيبي رائد: طالما نحن على الأرض والجسد فينا والشيطان عدونا، فالضعف والهزال واردٌ وإن كان ليس مقبولاً على الإطلاق.  لكن الأمناء لهم طريق مختلف في أيام الضعف واللاهوية.  اسمح لي أن أرسم لك بعض ملامح هذا الطريق في نقاط سريعة:

1-  ينبغي لك أن تحزن بسبب الحالة لكن احذر من الشكوى ضد شعب الرب مهما كانت حالته.  بل خذ دورك الكهنوتي وتوحد مع المؤمنين وارفع الصلاة لأجل الجميع.  فدانيال ونحميا وعزرا لم يفصلوا أنفسهم عن الشعب في أخطائهم بل في اتحادٍ تام معهم صلوا طلبًا للمراحم (اقرأ دانيال9، عزرا9، نحميا9).

2-  لا تترك محضر الرب مهما كانت الحالة.  فلم يكن هناك أسواء من خيمة الاجتماع وقتما كان عالي الكاهن وأولاده في فساد تام.  لكن المرأة التقية حنة لجأت إلى الرب في محضره في خيمته والرب استجاب لها ووهبها صموئيل الذي كان سببًا أساسيًا في تغيير الحالة الروحية لشعب الله.  ليتك تظل ملتصقًا بمحضر الرب كما فعلت حنة ولتنتظر النتائج.

3-  الاجتماعات الكنسية ليست فقط  للتعزية والبنيان والتشجيع وإن كان هذا نصيب كل مؤمن تقي ملتصق بمحضر الرب، وإنما هناك جانب آخر متمثلٌ في حقوق المسيح كرأس الجسد في استقبال العبادة والسجود والتسبيح من كنيسته.  لذلك فتركك لمحضر الرب بدعوى أنها تخلو من التعزية هي خطوة تنم عن أنانية وطفولة.  فأين حق المسيح فيك وفي قلبك وفي عبادتك وفي تسبيحك؟

4-  تذكر أنه حيث يجتمع المؤمنون إلى اسم الرب، هناك فقط يأخذ المسيح مكانه كالرأس للجسد والرئيس للاجتماع، وهناك يقود الروح القدس المؤمنين في العبادة والخدمة كما يشاء، وهناك يمارس الحق الخاص بكهنوت جميع المؤمنين.  وهذا الحق لن تجده في أي اجتماع نظامي مرتب بشكل بشري مهما كان.  وإذا كان التعليم صحيحًا فهناك أمل أن يكون التطبيق صحيحًا، أما إذا كان الخلل في التعليم فلا أمل أن يمارس الحق بشكل صحيح.  

5-  عزيزي رائد.  مع تدهور المستوى الروحي للكنيسة في رحلتها في سفر الرؤيا أصحاحي2 و3  ممثلاً في السبع كنائس مما جعل يوحنا يعطيها ظهره يائسًا من حالتها، إلى أن جاءه صوت الرب كابن الإنسان من وسط المناير السبع.  أي نعم.  فبالرغم من الضعف والرياء والإدعاء وفتور المحبة وكل هذه العيوب إلا أن المسيح ما زال في وسط المناير (الكنائس) ومازال ممسكًا بالكواكب السبع (ملائكة الكنائس).  وما على التقي إلا أن يأتي ويقف في صف الرب ويجلس عند قدمه وينظر للكنيسة بذات نظرة الرب لها.

والرب معك

إذا كان لديكم مشاركة أو تساؤل أو استفسار في أي موضوع، يمكنكم مراسلتنا على البريد الإلكتروني: ayad.zarif@gmail.com أو على صفحتنا facebook/lawkontmakany

                                                                         

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com